بلدي نيوز - (عمر الحسن)
يسعى نظام الأسد وداعموه منذ بدأت الثورة الشعبية في سوريا إلى خلق صورة عن النظام عبر شبكة واسعة من الوسائل الإعلامية، وصفحات مواقع التواصل الاجتماعي، تنقله من خانة الأنظمة الديكتاتورية المستبدة القاتلة، إلى نظام يعبر عن الحرية والتحرر والعلمانية، ورعاية الأقليات، بكل ما تعنيه من انفتاح على القيم الغربية، التي يريد النظام عبرها أن يقول أن من يحاربهم هم أشخاص يحاربون هذه القيم ويرفضونها ويريدون إعادة التاريخ 1450 عاماً إلى الوراء .
يستخدم داعمو النظام لتسويقه بهذا الشكل جملة من الطرق المباشرة وغير المباشرة، فهم يمتلكون ويديرون مجموعة كبيرة من الوسائل الإعلامية والحسابات والصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، التي تدار بشكل مركزي جداً وفق سياسة تهدف إلى نقل صورة معينة عن الحياة في مناطق النظام، لإيصال فكرة تتمثل في أنه نظام "علماني" منفتح، وأنه مختلف عن الأنظمة "الرجعية" في المنطقة، والتي تضع الكثير من القيود على مواطنيها، وخاصة الأنظمة الخليجية، وتركيا التي يتعامل معها الغرب بوصفها أنظمة ذات توجهات أو شكل إسلامي "رجعي".
حيث تعتمد هذه الوسائل على الابتعاد نسبياً عن السياسة، وتجنب الطرح المباشر لعلمانية النظام، معتمدة على إظهار مشاهد إيجابية من الحياة اليومية للمناطق العلوية والشيعية شديدة الولاء له، والتي لم يسجل فيها أي شكل من أشكال المظاهرات، أو الأعمال العسكرية ضده، وبالتالي لم تشهد أي قصف أو أي مظهر من مظاهر الحرب، وفوق ذلك تعتبر الخزانات البشرية الأساسية لقواته، والتي تحولت إلى المصب الأساسي لجميع الأموال المنهوبة من باقي المدن السورية، ويمكن القول إن هذه المناطق تنمو وتشهد حركة عمرانية، وتصبح أكثر غنى، على حساب باقي مناطق سوريا، التي تتعرض للتدمير الممنهج .
تظهر هذه المشاهد والصور التي تنشر من مناطق سيطرة النظام وبخاصة في الساحل السوري حياة طبيعية جداً، بعيدة كل البعد عن أجواء الحرب، بل تتجاوز كل ما يحدث في سوريا من قتل ودمار، وكأنها في دولة ثانية وربما في كوكب آخر، على الرغم من أن المعارك أو المناطق المحاصرة قد تكون على بعد كيلومتر أو اثنين .
فلا ألبسة عسكرية ولا أسلحة ولا دبابات، بل شباب يلهون ويعبثون، وكأنهم يعيشون في الفردوس، في ظل حكم نظام علماني، لا يمنعهم من الاستمتاع بحياتهم وفق النمط الغربي (الذي كان النظام نفسه يصفه بالرجعي قبل الحرب).
تترافق هذه المشاهد مع مشاهد من الحياة في المناطق التي يسيطر عليها النظام في العاصمة دمشق وحمص، حيث تظهر البارات والكازينوهات، الممتلئة بالزبائن، والحفلات الموسيقية وافتتاح المحلات الكبرى، والتي لا يعرف المتلقي الغربي، أن معظم المدنيين في مناطق سيطرة النظام غير قادرين على الشراء منها، بل ينحصر زبائنها بفئة محدثي النعمة، الذين جمعوا أموالهم خلال الحرب .
في حين تخفي هذه الوسائل مشاهد البؤس والشقاء، التي أصبحت المظهر المميز لمناطق سيطرة النظام، والتي تشهد أعداداً غير مسبوقة للمشردين والمعاقين والمعدمين.
كذلك تقفز هذه الفيديوهات بعيداً عن المعارك والقصف والمجازر، وتصل الشواطئ التي تتجمع عليها سيارات الدفع الرباعي الفارهة، دون أن تمر بحواجز "التفتيش والتفييش" والموت.
