بوليتيكو
حتى بعد الافتراض بأنه قد قام بتسليم مخزونه الكامل من الأسلحة الكيميائية قبل ثلاث سنوات، فإن بشار الأسد لا يزال مستمراً في تجاوز خط باراك أوباما "الأحمر"، كما كشفت لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة، فلقد أكّد مسؤولون أميركيون يوم الأربعاء بأن التحقيق حُسِمَ بمسؤولية الأسد ونظامه عن حالتين على الأقل من الاستخدام القاتل لغاز الكلور المحرم دولياً في سوريا منذ عام 2013، كما كشف المحققون أيضاً استخدام الجماعة الإرهابية والمعروفة باسم "تنظيم الدولة" لغاز الخردل.
إن هذه الاستنتاجات الأخيرة تمنح الذخيرة للجمهوريين لانتقاد طريقة تعامل الرئيس الأمريكي "أوباما" مع الأزمة في سوريا، وخاصة بقراره بعدم التدخل عسكرياً في عام 2013، وحتى بعد أن أصبح الأسد واضحاً بعدم اكتراثه من تحذير أوباما من أن استخدام الأسلحة الكيميائية سيكون تجاوزاً "للخط الأحمر"، قد يمهّد تقرير المحققين أيضاً لمواجهة ما بين الولايات المتحدة وروسيا والتي ساندت طويلاً الأسد في حملته العسكرية، وذلك عندما يقرر مجلس الأمن الدولي ما يجب القيام به رداً على ذلك.
لقد أصدرت سامانثا باور، سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة بياناً شديد اللهجة إزاء التقرير يدين "الاستخدام المروّع والمستمرّ للأسلحة الكيميائية من قبل النظام السوري."، حيث قالت فيه: "من الضروري أن يتوافق أعضاء مجلس الأمن يتوافقون معاً للتأكد من اتخاذ الإجراءات العقابيّة المترتّبة على أولئك الذين قاموا باستخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا"، كما أضافت "من الضروري أن تتوقف جميع الجهات الحكومية وغير الحكومية بشكل مباشر عن استخدام أي أسلحة كيميائية، كما أننا نحثّ وبقوة جميع الدول على دعم اتخاذ إجراءات قوية وسريعة من قبل مجلس الأمن".
ومع ذلك فقد أصدر البيت الأبيض استجابة أكثر حنكة، بحيث أنه وفي حين أدان استخدام الأسلحة الكيميائية "بأشد العبارات"، إلا أنه لم يشدّد على الحاجة إلى القيام بردّ فعل عاجل من المجتمع الدولي، إذ قال نيد برايس المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الابيض بأن "الولايات المتحدة ستعمل مع شركائها الدوليين للسعي في المحاسبة، وذلك من خلال الآليات الدبلوماسية اللازمة، بما في ذلك من خلال مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، كما أننا نحثّ جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة والأطراف في اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية، بما في ذلك كل من روسيا وإيران، على المشاركة في هذا الجهد."
لقد آلت سوريا إلى حرب مروّعة عقب انتفاضتها الشعبية في عام 2011، وفي عام 2012 أصدر أوباما "خطه أحمر" محذّراً الأسد، حيث اعتقد الكثيرون في المجتمع الدولي بأن ذلك يعني بأن الولايات المتحدة ستتصرف بحزم إذا ما استخدم الديكتاتور الأسد تلك الأسلحة الكيميائية، وفي العام التالي أصبح من الواضح بأن نظام الأسد قام بتوظيف هذه العوامل القاتلة، مسفراً عن مقتل الآلاف من المدنيين، ولكنّ أوباما اختار عدم شنّ أي ضربات عسكرية ضد نظام الأسد، وبدلاً من ذلك، قامت إدارة أوباما بالعمل جنباً إلى جنب مع روسيا والأطراف الأخرى، بالتوصل إلى اتّفاق مع الأسد في أواخر عام 2013 والذي سمح له بتفكيك وتسليم مخزونه من الأسلحة الكيميائية للهيئات الدولية لتدميرها، بحيث انضم الأسد أيضاً لاتفاقية الأسلحة الكيميائية.
