بلدي نيوز – (أيمن محمد)
من طائرات التحالف إلى بواخر الجيش الروسي، أصبح كل شيء في تلك الرقعة الجغرافية المسماة سوريا مستباحاً.
شهدت الحرب السورية الطويلة تدخل عدة قوى أجنبية على الأرض بمختلف الأشكال منها ما هو مباشر ومنخرط في القتال بعدته وعديده، ومنها ما هو متدخل بشكل أقل وضوحاً على المستوى العسكري المباشر على الأقل، وينحصر دوره حتى هذه اللحظة في الدعم.
قد يكون الإيرانيون والروس هم المثال الجدير بالذكر في كلتي الحالتين، فإيران دخلت بميليشياتها وحرسها الثوري، وروسيا ترسل بواخرها المحملة بكل ما يحتاجه الأسد.
وجود قديم
لم يكن الوجود الروسي في سوريا خافياً منذ بداية الحرب السورية، فمن شحنات السلاح والذخائر والعتاد التي لم تتوقف يوماً واحداً وصولاً لتقارير تحدثت عن مستشارين عسكريين يعملون مع قوات النظام.
قدم الروس ومن قبلهم السوفييت نوعين من الدعم البشري لقوات النظام، أولها الدعم التقني بالمستشارين التقنيين والفنيين في عدة مجالات، وتشمل جميع أنواع الأسلحة التي يشتريها النظام من روسيا، ويوجد الكثير من الأمثلة عبر تاريخ العلاقات بين نظام الأسد والاتحاد السوفيتي التي شغل فيها عناصر سوفييت أسلحة سلمت حديثاً لنظام الأسد.
إضافة لتواجد ثابت لبعض الخبراء الروس في عدد من المواقع وأوضح مثال على ذلك مركز الاستطلاع الالكتروني (س) والذي كان يعمل فيه خبراء روس بشكل دائم منذ ما قبل الحرب.
أما النوع الثاني من الدعم والذي تسبب بالكثير من الضجة هو ما سرب من مشاركة لوحدات روسية (أو على الأقل أفراد من الجيش الروسي) في معارك النظام الأخيرة، وما رافقه من إعلان عن بدء التدخل الروسي المباشر في الحرب السورية.
خطوط القتال
عدا عن بعض التقارير التي تحدثت عن مشاركة مباشرة للقوات الروسية في معارك بالقرب من اللاذقية، تحدثت معظم التقارير الإعلامية عن انتشار القوات الروسية في عدة مناطق من دمشق والساحل بخاصة اللاذقية ومطارها وميناء طرطوس، إضافة لمطار حماة وغيره من القواعد العسكرية العالية التحصين والبعيدة عن خطوط القتال خلال الحرب كلها، ما يعطي اشارات لعدم نية الروس المشاركة في العمليات القتالية بشكل مباشر خلال الفترة القصيرة القادمة على أقل تقدير.
وتفيد تسريبات حصل عليها "بلدي نيوز" وجود عناصر روس غير محدد تماماً طبيعة مهمتهم في عدة مناطق قريبة من دمشق، يسيطر عليها نظام الأسد، بداية بيعفور والصبورة والمزة الغربية، إضافة لمطار المزة العسكري.
منع السقوط
العامل البشري والتقني لا يعتبران المحرك الأساسي للتدخل الحاصل بغض النظر عن مستواه.
فالنظام مدعوماً بإيران التي تسيطر على خزان بشري شيعي كبير من عدد من الدول لايزال قادراً على تأمين الحاجة من العناصر البشرية الرخيصة للقتال في الخطوط الأولى.
وحتى الأسلحة الروسية لم تتوقف عن التدفق للنظام والميليشيات المرافقة له منذ بداية المعارك.
ما يزيل السببين المباشرين الذين يتوقع أن يكونا المحرك الرئيسي للتدخل الروسي، لكن التقهقر الكبير لقوات النظام وخسارتها لعدد كبير من المناطق يمكن اعتباره محفزاً للإعلان عن التدخل الروسي، والكشف علانية عن دعم النظام بقوات عسكرية بهدف إعادة تثبيت أركان النظام المتهالكة أكثر من إحراز النصر في معارك على الأرض.
تضخيم اعلامي
العشرات من التقارير الاخبارية تحدثت عن وصول كم كبير من القوات الروسية إلى سوريا بدباباتهم وطائراتهم وطياريهم وسفنهم.
