بلدي نيوز- (مصعب الياسين)
توسعت دائرة الحرائق صباح أمس في ريف اللاذقية، وعاودت ألسنة اللهب الاشتعال في ريف حماة الغربي لتطال عدة مواقع في منطقتي مصياف وسهل الغاب، اللتين تغطت بلداتها بالسحب الدخانية بشكل كامل.
ونعت مديرية الدفاع المدني التابعة للنظام في اللاذقية، أحد عناصرها الذي فارق الحياة إثر انقلاب صهريج ماء، كان يقوده متوجها به إلى أحد مواقع الحرائق، التي اتخذت مسار توسعيا، أمس باتجاه بلدة الربيعة الواقعة على خط تماس بين مناطق سيطرة النظام، من جهة والمناطق المحررة من جهة أخرى.
من جانبها، قالت مديرية زراعة حماة التابعة للنظام إن موقعين حراجيين في المحافظة، اشتعلت فيهما الحرائق بشكل مفاجئ، كان الأول في قرية عاشق عمر بمنطقة مصياف والثاني في عين الكروم بسهل الغاب.
وعلى الرغم من أن الحرائق التي توسعت في جبال الساحل السوري بقوة، وباتت مصدر خطر حقيقي يداهم الأشجار الحراجية المعمرة في المنطقة، إلا أن بداية تلك الحرائق كان من منطقة سهل الغاب، والذي تلاه اكتشاف أثري هام بالقرب من قرية فقرو والذي كان يتعرض لتخريب وتنقيب غير شرعي، بحسب مديرية آثار حماة في حكومة النظام.
وفي التاسع عشر من شهر تموز/ يوليو الجاري، أعلنت حكومة النظام عن اكتشاف مدفن أثري يعود للحقبة البيزنطية، انكشف بعد حرائق طالت المنطقة، مما يوجه الاتهام المباشر لجهات تعمل على سرقة الآثار، وذات نفوذ، بإشعال الحرائق في المنطقة بهدف الوصول لنقاط أثرية أخرى محيطة بالمدفن البيزنطي، بحسب الناشط الميداني مصطفى أبو عرب.
ويؤكد أبو عرب في حديثه لبلدي نيوز أن اكتشاف المدفن الاثري بعد الحريق الواسع بأحراش مرتفعات سهل الغاب، لم يكن وليد الصدفة بل سبقه عمليات حفر وتخريب للمدفن، بقصد البحث عن الآثار ليتطور العمل إلى محاولة حرق محيط المدفن لإزالة الأعشاب والأشواك المؤدية لبواباته ليتعاظم الحريق ويصبح خارج سيطرة الفاعلين، الذين لا يمكن أن يكونوا أشخاصا عاديين بل يحملون صفات عسكرية أو أمنية مرتبطة بقوات النظام، حسب اعتقاده.
وغير بعيد عن أحراش منطقة سهل الغاب، سجلت محافظة اللاذقية احتراق آلاف الدونمات الحاوية على الكثير من أنواع الأشجار الحراجية المعمرة، سيما أحراج قرى حمام وبيت سواحلي وسولاس وخربة سولاس وبستنجيق والنهر الأسود وعين الزرقا والطارقية والزهراء مشقيتا والريحانية وجبل نملة بريف اللاذقية، ذات الغنى الخضري والمقصد السياحي الجذاب.
وكان مدير الدفاع المدني التابع للنظام في اللاذقية جلال داوود، وجه أصابع الاتهام في اشتعال الحرائق بالمناطق الحراجية لجهات لم يسمها، في حين أكد في حديثه الذي عرضته وسائل إعلام موالية أن الحرائق اشتعلت بأماكن متفرقة من المحافظة، ما يعني أن هناك مسببين ومفتعلين للحرائق، فيما جاء بعده تصريح محافظ اللاذقية عامر هلال، متهما مسيرات من وصفهم بالإرهابيين بالمسؤولية عن الحرائق .
تصريح محافظ اللاذقية واتهامه للمعارضة السورية بافتعال الحرائق، كان بمثابة هروب من المسؤولية والفشل الذريع لحكومة النظام بالسيطرة على الحرائق، سيما أنه سبقه بساعات تسجيل مصور للناشطة السورية ابنة الساحل "لمى عباس" بثته عبر صفحتها على فيس بوك وجهت فيه أصابع الاتهام بشأن الحرائق، إلى جهات تعرفها ولم تحددها، مؤكدة أنها تقف وراء افتعال الحرائق من أجل شراء أراضي الساحل بأسعار بخسة بعد فقدان الأهالي الأمل، بإعادة استثمارها في الإنتاج، مناشدة أهالي الساحل بالتوقف عن بيع أراضيهم.
نصيحة الناشطة لمى عباس جاءت بعد ثلاثة سنوات من نصيحة مشابهة، وجهها بشار الأسد للمزارعين في الساحل السوري، بعدم بيع أراضيهم لمن وصفهم بـ "المستغلين" وضعفاء النفوس، بعد موجة حرائق طالت في صيف العام 2020 عشرات آلاف الدونمات الحاوية على أشجار حراجية ومثمرة.
