تقسيم سوريا مهمة صعبة جداً - It's Over 9000!

تقسيم سوريا مهمة صعبة جداً

ميدل إيست – (ترجمة بلدي نيوز)
منذ بداية الثورة السورية عام 2011 ضد نظام الديكتاتور بشار الأسد، تنبّأ البعض بتفكيك البلاد وفق مكوناتها القومية والطائفية، سنية وعلوية وكردية ودرزية وتركمانية، حيث كان المحفّز الرئيسي لذلك التفكيك هو الخوف على الأقليات، وبعد سنوات خمس، تحولت تلك الثورة إلى حروب داخلية، ثم إلى تدخلات عسكرية من قوى أجنبية، إيرانية وروسية وعراقية وحزب الله اللبناني ومليشيات أخرى، كما استوطنت في سوريا بعض التنظيمات "الجهادية" الأجنبية والمحلية، مثل "تنظيم الدولة" و"جبهة النصرة" وبسبب ويلات الحرب، تشرّد اثنا عشر مليون سوري من مدنهم وقراهم ومناطقهم، ثلثهم لجأ إلى خارج البلاد، بينما نزح بعضهم بشكل داخلي هاربين من صور القتل والدمار المتكرّر.

وعاد الآن الحديث عن تقسيم سوريا لأن بعض المسؤولين الأميركيين صرّحوا أخيراً بأنهم يستبعدون عودة البلاد بشكل موحّد، وأن التقسيم أصبح الأنموذج الأقرب، في حين اعتبر البعض تلك التصريحات كتمهيد للتقسيم، وبداية لاتفاقية" سايكس بيكو" جديدة، على اعتبار بأن اتفاق تقسيم المشرق القديم ما بين البريطانيين والفرنسيين قد انتهى مفعوله، بعد أن مرّ عليه قرابة المئة عام، وأن الروس والأميركيون اتفقوا مؤخراً على تقسيم جديد للمنطقة.

ولكن، هل يوجد حقاً اتفاق على تقسيم سوريا ما بين الدول الكبرى؟

بصراحة، أنا أستبعد ذلك لأسباب كثيرة، أبرزها افتقارهم للقوة على الأرض لفرض أي حدود في منطقة الشرق الأوسط، قديمة كانت أم جديدة، إذ أن الروس والإيرانيون يحاولون منذ فترة طويلة تنفيذ مهمة أقل صعوبة، وهي تمكين الأسد من حكم المناطق لتعود تحت سيطرته، ومع هذا فإنهم لم ينجحوا حتى الآن، حيث أن خلق كيانات جديدة متصارعة، ستتنافس على الموارد والحدود، هو أمر صعب إن لم يكن مستحيلاً.

وهنا أستحضر مثالاً مشابهاً للفوضى والحروب، العراق جار سوريا، فمنذ عام 1990، والأكراد العراقيون يعيشون في إقليم شبه مستقلّ تماماً بعد حرب الكويت، 26 عاماً مرت والأكراد العراقيون على هذا الحال، في حين أن الأمر الذي حال دون قيام جمهورية كرديّة في شمال العراق لم يكن صدّام، ولا تركيا، ولا إيران، تلك الأطراف الثلاثة التي عارضت عادة قيام أي كيان كردي مستقلّ، بل كان المجتمع الدولي بحدّ نفسه، بحيث أن هذا المصطلح يستعمل للتعبير عن دول مجلس الأمن الدائمة، فقد رفض المجتمع الدولي منح الأكراد حق الاستقلال، حيث كان السبب في ذلك، أن لا أحد يرغب حقاً بتغيير خريطة المنطقة، لما قد يسببه ذلك من تفكك قد يؤدي لفوضى خارجة عن السيطرة.