معظم من يظهرون في هذه المشاهد عموماً هم من الشبيحة وأقاربهم، وعناصر النظام والأفرع الأمنية والدفاع الوطني والمستفيدين منها، وموالي النظام الذين تحسنت حياتهم بسبب استفادتهم من دعمه لهم خلال الحرب، من تسهيل لأمورهم والانتشار الرهيب للفساد بكافة أشكاله، والذي سمح لهم بتحصيل مبالغ مالية هائلة بسبب الرشاوى والمحسوبيات، والنهب لمؤسسات الدولة، واستغلال الصامتين.
لكن المشاهد الغربي والذي تصله هذه المشاهد والصور ضمن الحملة الإعلامية الممنهجة، لإعادة تعويم النظام وتسويقه، سوف يصدق أن هذا النظام هو نظام يقاتل ضد المتطرفين بشكل حقيقي، فالمشاهد التي تعرض للمتلقي الغربي، هي مشاهد من الحياة اليومية لأشخاص مدنيين مثله، يحاولون أن يعيشوا حياتهم ويستمتعوا بها، والتي يروج أن "المتطرفين" في سوريا يريدون منعهم، وتطبيق قوانين تعود للقرون الوسطى .
إضافة لنشر مقاطع يظهر فيها الروس بصفتهم "شريكاً من العالم المتحضر"، فمثلاً عرض فيديو فيه طائرة كاموف 52 ، تحلق فوق جموع من الأشخاص على شاطئ اللاذقية، يظهر في الفيديو خليط بين القدرة العسكرية الروسية، والعلاقة "الودية" بين الطيار الروسي و"المواطنين السوريين"، الذين يحاولون الاستمتاع بوقتهم على شاطئ البحر، في مشهد يراد به محو مئات المدنيين الذين قتلهم هذا الطيار وأمثاله، وشطب المئات من المدن التي تحترق على امتداد سوريا.
إضافة للعشرات من مشاهد الحفلات في القسم الذي تسيطر عليه قوات النظام ضمن مدينة حلب، والتي تحاول القول إن المدينة مقسمة لقسمين، قسم يحتله المعارضون للنظام، والذين يتشكلون أساساً من منظمات "إرهابية" تريد تدمير حياة المدنيين، وقسم تحت سيطرة النظام يعيش حياة "طبيعية".
كذلك إرسال "حافظ الأسد" إلى أحد المسابقات العلمية في هونج كونج يمثل دليلاً على محاولة النظام الاستثمار في جميع المجالات التي تظهره كنظام متصالح مع الغرب، ويسعى لينخرط ضمن المجتمع الغربي، مستخدماً جميع المنصات الدولية، فهو أرسل على هامش هذه البعثة، عدة بعثات إلى عدة دول، ضمن نفس المسابقات.
إضافة لذلك فقد سعى النظام لاستخدام طلابه الجامعيين، الذين نظم لهم العديد من المعارض والمسابقات العلمية، والتي استخدمها ليقول إنه يدعم العلم والتطور التقني، في حين يعلم جميع الأشخاص الذين كانوا يدرسون في مجالات تقنية وبالأخص مجالات هندسة الكهرباء، الحاجة لموافقات أمنية لتنفيذ العديد من المشاريع والتجارب العلمية، التي كان النظام ولا يزال يمنعها ويحاسب من يقدمون عليها.
هل نجح النظام في الترويج لهذه الصورة؟
يمكن القول ولحد كبير إن النظام قد نجح في ذلك، فهو وعلى عكس المعارضة بكافة أشكالها، يستثمر الكثير من الموارد ليبني صورته "المتحضرة"، وينشرها مستخدما طيفاً واسعاً من اللغات، سواء الإنجليزية والفرنسية والروسية أوغيرها، ويسعى بكل الطرق لاختراق المؤسسات الإعلامية الغربية، ويعزز علاقاته معها، ومع المؤسسات الدولية المختلفة، لتتحول لناطق باسمه مصدق موثوق أكثر من الشخصيات التي تتبع للنظام ومؤيديه، وتجيد إيصال صورة النظام "الجيدة" للغرب، وإظهاره بمظهر النظام العلماني الذي يدافع عن الحضارة في وجه وحوش قادمة من مجاهل التاريخ.