بلدي نيوز- دير الزور (شبل الياسري)
بدأت الميلشيات الإيرانية بإنشاء كتيبة نسائية في مدينة دير الزور، في مطلع شهر حزيران من هذا العام، مكونة من الجاسوسات والمخبرات، متخصصة بالتسلل إلى قيادات خصومهم، باستخدام تقنيات الإغواء والتلصص، حيث يتم تدريب أعضاء هذه الكتيبة على اختراق المجتمع المحلي، لاستهداف الأشخاص والجماعات الذين يناهضون الوجود الإيراني في سوريا، مع الاستمرار بزعزعة استقرار المجتمع المحطم أصلاً، من خلال نشر وترويج المخدرات، وجذب المزيد من الرجال إلى الميليشيات الإيرانية وتعزيز الدعاية لإيران بين العائلات والمجتمع المحلي.
إن ما يبدو وكأنه قصة من قصص هوليوود التي لا تصدق، هو للأسف حقيقة واقعية مرعبة، فالقيادة الإيرانية وميليشياتها تستدرج النساء ثم تعمد إلى تهديدهن وإرهابهن للقيام بهذه الأدوار، وتضغط عليهن من خلال التلويح بتدمير سمعتهن الاجتماعية، وحياتهن لتنفيذ مهمات قذرة، ليصبحن رويدا رويداً بلا أي أمل أو خيار سوى الاستمرار بعملهن كخادمات للنظام الإيراني.
قيادة الكتيبة
يقع مقر الكتيبة في فيلات البلدية بدير الزور، وقد حصلت "بلدي نيوز " على فيديو حصري للمقر من الخارج، ويظهر المقطع المصور الواجهة التي لا تثير الانتباه لهذا التشكيل السري.
أنشأت الكتيبة بالتنسيق الوثيق مع مخابرات نظام الأسد، حيث كلف الحرس الثوري امرأة عراقية واسمها "منار" بتشكيل كتيبة الزهراء، وهي خبيرة في الاغواء والتجسس.
وتعمل "منار" بالتعاون مع امرأة سورية تدعى "سلمى جذيبة" يعتقد أنها من ريف مدينة جبلة، وكذلك زوجة فراس العراقية (قائد قوات الدفاع الوطني في دير الزور) التي تدعى "منار" أيضاً،، وتم تعيينها مسؤولة محلية في مدينة دير الزور، وقد انضمت إلى الكتيبة مؤخرا فتاة سورية من بلدة محردة تدعى عليا، أنشأت مجموعة خاصة ضمن الكتيبة تدعى مجموعة "اللبوات" (جمع لبوة) ولم تعرف مهامها بعد، لكن كافة عناصر مجموعتها من خارج دير الزور.
التجنيد عن طريق الاستغلال
تقود النساء الأربع مجموعة من حوالي 150 امرأة، من بينهن سوريات ولبنانيات وعراقيات، وتختلف مهام كل عنصر حسب العمر، والمظهر الجسدي، والخبرة، والمهارات.
وقد علمت "بلدي نيوز" من أحد المقربين من الكتيبة أن من الـ 150 امرأة هناك نحو 39 امرأة محلية من دير الزور، تم تجنيدهن للتجسس لصالح الإيرانيين.
التكتيك المتبع هو جذب النساء بعروض عمل في المجال الإنساني، واستغلال رغبتهن في مساعدة الآخرين وكسب المال لعائلاتهن، وفي سياق هذا العمل "الإنساني"، يتم تكليفهن لاحقا "بمهام أمنية" صغيرة يكافأن عليها ماليا.
وبمرور الوقت، يتم تشجيعهن بشكل أكبر على تحمل المجازفة الأمنية والمخاطرة بالسمعة، وتحفيزهن بمكافأة مالية أكبر، بينما يتم استقطاب نساء أخريات بالمخدرات، إما من استغلال حالة ادمان موجودة مسبقاً، أو عن طريق التوريط بالإدمان من قبل صديقاتهن، اللواتي يعملن في الكتيبة، وسرعان ما يتم الإيقاع بهن وابتزازهن عبر التهديد بالفضيحة الاجتماعية، ليتم بعد ذلك ابتزازهن من قبل قادة الحرس الثوري الإيراني، ويجدن أنفسهن محاصرات في فخ لا مفر منه سوى بمواصلة السير في الطريق ذاته.
وعلمت "بلدي نيوز" أن تكتيكا آخر يتم اتباعه، وهو الحصول على مستمسكات وفيديوهات تسجل سراً لبعض النساء والفتيات، بعد أن يتم توريطهن بممارسة شكل من أشكال الدعارة، يدعى الزواج الأبيض، أو زواج المتعة، حيث يتم منح الفتاة لأحد المقاتلين الأجانب بعقد زواج مؤقت مدته بضعة أيام مقابل مبلغ مالي.
وأورد أحد مصادرنا مثالاً مروعاً عن واحدة من هذه الفتيات، تم تزويجها من خمسة رجال في شهر واحد بهذه الطريقة، مما أدى إلى الحمل من أحدهم، وتحت تأثير الخوف من الفضيحة، والانهيار النفسي الذي تسببت به المخدرات التي بدأت بتعاطيها، انتحرت الفتاة بشنق نفسها.