وقد يكون المجتمع الدولي قد غيّر رأيه مع استمرار الفوضى العارمة والدم في سوريا، واقتنع أخيراً بأن التقسيم هو حلّ أقل شراً من دولة واحدة مضطّربة، ولكن تطبيق هذا الأمر كان ممكناً في أول عامين من سنوات الثورة السورية، أما اليوم فإن تهجير السكان قد غيّر الديموغرافيا على الأرض، وبالتالي لا أرى كيف سيتم تقسيم سوريا من دون وجود تجمّعات متجانسة كبيرة.
نستطيع أخذ مدينة منبج كنموذج، فبعد أن سيطر عليها "تنظيم الدولة"، هرب الكثير من سكانها إلى الأرياف، وعندما جاءتها ميليشيات قوات سوريا "المتطرفة" لإخراج "تنظيم الدولة" بدعم دولي، قامت هي أيضاً بطرد كثير من السكان العرب لأسباب عرقية وقومية، حيث هرب من المنطقة نحو مائتي ألف من سكانها، إن منبج هي مدينة ومنطقة صغيرة نسبياً، فما بالنا بحلب التي كان يسكنها أكثر من خمسة ملايين نسمة، إحدى أكثر المدن دماراً وتهجيراً؟
لا يمكننا أيضاً تجاهل العامل الإقليمي، ومخاوف دول مثل تركيا وإيران والعراق، لامتدادات المكونات العرقيّة والطائفية السورية في هذه الدول، إذ أن أي اعتراف بكيانات مبنيّة على اعتبارات قومية أو طائفية ستهدّد وحدة دول الجوار.
وتعارض تركيا وبشدة اليوم محاولة إقامة مناطق كردية على طول حدودها، وحتى إيران، والتي لا تجمعها أي حدود مع سوريا، تعتبر ذلك الأمر محرّكاً لمشاعر نحو ثمانية ملايين كردي إيراني من سكانها، وفي حين أن كل التجمعات أصبحت مفككة، فالوضع ليس بأفضل حالٍ لعلويي سوريا، والذين حملوا وزر النظام بحكم انتماء عائلة الأسد لهم، إذ أن كثيراً من شبابهم غادروا البلاد هرباً من التجنيد الإجباري، بينما لجأ الآلاف من عوائلهم خشية الانتقام.
ولتقسيم أي دولة هنالك شرط أساسي، يتجلى عند انكسار الرابط الوطني، وانكفاء السكان متجمّعين نحو مناطقهم، كما حدث في يوغوسلافيا التي تفككت إثر الحرب الأهلية إلى أربع جمهوريات برعاية دولية، أما عن الوضع في سوريا، فهو كالإناء المكسور الذي تناثر إلى قطع صغيرة، في حين أن الحلّ الوحيد في سوريا يكمن بالحفاظ على كيان الدولة، بنظام سياسي جديد تحت رعاية دولية. المهمة الصعبة في الوقت الحالي خاصّة في ظل احتلال العدوان الإيراني والروسي للبلاد إلى جانب الأسد.
-عبد الرحمن الراشد المدير العام لقناة العربية، والمحرر والرئيس السابق لصحيفة الشرق الأوسط، والكاتب في المجلة الأسبوعية العربية "المجلة"، حاصل على درجة ماجيستير في الدراسات العليا في وسائل الاتصال الجماهيري من الولايات المتحدة.

مقالات ذات صلة

كبير الجمهوريين بمجلس الشيوخ الأمريكي يطالب إدارة بايدن بكبح جماح التواصل العربي مع نظام الأسد

وزير الدفاع التركي يحدد شروط بلاده لقبول الحوار مع نظام الأسد

سياحة النظام تعلن إمكانية حصول السياح على فيزا إلكترونية وتحدد شروطها

روسيا تتهم أمريكا بخرق بروتوكول منع الاشتباك بالأجواء السورية

وسائل إعلام النظام: نحو 20 قتيلا من قوات النظام في البادية السورية

سوريا في المرتبة 179 من أصل 180 دولة على سلم حرية الصحافة حول العالم