تقرير:"الكبتاغون"فقط يتخطى الانقسامات والمعابر في سوريا (فيديو) - It's Over 9000!

تقرير:"الكبتاغون"فقط يتخطى الانقسامات والمعابر في سوريا (فيديو)


بلدي نيوز

تغيّرت خارطة سوريا خلال عشر سنوات من الحرب المدمرة، فرُسمت خطوط جديدة ومعابر داخلية تفصل بين المناطق، لكن شيئا واحدا بدا وكأنه عابر للتقسيم ولخطوط التماس فتحوّل إلى تجارة مربحة تفوق قيمتها عشرة مليارات دولار، هي تجارة الكبتاغون، المخدر الذي يدرّ مدخولاً هائلاً على أطراف متنوعة في بلد أنهكت الحرب اقتصادها.

من شمال سوريا إلى جنوبها مرورا بباديتها وسواحلها، وبغض النظر عن القوى المسيطرة عليها، سواء أكانت قوات موالية للنظام كان أم معارضة له، تتخطّى حبوب الكبتاغون الانقسامات، لتحوّل سوريا الغارقة في نزاع دام منذ 2011، إلى دولة مخدرات.

وتشمل دورة إنتاج وتهريب هذه الحبوب المخدرة لبنان المجاور الذي ينوء أيضاً تحت ثقل انهيار اقتصادي.

وتُعد حبوب الكبتاغون اليوم أبرز الصادرات السورية، وتفوق قيمتها كل قيمة صادرات البلاد القانونية، وفق تقديرات مبنية على إحصاءات جمعتها وكالة "فرانس برس"، وتوثّق الحبوب المصادرة خلال العامين الماضيين.

وباتت سوريا مركزا أساسيا لشبكة تمتد إلى لبنان والعراق وتركيا وصولاً إلى دول الخليج مروراً بدول إفريقية وأوروبية، وتُعتبر السعودية السوق الأول للكبتاغون.

وأجرت وكالة "فرانس برس"، مقابلات مع أكثر من 30 شخصا من مهربين ومسؤولين أمنيين حاليين وسابقين في سوريا ودول أخرى، فضلاً عن ناشطين ومسؤولين محليين على دراية بصناعة الكبتاغون، وطلب معظمهم عدم الكشف عن أسمائهم. وتتداخل علاقات تجارية وعشائرية وقبلية ومصالح بين خطوط تهريب وتجارة الكبتاغون.

في منطقة نائية في البقاع اللبناني، يقول شخص لديه علاقات مع عدد من التجار مكنته من الاطلاع والتوسّط في صفقات كبيرة، عن تجارة الكبتاغون، "رأسمالها خفيف وأرباحها كبيرة".

ويتقاسم أربعة أو خمسة تجار كبار، وفق هذا الوسيط، شحنة واحدة ميزانيتها عشرة ملايين دولار تغطّي المواد الأولية وطرق التهريب التي تُعرف بـ"السكة"، و"الرشاوى"، وتعود بربح قدره 180 مليون دولار.

ويوضح "إذا خسروا أول عشرة ملايين، وثاني عشرة ملايين، وحتى ثالث عشرة، بمجرّد أن تنجح شحنة واحدة في المرور، يكون التاجر رابحا".

ويقول الوسيط "إنها شبكة واحدة، سورية سعودية لبنانية عراقية أردنية"، مشيراً إلى وجود رابط عشائري غالباً يجمع بين المناطق والبلدان.

ويؤكد الوسيط ومصادر أمنية في المنطقة، أن العشيرة الأكثر نفوذاً هي "بني خالد" التي تعدّ الأكبر وتمتد بين سوريا ولبنان والأردن والعراق والسعودية، وتتحدّر منها قبائل متنوعة.

ومن مصدرها في سوريا إلى وجهتها في السعودية، قد تبقى شحنة الكبتاغون في يد العشيرة نفسها ما يمنحها ضمانات أكثر ويُسهّل عملية الدفع ويجعل ملاحقتها أكثر صعوبة.

ويتمّ إجمالا تهريب الكبتاغون في أكياس بلاستيكية صغيرة، ويطلق على كل كيس من مئتي حبة عبارة "الشدّ"، ويوضع أحياناً خمسة من أكياس "الشد" في كيس أكبر.