ولفتت مصادرنا أن هذه ليست حالة الانتحار الوحيدة، فالتهديد بالاعتقال والقتل الذي عانت منه أكثر من فتاة أدى إلى الانهيار العقلي الكامل، والذي يتفاقم غالبا بسبب الاستخدام الكثيف للمخدرات، مما يؤدي في النهاية إلى الانتحار هرباً من الضغوطات والخوف من الفضيحة.
مصادر تمويل الكتيبة
وفق مصادر من داخل الكتيبة، صرحت لبلدي نيوز فإن الكتيبة لا تتلقى أي أموال من الميلشيات الإيرانية، بل تشتري الحشيش المخدر والكبتاغون الذي تنتجه تلك الميلشيات بأسعار منخفضة، لتقوم بإعادة بيعه بأرباح كافية لاستمرار العمل.
أما من جانب نظام الأسد فقد تم تكليف تاجر النفط وعضو مجلس الشعب المدعو مدلول العزيز بدفع مبلغ شهري لهذه الكتيبة، من أرباح عمليات بيع المخدرات وتهريب النفط الذي يزاوله بغطاء من أجهزة النظام الأمنية.
تمكن هذه العمليات الكتيبة من دفع رواتب شهرية، للنساء العاملات في الكتيبة، حيث تحصل النساء الأجنبيات غير السوريات على ما يقارب 5 ملايين ليرة سورية شهريا، في حين تتقاضى السوريات من خارج محافظة دير الزور 2 مليون ليرة سورية، أما النساء المحليات من دير الزور، اللواتي يمكن استغلالهن عبر التهديد بالفضيحة داخل مجتمعاتهن، فيحصلن على الأجر الأقل وهو مبلغ 1.2 مليون ليرة سورية فقط شهريا.
الإغراء والتلصص
يتركز عمل الكتيبة على الإغواء والإيقاع بالضحايا للحصول على المعلومات والتعاون. حيث يقوم مكتب أمن الحرس الثوري الإيراني برئاسة "الحاج علي" بتقديم اسم الهدف ومعلومات عنه لقيادة الكتيبة، وتختار قيادة الكتيبة الفتاة الأنسب للتعامل مع الهدف وتشرع في تهيئة الظروف لإدخالها في حياته، وما أن تتمكن الفتاة من التواصل مع الهدف، تبدأ عملية تطوير علاقة عاطفية وجنسية. وتبلغ هذه العملية ذروتها عند الحصول على المعلومات المطلوبة مثل المستمسكات والفيديوهات وغيرها، من المستندات التي يمكن استخدامها لابتزاز الهدف، وتنتهي بعض العمليات باعتقال الهدف، أو حتى اغتياله على يد الفتاة، وغالبا عن طريق التسميم.
نماذج من أنشطة كتيبة الزهراء وعملياتها
تمكنت بلدي نيوز من الحصول على تفاصيل بعض العمليات بطريقة غير مباشرة، من احدى الفتيات العاملات في الكتيبة وهي التالية:
- عملية استهدفت السيد س. م" وهو مهندس وهو معروف بعدم قبول الاحتلال الإيراني لدير الزور، لكن لا أدلة تثبت ان له نشاط في هذا الصدد، تم تعريفه عن طريق ابنة أخيه التي تعمل سرا في الكتيبة على فتاة عراقية، تمكنت من إقناعه بانها احبته، ودخلت في علاقة غرامية معه لمدة أسبوعين، انتهت باعتقاله.
- عملية استهدفت الناشط "ي. ج" وهو شاب مثقف ومهتم بتراث دير الزور، بعيد طلاقه من زوجته أرسلوا إليه فتاة لبنانية تبلغ من العمر 24 سنة، ادعت انها صحفية متخرجة حديثاً وتجري تحقيقا عن تاريخ وتراث دير الزور، وتطورت العلاقة إلى "حب" انتهى به في السجن، بعد أن كشف لها عن علاقاته مع معارضين في الخارج.
- عملية استهدفت "ع. ع" وهو ناشط سري ضد الميلشيات الإيرانية وخاصة في مجال تزويد الإعلاميين في الخارج بأخبار وصور وفيديوهات، حول انشطة الميلشيات الإيرانية في دير الزور، تم إسكان فتاة عراقية في بنايته، وكسبت ثقته على مدى زمني طويل، حتى تمكنت من دخول منزله وكشفت كافة حساباته السرية على الانترنت.
- عملية استهدفت السيد "ي. س"، وهو ناشط مجتمعي في مناهضة الاحتلال الإيراني، لم يتم دفع أي فتاة إليه، بل جلبت احدى أعضاء الكتيبة معلومات كافية عنه من زوجها، وهو أحد أصدقاء المستهدف المقربين.
جاسوسات لاختراق المجتمع المحلي في دير الزور
الكتيبة لا تستهدف الرجال فقط، بل تجمع أيضا معلومات عن المجتمع في كل انحاء محافظة دير الزور. حيث يتم أيضا جمع الأدلة حول الناشطات المناهضات لإيران في مدينة دير الزور بعد التقرب منهن وإقامة صداقات معهن.
وعلى سبيل المثال تمكنت احدى المنتسبات للكتيبة وتدعى منال من الإيقاع بثلاث نساء، بعد أن سجلت أدلة ضدهن بشكل سري، مما أدى إلى اعتقالهن وسجنهن، وتؤدي هذه الاعتقالات عادة إلى انكشاف المزيد من المناهضين للوجود الإيراني، وبالتالي إلى مزيد من الاعتقالات التي تستند في بعض الأحيان إلى أدلة بسيطة أو حتى مجرد الاشتباه.