لكن لا يوجد حتى الآن تقارير مثبتة موثقة تثبت وصول أكثر من 3000 جندي روسي مقاتل (عدا عن الخبراء والتقنيين) إلى سوريا والباقي كله لا يخرج عن إطار التقارير والتسريبات الإعلامية غير الموثقة.
ودخلت القوات الروسية بما لا يقل عن 25 ألف جندي بشكل مباشر (على أقل التقديرات) والمئات من الدبابات والعشرات من الطائرات في مواجهة القوات الجورجية التي لا يتعدى مجموعها 18000 ألف جندي، في حين دخلت إلى أفغانستان بما لا يقل عن 100 ألف جندي، وإلى الشيشان بما لا يقل عن 80 ألفاً عدا عن القوات المرتزقة المرافقة لها من أهالي تلك البلاد.
طبيعة المواجهات المتوقعة في سوريا، وحجم القوات التي يتوقع أن تواجهها القوات الروسية والقوات العاملة معها تجعل من الأعداد السابقة ضرورية لتحصيل نتيجة إيجابية.
جيش شرقي
يجب أن نتطرق لموضوع مهم وهو طبيعة الجيش الروسي الذي على الرغم من امتلاكه لتكنولوجيا عالية إلا أنه لايزال جيشاً شرقياً يعتمد على العامل البشري بشكل كبير.
الحجم الحقيقي للتدخل الروسي في سوريا مقدراً بحجم القوات الفعلية على الأرض هو ما يحدد طبيعة وهدف هذه التدخل، سواء كان دعم النظام عسكريا أو السيطرة المباشرة والاحتلال أو مجرد سيطرة على مناطق ذات أهمية استراتيجية لروسيا.
كم القوات العسكرية الروسية المحدود التي يتوقع فعلياً وجوده في سوريا لا يمكن حتى اللحظة أن نتوقع منه المشاركة في عمليات عسكرية ضخمة مباشرة بناء على العقدية العسكرية الروسية.
فقد يقتصر دوره خلال الفترة القادمة في حال اشترك في عمليات عسكرية ضد قوات المعارضة على تقديم الدعم التقني لقوات الأسد، والدعم الناري المدفعي والصاروخي في بعض مناطق القتال وبخاصة الساحل.
يبدو أن الهدف من هذه القوات المحدودة هو السيطرة على مجموعة من المناطق المفتاحية التي تهم روسيا وتؤمن مصالحها في عدة اتجاهات، وتشكيل قواعد بعيدة نسبياً عن خطوط القتال تكون محمية بقوات من تابعة للنظام والميليشيات الشيعية.
وقد يكون هذا العدد من القوات هو مجرد تهيئة لتدخل عسكري روسي كبير فعلياً على الارض السورية.
وقد يكون هذا التضخيم الإعلامي سببه الرغبة بالتغطية على عدم نية أي من الدول الكبرى في حل الموضوع السوري وإزالة بشار الأسد، بالتالي وجود القواعد العسكرية الروسية في مناطق مفتاحية سيرسم خطوطاً حمراء على الثوار، والذين لن يستطيعوا تخطيها بدون الدخول في مواجهة عسكرية مفتوحة مع الدول الداعمة لنظام الأسد بشكل مباشر ومن بينها روسيا.
فالسيطرة على مطار حماة مثلاً تعني أن الثوار لن يستطيعوا الدخول إليه وأي هجوم من قبلهم عليه سيعطي ذريعة مباشرة للقوات الروسية لاستهدافها بدون إمكانية اعتراض أي من الدول الداعمة للمعارضة، هذا يعني أن معركة السيطرة على المنطقة الوسطى في سوريا ستؤجل إلى أجل غير مسمى، وهذا ينطبق على باقي المناطق التي أشيع أن القوات الروسية بنت قواعد فيها، ما سيؤدي بشكل أساسي إلى إطالة زمن الحرب والضغط على عدد من الدول التي تقدم شكلاً الدعم للجيش الحر.
وربما يهدف التدخل الروسي لفرض الأمر الواقع وتمرير حل سياسي مدعوم بالوجود العسكري الروسي، والذي يمكن اعتباره النتيجة النهائية المتوقعة من هذا التدخل في محاولة لإعادة تطبيق الوضع السيناريو الشيشاني بكل أجزائه من تدمير للدولة، وتسليمها لقيادة تابعة بشكل مباشر لروسيا.