لقد كان الاتفاق من نواح عديدة، اتّفاقاً تاريخياً رائداً، أدّى إلى التخلص من أكثر من 1200 طن من المواد الكيميائية القاتلة، من خلال عملية وجّهتها منظمة حظر الأسلحة الكيميائية التابعة للأمم المتحدة، كما قال أوباما بأنه فخور بقراره لعقد صفقة، بحجة أنه أنقذ المزيد من الأرواح على المدى الطويل بشكل أفضل من القيام بأي ضربات عسكرية، إلا أنّ العديد من الجمهوريين انتقدوا عدم رغبة أوباما بشنّ ضربة عسكرية على الأسد، قائلين بأنه جعل الولايات المتحدة تبدو ضعيفة أمام منافسها الأكثر جرأة -روسيا، كما قال النائب إد رويس، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب لصحيفة بوليتيكو في بيان صدر عقب تقرير يوم الأربعاء، بأن بشار الأسد قام "بالاستهزاء" من "خط أوباما الأحمر".
ويشير العضو الجمهوري من كاليفورنيا إزاء هذا الشأن قائلاً "يصرّح البيت الأبيض بأنه من المستحيل الآن "إنكار" أن نظام الأسد قام مراراً وتكراراً بشنّ هجمات بالغاز المحرّم دولياً ضد الشعب السوري الأعزل في أعوام 2014 و 2015 ، وفقط قبل بضعة أسابيع، كما قام الأسد بإسقاط المزيد من القنابل البرميلية على أحياء تقع شرق مدينة حلب، فما الذي ينوي الرئيس حقاً القيام به حيال ذلك الأمر الآن؟"
ولم يكن غاز الكلورين مُدرجاً كجزء من الاتفاق مع الأسد، وذلك لأن المنتج يمكن استخدامه في العديد من الأوجه القانونية، ومع ذلك يُحظر استخدام الكلور كسلاح وفقاً لاتّفاقية الأسلحة الكيميائية، والتي انضم إليها الأسد كجزء من الصفقة، على أي حال، ومنذ عام 2013 كانت هنالك عشرات الحالات المزعومة لاستخدام الأسد للأسلحة الكيميائية في سوريا، كما أفادت هذا الأسبوع صحيفة الفورين بوليسي، بأن الأمم المتحدة كانت قلقة من أن الأسد لم يقم بتسليم كل ما كان من المفترض أن يسلّمه بموجب الاتفاق الأصلي.
لقد كان التقرير الذي صدر في يوم الأربعاء مقدّماً من آلية تحقيق مشتركة، وهي اللجنة المشتركة والمرتبطة بمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، حيث بحث فيها المحققون في تسع حالات من استخدام الأسلحة الكيماوية المزعومة في سوريا منذ عام 2013، لقد كانت مهمّة تلك اللجنة تتجلى بربط وتسمية المسؤولين عن ارتكاب تلك الهجمات في أكبر عدد ممكن من الحالات، ولكن الأمر الآن متروك لمجلس الأمن لتحديد كيف أو ما إذا كانت ستتم معاقبة أولئك الجناة.
إن "تنظيم الدولة" الإرهابي، والذي يسيطر أراض واسعة في أجزاء من سوريا والعراق، هو الآن بالفعل تحت الحصار من قبل قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة، أما الأسد في الوقت نفسه، يقاتل جماعات الثوار المعتدلين والمدعومين من قبل الولايات المتحدة، وأطراف دولية أخرى تحاول الإطاحة به، فحكومته تتلقى دعماً عسكرياً قوياً من كل من روسيا وإيران ولفترة طويلة.
إن روسيا كالولايات المتحدة، تمتلك حق النقض في مجلس الأمن، كما أنها قد تحاول عرقلة أي محاولة جادة لمعاقبة الأسد، ومع ذلك فإنها قد تكون على استعداد للموافقة على بعض فرض العقوبات على النظام، في حين أن السفارة الروسية في واشنطن لم تستجب على الفور على طلب التعليق بشأن هذا الأمر.