وكانت بلدي نيوز أعدت عقب زيارة الأسد حينها للمزارعين في ريف اللاذقية، في عام 2020 مادة صحفية، قابلت فيها المحامي "عبد الناصر حوشان"، والذي تحدث عن مخاطر تلك الحرائق وآثارها.
وقال حوشان حينها "أغلب الحراج في الساحل والجبل من تلكخ، ووادي النصارى على الحدود اللبنانية جنوبا، إلى كسب شمالا على الحدود التركية، مرورا في مناطق مصياف والغاب والقرداحة وجبلة وصافيتا وبانياس وصلنفة واللاذقية، تحوّلت إلى معسكرات تدريب ومستودعات سلاح الميليشيات الطائفية وشبيحة الأسد".
واضاف أن "أغلب أصحاب رؤوس الأموال والمتنفذين المؤيدين للنظام من حلب وحماة ودمشق و غيرها من المناطق، استقرّوا في البقاع الساحلية والجبلية، منذ بداية الثورة عام 2011، ونقلوا تجارتهم ومعاملهم وأموالهم إليها، فمن الطبيعي أن تتغيّر الجغرافية لتستوعب التغيير الاقتصادي والاجتماعي، فكانت الحراج هي الضحية".
واكمل "إضافة إلى ذلك الاستثمارات السياحية الروسية الممنوحة لهم من قبل بشار الأسد بموجب العقود الموقعة بينه وبين الشركات الروسية، تسببت بتسارع السباق بين الروس والإيرانيين للاستيلاء على المنطقة، لاسيما وأن الانتشار الواسع للإيرانيين في المنطقة يهدف لتغيير عقائد ما تبقى من أهلها، من خلال عمليات التشييع، بالإضافة إلى بناء مراكز قوة قريبة من البحر لتكون نقاطا متقدمة لتنفيذ أيو عمليات في المنطقة، لخدمة المصالح الإيرانية".
وأشار إلى أن "إشعال الحرائق إحدى وسائل إرسال الرسائل بين الأطراف المتصارعة، والتي يغلب عليها فكر العصابات الإجرامية التي لا تأبه لا لحياة البشر ولا لقيمة الأرض والشجر، فمصالحها فوق كل اعتبار".
وأردف "حوشان": "ولتكون عملية التوطين والتملك قانونية كان لابد من عملية التفاف تتيح للمستثمرين الدوليين والمحليين استملاك الأراضي الحراجية الخاصة، لتكون منطلقا ومرتكزا لمن يحصل عليها".
وأكد المتحدث أن القانون أعطى لوزير الزراعة والإصلاح الزراعي صلاحيات واسعة للتصرف بأراضي الحراج وأراضي أملاك الدولة في المنطقة، حيث يملك صلاحية التأجير وإبرام عقود الاستثمار، ومنح التراخيص بالبناء والأشغال، بمعنى آخر فهو الأمر الناهي بالتصرف في هذه الأملاك، والتي تشمل بطبيعة الحال الشواطئ،
ويمكن لمعرفة من قام بحرائق الحراج في الساحل، بالبحث في سجلات وزارة الزراعة ومعرفة عدد وأصحاب طلبات الاستثمار والإيجار وطلبات المبادلة وترقين إشارات "الحريق" الموضوعة على الأراضي، الموجهة إلى وزير الزراعة صاحب صلاحيات واسعة بموجب القانون 6 لعام 2018 قانون الأحراج".
وبشكل مبسط يشرح "حوشان" القانون بالقول إنه وبحسب قوانين الحراج المعمول بها يمنع بيع الأراضي الحراجية الخاصة، واستملاكها والإتجار بها، حتى إذا كانت مسجلة بأسماء خاصة، وسواء كانت حراجية للدولة، وبالقانون توضع إشارة مانعة للتصرف بتلك العقارات تسمى "إشارة الحريق" التي تمنع التصرف بتلك الأحراج سواء العامة أو الخاصة.
ويحق بحسب القانون لوزير الزراعة رفع إشارة الحريق عن الإحراج الخاصة بحال تم حرق العقار أو الأراضي، ومن هنا يمكن للمالكين أن يطلبوا من وزير الزراعة والإصلاح الزراعي في حكومة النظام ترقين إشارة الحريق أي رفعها ليتصرف بها المالك بالبيع والشراء، وكأنها ملكه الخاص، وهنا استكمال الجريمة، وهدفها المبيت من حرق الإحراج كي يتم التصرف بها بيعا وشراء، دون العودة إلى قوانين الدولة، وهذا ما يفسر كلام بشار الأسد بطلبه للسكان بعدم بيع أراضيهم مقابل مجمل مساعدات طويلة الأمد، وفق الحوشان.
ويختم "حوشان" حديثه بأن جميع الأطراف النافذة في عصابة الأسد مستفيدة من الحرائق بدءا من صاحب الأرض الذي سيحصل على تعويض سنوي، وانتهاء بالمتنفذين ورؤوس الميليشيات وحيتان الأموال الذين سيصبح لهم أرض قانونية في حراج الدولة التي كانت هي الضحية.