فمجموعة النقاط التي يفترض أن الجيش الروسي سيطر عليها، وبخاصة في دمشق والساحل تشكل ما يمكن اعتباره سورا حول المناطق التي يود نظام الأسد السيطرة عليها حتى النهاية، وعلى الأقل حتى تشكيل دولته العلوية الموعودة.
إيران وروسيا
التغول الايراني داخل سوريا وسيطرتها على كافة مفاصل ما تبقى من الدولة لن يصطدم بطريقة مباشرة مع التدخل الروسي الواقع حالياً، بل ما سيحدث هو تبادل وتداخل في المصالح التي يعمل كل من الطرفين على تحقيقه.
فروسيا تهتم بشكل أساسي بالمنطقة الساحلية من سوريا المطلة على خزان الغاز الهائل في المتوسط والملاصقة لتركيا، إضافة لاهتمامها بالعاصمة دمشق بسبب حاجتها إليها في حالة فرض أي حل سياسي لما لها من أهمية رمزية.
في حين تهتم إيران بمناطق وسط سوريا والمنطقة المحيطة بلبنان والجنوب وبممرها نحو القسم الجنوبي من العراق عبر البادية السورية.
لا يوجد تضاد حقيقي للمصالح بين روسيا وإيران ليحدث بينهما صدام على الكعكة السورية، فروسيا بحاجة لإيران لدعمها بشرياً ولتغطية الكثير من المهام التي تحتاج لعناصر بشرية كبيرة، فروسيا في طور شن ما يمكن اعتباره حربا استباقية تراها ضرورية لتجنب حرب ثالثة في الشيشان والجمهوريات الاسلامية من الاتحاد السوفييتي السابق التي ترزح تحت وصاية روسية مباشرة.
أما إيران تحتاج لروسيا لاستمرار برنامجها العسكري القائم أساسا على مخلفات الأسلحة الروسية، وتقاطع هذه المصالح مباشرة يرتبط بالمحافظة على نظام الأسد ودعمه فهو الحمالة التي يعلق عليها الروس والإيرانيون أسباب تدخلهم.
حالة التوافق وتطابق المصالح الحالية بين إيران وروسيا قد تجعل من السهل الوصول لحل يحدد مصير رأس النظام.
فروسيا لا تهتم كثيراً لشخص رأس النظام مقارنة باهتمامها باستمرار مصالحها، في حين تحتاج إيران لشخصية سهل التحكم بها لتمرير مشروعها القائم على أساس تشييع ما تبقى من سوريا.
قد يكون التدخل الروسي الحالي يهدف اضافة لحماية النظام التدخل في بنية النظام أو على الأقل شكله الخارجي، وتغييره بما يلائم الحاجة الروسية لوجود قوي على الأرض السورية.
وتفيد معلومات حصل عليها بلدي نيوز أن مجموعة من الضباط العلويين الكبار تواصلوا بتوصية من المجلس العلوي مع القيادة الروسية بغية التخلص من المد الإيراني الذي بات يستهدف الطائفة العلوية بشكل مباشر، وخشية من دخول الثوار مناطقهم في الساحل، وتوعدوا بجعل الساحل كاملاً تحت وصاية الروس لحمايتهم من أي تمدد للثوار، ولا مشكلة لديهم بالتخلص من رأس النظام بغية إيجاد أي حل يضمن بقاءهم شرط حمايتهم مستقبلاً من أي تدخل في الساحل.
روسيا والمتوسط
تسعى روسيا حالياً للتقارب مع مصر من خلال عدد من صفقات الأسلحة الروسية لمصر، وكذلك الجزائر التي تحصل على السلاح الروسي بكميات كبيرة ونوعية متفوقة على ما يحصل عليه النظام الذي يعيش حالة من الحرب المستمرة منذ خمس سنوات.
وبعيداً عن دعم النظام على عدة صعد، لروسيا أهداف استراتيجية كبيرة في البحر المتوسط، وبخاصة وجود قاعدة عسكرية روسية قديمة في مدينة طرطوس، والتي تحولت فجأة لإحدى أهم القواعد العسكرية للجيش الروسي، إضافة لمطار حميميم الذي يعتبر المطار الوحيد لقوات الأسد على الساحل السوري.
تنويه:
قسم كبير من الصور التي سربت على أساس أنها لجنود روس في سوريا تعود للشتاء الماضي على أقل تقدير بسبب الألبسة الشتوية الواضحة فيها ما يعني أن نشر الصور في هذه الفترة متعمد.