بلدي نيوز – (أحمد عبد الحق)
أثبت التاريخ عبر العصور أن الظلم والقهر والاستبداد من أكبر الدوافع التي تحرك الشعب للثورة ضد الظالم، وأن استمرار الظلم وشلالات الدماء هي المحرك الأكبر للاستمرار في طريق الثورة، وفي تاريخ الثورة السورية أمثلة كبيرة تؤكد أن ازدياد نزيف الدم كان له آثار سلبية كبيرة على نظام الأسد، ومن أكبر الدوافع التي حركت لهيب الثورة وزادت في اتقادها واشتعالها.
فلو عدنا للمراحل الأولى للثورة وراجعنا أحداثها لوجدنا أن نظام الأسد قد أخطأ في تقييم الحراك السلمي وظن أنه باستخدام السلاح سيطفئ هذه الثورة، إلا أن أول قطرة دم سالت كانت المحرك الأكبر لاشتعال نيران الثورة وانتقالها في المحافظات السورية، وكلما زادت الدماء زادت الثورة اشتعالاً وزاد لهيبها ضد عصابات الأسد.
وفي إدلب كانت مجزرة معسكر المسطومة في "جمعة آزادي" بتاريخ 20 - 5 - 2011 نقطة فاصلة في تاريخ الثورة في المحافظة، فبعد التحركات الثورية للشباب في جبل الزاوية ومعرة النعمان وسراقب وأريحا وجسر الشغور وبنش وإدلب المدينة، وسط عمليات التضييق والملاحقة الأمنية ورفض الشارع بالعموم لهذه التحركات التي لم تلاق التفافاً شعبياً عاماً حولها، قرر الشبان نقل الحراك الثوري لداخل مدينة إدلب والوصول لساحة هنانو وسط المدينة والاعتصام فيها، حيث تم التنسيق بين جميع المناطق للدخول إلى إدلب من كل المحاور.
وتحرك الشباب بعد صلاة الجمعة من جبل الزاوية لتلتقي الجموع من كل حدب وصوب في أريحا، فكان الشباب المتحمس كالسيل الجارف يسير مشياً على الأقدام باتجاه مركز المحافظة حتى وصل نقطة ما قبل معكسر الطلائع جنوب بلدة المسطومة، حيث كانت قوات الأمن تتربص بالمتظاهرين، وقبل وصول المتظاهرين للمعسكر بدأ الرصاص بكثافة يستهدف الجموع وسقط العشرات بل المئات من المتظاهرين بين شهيد وجريح، من كل المناطق امتزجت دمائهم بين أشجار الزيتون والتي لم تسلم هي الأخرى من الرصاص، وفي اليوم الثاني وبعد أن نقل الشهداء والجرحى كلٌّ إلى قريته، وظن البعض أن لا ثورة في إدلب بعد اليوم، فوجئنا بالأعداد الهائلة من المتظاهرين تجوب الشوارع والساحات، تكبر وتهلل وتنادي بإسقاط النظام، فكان الشيخ المسن قبل الشاب يهتف وينادي بالثورة ضد الظالم، حتى موظفو الدوائر الحكومية ممن كانوا يلتزمون الصمت خرجوا في مظاهرات التشييع معلنين انشقاقهم عن نظام الأسد القاتل.
نعم كانت هذه الدماء هي المحرك الأكبر التي انقلبت ناراً وجحيماً على قوات الأسد ورأسها، لتبدأ مرحلة جديدة من الحراك، فيه التفت الجماهير الشعبية بكل مكوناتها حول الثائرين وقدمت لهم الدعم اللازم معنوياً ومادياً وشعبياً، فدخلت الثورة بيوتاً جديدة والتفت الجموع تبارك لأسر الشهداء وتتوعد بالثأر والمزيد من الحراك، نعم إنه يوم تاريخي ومفصلي في ثورة إدلب، لتكون من أولى المحافظات الرائدة في مواجهة الأسد، وما زالت تواصل التضحيات وتبذل الدماء والتي كلما زاد في سفكها، زادت الثورة اشتعالاً ولهيبا.
واليوم وبعد المجازر اليومية التي ترتكبها قوات الأسد وطائرات العدوان الروسي بحق الشعب الأعزل بهدف إخضاع إدلب وكسر إرادة شعبها الصامد الصابر، يؤكد الأحرار في الساحات من مختلف الانتماءات الثورية، العسكرية منها والمدنية وحتى الفعاليات الشعبية، أن محافظة إدلب لن تكسرها شلالات الدماء والمجازر بل ستزيد من ثورتها على نظام الأسد، وتعطش أبنائها للحرية وإعادة الحقوق وإنصاف المظلومين، والنصر للشعوب مهما تغطرس الطغاة وأوغلوا في إجرامهم.