في العام 2021، ووفق بيانات رسمية، صادرت القوى الأمنية في دول عدة أكثر من 400 مليون حبة كبتاغون.

وبحسب ما أظهرت مضبوطات من العام 2022، يبدو أن "صادرات" الكبتاغون ستفوق تلك التي تمّت في العام السابق. لكن هذا ليس سوى رقم بسيط جداً مقارنة مع ما لم يُضبط.

ويقول مسؤولون أمنيون، إنه مقابل كل شحنة يتمّ ضبطها، تصل تسع شحنات أخرى إلى وجهتها.

ويترواح سعر حبة الكبتاغون بين دولار و25 دولارا. واذا احتُسب سعر الحبة بخمس دولارات، ووصلت أربع من أصل خمس شحنات الى وجهتها، تتخطّى قيمة تجارة الكبتاغون السنوية عشرة مليارات دولار. ويّعد ذلك أقل تقدير لتلك التجارة الضخمة.

وبما أن ثمانين في المئة من تلك التجارة مركزها سوريا، وفق مسؤولين أمنيين، يكون الكبتاغون أبرز صادرات تلك الدولة، ويعود عليها بأرباح تفوق حجم ميزانيتها بثلاثة أضعاف.

ويستفيد نظام الرئيس بشار الأسد ودائرون في فلكه وشبكة تجار الحرب بشكل هائل من تجارة الكبتاغون.

وتتورّط أجهزة أمنية وعسكرية سورية عدة في تلك التجارة، قد تكون أبرزها الفرقة الرابعة التي تتبع ماهر الأسد، شقيق الرئيس السوري، وفق ما أفادت مصادر عدة بينها أمنيون سابقون في سوريا ومهربون وخبراء.

وتقول كارولين روز من معهد نيولاينز الذي نشر تحقيقاً حول صناعة الكبتاغون قبل أشهر، "لعبت الفرقة دوراً أساسياً في حماية وتسهيل وتهريب الكبتاغون في حمص واللاذقية، وفي نقل الشحنات إلى مرفأي طرطوس واللاذقية".

ويقول ناشط معارض متابع لعمليات التهريب "يحصل مصنعو الكبتاغون أحياناً على المواد الأولية من الفرقة الرابعة، وتكون موضوعة أحيانا في أكياس عسكرية".

ويشير باحثون في الموضوع إلى أن لحزب الله اللبناني دورا مهما في حماية صناعة الكبتاغون، وخصوصا في المنطقة الحدودية. ويتهمه سكان في جنوب سوريا بالوقوف خلف انتشارها في مناطقهم. وينفي الحزب أي علاقة له بهذه الصناعة.

وتُعد الفرقة الرابعة أبرز الفرق العسكرية المنتشرة في المنطقة الحدودية بين لبنان وسوريا، وتتمتع بنفوذ كبير في مرفأ اللاذقية في غرب البلاد.

ولطالما شكّلت الحدود اللبنانية السورية مسارا لتهريب البضائع على أنواعها. ولم تعد تقتصر عمليات تهريب الكبتاغون على الحدود الشرقية للبنان خصوصا بعد حملة أمنية طالت التجار، فتحوّل كثر إلى الحدود الشمالية.

ويقول مصدر قضائي لبناني يلاحق قضايا كبتاغون، إن منطقة وادي خالد المعروفة بالتهريب وخصوصاً السلاح خلال أعنف سنوات النزاع السوري، "باتت مليئة اليوم بمهربي" الكبتاغون.

من الجنوب إلى فصائل الشمال. 

مع التشديد الذي حصل خلال السنة الأخيرة في لبنان على صعيد ضبط عمليات صناعة وتجارة الكبتاغون، تراجعت أعداد المختبرات في منطقة البقاع، وانتقل تجار إلى المنطقة الحدودية داخل الأراضي السورية، وساعدتهم في ذلك إعادة فتح معبر نصيب الحدودي بين سوريا والأردن فتوسّعت اليه طرق التهريب، عدا عن المعابر غير الشرعية.

ويعد جنوب سوريا، وتحديدا محافظتا السويداء ودرعا، معقل طرق تهريب أساسية لحبوب الكبتاغون نحو الأردن، وفق ناشطين وأمنيين سابقين من المنطقة.

في السويداء، دفع التردي الاقتصادي بشبان كثر إلى الانضمام إلى عصابات محلية تعمل في تخزين وتهريب البضائع، وعلى رأسها الكبتاغون.

ويقول المتحدث باسم "حركة رجال الكرامة" المعارضة أبو تيمور "هناك استغلال للوضع المعيشي للسكان"، فضلاً عن فوضى انتشار السلاح في المحافظة.

ويضيف "السويداء منطقة تهريب وتخزين" للحبوب، مشيرا إلى أن أفراد عشائر في البادية المجاورة ينقلون البضائع إلى السويداء، حيث يجري تخزينها ثم تهريبها غالباً عبر الحدود الأردنية بالتعاون مع "أكثر من مئة عصابة مسلحة".

ويتخطّى الأمر النظام وحلفاءه لتعبر الحبوب خطوط التماس وتوحّد الخصوم.

ويقول مستشار سابق لحكومة النظام السوري "جمع الكبتاغون كلّ أطراف الصراع (..) النظام والمعارضة والأكراد وداعش".

كما دخلت صناعة الكبتاغون وتهريبه مناطق سيطرة الفصائل الموالية لتركيا في شمال سوريا.

ويقول مهرّب في تلك المناطق لفرانس برس "أعمل مع أشخاص في حمص ودمشق يأتون بالحبوب من مستودعات الفرقة الرابعة"، مضيفاً "نوزّع الحبوب هنا أو نرسلها إلى تركيا بالتنسيق مع الفصائل (..) السوق التركي يعتمد علينا كثيراً، نحن بوابة لهم".

ويبيع المهرب، وفق قوله، أيضا الحبوب لمسؤولين في هيئة تحرير الشام التي تسيطر على حوالي نصف محافظة إدلب المجاورة.

ويعتمد المهرّب في تجارته على حبوب يأتي بها من مناطق سيطرة النظام أو مصنعة محلياً. ويشير إلى أن الفصائل تحتكر تصنيع الكبتاغون في مناطق سيطرتها "ولا يتجرأ أحد آخر" على الأمر.

ويتابع "تعجّ المنطقة بالفصائل، هي أشبه بغابة الكلّ جائع فيها". 

وبحسب المهرّب، الاسم الأول في تجارة الكبتاغون في المنطقة هو قيادي في فصيل السلطان مراد أبو وليد العزة، "لأن لديه علاقات قوية مع الفرقة الرابعة منذ أن كان يتواجد في حمص". 

لكن فصيل السلطان مراد ينفي أي تورّط له في صناعة وتهريب الكبتاغون.

كما تعدّ تركيا مصدرا لمواد أساسية في تصنيع المخدّر، وفق ما يقول المصدر القضائي اللبناني، مشيراً إلى أن "ديثيل الأثير، أحد أنواع الكلوروفورم، مكوّن أساسي في (صناعة) الكبتاغون، ومعظمه يدخل من تركيا".

وبالإضافة إلى المواد الأولية، وبينها أنواع من الأسيد تتواجد في مواد التنظيف أو نشاء الذرة أو الكافيين وغيرها، يكمن أبرز استثمارات صناعة الكبتاغون في آلة كبس الحبوب التي تستعمل أيضاً في صناعة الحلوى.

ولم يتردّد موقع إلكتروني صيني بالترويج علنا لـ"آلة كبس أقراص الكبتاغون" مقابل 2500 دولار.

ولا يتطلّب تصنيع الكبتاغون مساحات واسعة. فمن الممكن إنشاء مختبر مجهز بالآلات الأساسية، وأبرزها آلة الكبس وجهاز الخلط وفي بعض الأحيان فرن لتنشيف المواد، خلال 48 ساعة فقط، ما يعني أن تجار الكبتاغون قادرون على استئناف عملهم بعد وقت قصير من أي مداهمة يتعرضون لها.

ويقول موظّف في معمل أدوية في سوريا لفرانس برس من خارج سوريا، إن بعض مصانع الأدوية متورطة كونها قادرة على استيراد المواد الأولية لتلك الصناعة "غير المعقدة التي يمكن أن تتم في أي معمل أدوية خاص".

وبرغم أن السلطات السورية تعلن بين الحين والآخر عن مصادرة شحنات أو مداهمة مستودعات، يقول الموظف إن ذلك ليس سوى "مسرحيات".

في لبنان، وعلى وقع عمليات ملاحقة صناعة وتهريب الكبتاغون في شرق البلاد، بات بعض التجار يعتمدون على مختبرات صغيرة موجودة على ظهر شاحنات، ما يجعل من الصعب ضبطها.

وإن كانت الأجهزة الأمنية والعسكرية اللبنانية تعزّز عمليات ملاحقة تهريب الكبتاغون، إلا أن ميزانياتها المحدودة تعرقل عملها في ظل الانهيار الاقتصادي القائم.

ويقول المصدر القضائي، في إشارة ضمنية الى نفوذ شبكات الكبتاغون والفساد المستشري في لبنان، "لا يريد أحد أن يسجنهم، (التجار)، خصوصا أنهم يوزّعون الرشاوى بكرم، ولديهم متعاونون في شركات الشحن".

في لبنان، أطلقت وسائل إعلام محلية لقب "ملك الكبتاغون" على رجل الأعمال "حسن دقو" المتهم بإدارة امبراطورية ضخمة من منطقة البقاع في شرق لبنان، مستفيداً من علاقات جيدة مع مسؤولين لبنانيين وسوريين.

واعتقلت القوى الأمنية اللبنانية "دقو" في نيسان من العام الماضي بتهمة تهريب حبوب الكبتاغون، الأمر الذي نفاه تماماً، مؤكداً أنه يعمل لصالح الأمن العسكري السوري والفرقة الرابعة، وفق مستندات قضائية اطلعت عليها "فرانس برس".

وتُعد بعض الأعمال التجارية التي يملكها "دقو"، وفق مسؤولين أمنيين، غطاء لتجار المخدرات، وبينها معمل مبيدات زراعية في الأردن وشركة سيارات في سوريا وأسطول صهاريج.

ويقول مسؤول أمني، إن نفوذ "دقو" تراجع، مقابل صعود أسماء أخرى في المنطقة.

في سوريا، أشارت مصادر عدة إلى أن النائب "عامر خيتي" الذي تفرض عليه واشنطن عقوبات اقتصادية، شخصية رئيسية في مجال تهريب الكبتاغون.

ويقول موظف يعمل لديه لفرانس برس من خارج سوريا، إنه شاهد على شحنات كبتاغون نُقلت إلى أحد مستودعات "خيتي" قرب دمشق.

ويضيف "عائلة خيتي من العوائل المشرفة على الموضوع منذ ما قبل الحرب"، متابعا "كانت تتم الاستفادة من تجارة المواشي لتهريب المخدرات من خلال وضعها بأكياس بلاستيكية داخل أحشاء الماشية".

لكنه يستدرك أن خيتي "رجل طيب يقدّم لنا العون. ليس لدي مشكلة في أنه يفعل ذلك، طالما أنه يساعد الآخرين".

يقول مسؤول أبحاث سوريا في مركز التحليلات العملياتية والأبحاث (كور) إيان لارسون "تحوّلت سوريا إلى المركز العالمي لصناعة الكبتاغون عن إدراك"، مشيراً إلى أنه لم يعد أمام دمشق سوى خيارات تجارية محدودة جراء اقتصاد الحرب والعقوبات القاسية.

وتتوزّع دولارات الكبتاغون بين مسؤولين سوريين كبار وأصحاب ثروات وتجار وصولاً إلى شبان يعانون البطالة أو سكان ولاجئين يرزحون تحت عبء الفقر يعملون في تصنيع تلك الحبوب وتهريبها.


مقالات ذات صلة

أمريكا تطالب لبنان بالقبض على مدير مخابرات النظام السابق جميل الحسن

مصادر تكشف طريقة فرار ضباط النظام المخلوع

الكشف عن المسؤول اللبناني الذي سهل فرار كبار ضباط النظام

حزب لبناني.. أول دعوى بحق المخلوع بشار الأسد

توقيف سائق و20 شخصاً يحملون الجنسية السورية بتهمة دخول الأراضي اللبنانية بطريقة غير شرعية

بعد استهداف جميع المعابر.. عودة معبر المصنع مع لبنان للعمل

//