الاغتيالات في الشمال السوري.. "جَنْيُ الحُصرم" - It's Over 9000!

الاغتيالات في الشمال السوري.. "جَنْيُ الحُصرم"

بلدي نيوز- (سما مسعود)

لا تعتبر الاغتيالات ظاهرة جديدة في سوريا خلال ثورتها ولكنها الأخطر على مكتسبات الثورة السورية التي لم تكتمل، حيث تتنامى ظاهرة الاغتيالات لشخصيات بارزة في مختلف مناطق سوريا وخاصة في المناطق الشمالية المحررة.

ربما لا يمكن تصنيف عمليات القصف ضمن الاغتيالات الممنهجة بشكل نهائي، لكن مما لا شك فيه أن زرع قنبلة أو عبوة ناسفة في سيارة أو بيت أحدهم – وهو أسلوب الاغتيالات المتبع في الداخل السوري - يدرج ضمن الاغتيال الممنهج المدروس.

ويعتبر القادة العسكريون من الصف الأول والصف الثاني إضافة للإعلاميين من أكثر الشخصيات المعرضة للاغتيالات.

أحاول في تقريري البحثي هذا إلقاء الضوء على جانب مهم من تاريخ سوريا أسميته "جني الحصرم" وذلك اقتباساً من التسرع في جني الثمار الغير ناضجة والتي تمثل مشاريع قتلت أو وجهت في مهدها.

 لمحة عن تاريخ الاغتيالات في الشمال السوري المحرر

كان لحركة أحرار الشام الإسلامية نصيب الأسد من ظاهرة الاغتيالات التي تعصف بالشمال السوري ويعود أبرز حدث اغتيال تعرضت له الحركة إلى أيلول 2014 حين فقدت 40 من قادتها دفعة واحدة.

شهدت حركة أحرار الشام الإسلامية مؤخرًا محاولات اغتيال كبيرة اجتاحت صفوفها،  من أهم الشخصيات التي تم استهدافها في الحركة المسؤول العام للتصنيع العسكري ونائبه، كما اغتيل قبل أيام الطبيب والقيادي في الحركة عمر الحجي مدير مستشفى الريح المرسلة، وجرت محاولة لاغتيال القيادي أبو محمد يحيى على مفرق (باتبو- كللي) بريف إدلب، وهو مسؤول قسم التحصين في الحركة.

 وقبل ذلك حاول مجهولون اغتيال القيادي أبو جابر بنش الذي استلم قيادة "لواء الحسين" خلفاً لـ "رئيس أركان" الحركة إسلام أبو حسين الذي اغتيل في نيسان الماضي. كما استهدف مسؤول معامل التصنيع، وأهم كوادر التصنيع الذاتي، وجرت محاولة لاغتيال مسؤول التسليح في مدينة جيرود بريف دمشق، ومعظم العمليات تتم بعمليات انتحارية أو عبوات ناسفة.

 هذا عدا القصف الذي استهدف أحد معسكرات الحركة، وسقط جراءه عشرات الشهداء، من بينهم مدربون عسكريون في الحركة، كذلك استشهد ستة من كوادرها أثناء تواجدهم على خطوط التماس في بلدة كفريا المحاصرة.

وتعرض الناشط الإعلامي السوري هادي العبد الله لمحاولة اغتيال منذ أيام، حيث انفجرت عبوة ناسفة بمكان إقامته بحلب المحررة أدت إلى رضوض في جسمه بينما أصيب صديقه خالد العيسى إصابة بالغة استشهد على إثرها، ويعتبر هادي العبد الله بالنسبة لكثيرين رمزاً من رموز الثورة الأوائل الذين حافظوا على قدر ما من ثورية عملهم الإعلامي.

وكان جلال أبو سليمان مراسل الجزيرة تعرض لقصف من الطيران الروسي أثناء تغطيته الإخبارية لمجريات ريف حمص.

ويرجع الإعلامي السوري عبد السلام حاج بكري في حديثه مع بلدي نيوز سبب تفشي ظاهرة الاغتيالات في الشمال السوري إلى "حالة الفلتان الأمني التي تشهدها المنطقة واختلاط السكان دائما بما هو جديد".

ويقول عبد السلام: "الاغتيالات كلها تحمل بصمات النظام السوري وحلفائه الروس".

ما وراء الاغتيال

يتهم قادة الفصائل أذرعاً استخباراتية عالمية في الضلوع بحوادث الاغتيال، حيث غرد لبيب نحاس على تويتر، وهو مسؤول العلاقات الخارجية في حركة أحرار الشام الإسلامية، "استهداف قيادات وكوادر أحرار الشام، من قبل‏ النظام و‏داعش وأجهزة استخبارات عالمية، أصبح أمراً مكشوفاً بلغ ذروته يوم 9 أيلول 2014، وتلجأ هذه الأطراف إلى اغتيال الأشخاص والشخصيات، وتفكيك الجماعة من الداخل عبر الاختراق الأمني والفكري والانقلابات".

في إشارة إلى تنظيم "الدولة" وأميركا وروسيا بوجه خاص، وكانت تحليلات عسكرية قالت بأن إحدى الدول العربية هي من قامت باغتيال قادة الحركة في 2014 إثر محاولتهم الاستقلال بقرارات الحركة وتحييدها عن المال السياسي.

وكانت روسيا قد وضعت من ضمن أهدافها تفكيك جيش الفتح الذي تشكل حركة أحرار الشام فيه ما نسبته 35% وفق تقارير صادرة عن جهات إعلامية تابعة للحركة.

كما تعتبر أميركا أن أحرار الشام أحد أذرع تنظيم القاعدة في بلاد الشام الذي تنفذ ضده سلسلة اغتيالات بطائرات من دون طيار في سوريا واليمن وفق ما خرج عن البيت الأبيض من تصريحات.

ويعد موضوع الاغتيالات من المواضيع الحساسة وبالغة الدقة والتعقيد ويتجنب أكثر القادة العسكرين فيها التصريح للإعلام.

اغتيال الشخصيات من الصف الأول والثاني له دلالة واضحة على حجم الاختراق التي تتعرض له الحركة، كما أن له آثاراً غير محمودة، إذ تعتبر شخصيات الصف الثاني صلة الربط بين القادة والقاعدة الجماهيرية لها، ومن ناحية ثانية تعمد الحركة مؤخراً إلى الاعتماد على الشباب بدرجة كبيرة كونهم المستقبل الحامل للحركة.

وتعتبر حركة أحرار الشام الإسلامية بيضة القبان في الميزان السوري الآن، وتسعى جميع القوى السياسية والعسكرية لاجتذاب الحركة لصفها وكسبها في معادلات الحسم.

خلايا نائمة وضعف تنسيق

غالباً هناك أعداء يسعون إلى تفتيت الحركة من الداخل عبر الاغتيالات وهذا ما يخشاه قادة الحركة.

وقال مروان الكردي قائد إحدى الكتائب الأمنية التابعة للجيش الحر في حديثه مع بلدي نيوز: "زادت عمليات الاغتيالات في الفترة الأخيرة في المناطق المحررة بحق العسكريين والنشطاء، ويعود ذلك إلى كثرة الخلايا النائمة التابعة لقوات النظام وتنظيم الدولة في المناطق المحررة".

ونوه الكردي إلى أن عدم البحث والعمل على اجتثاثهم بشكل جدي أوصل الأمور في الأسبوع الأخير إلى ازدياد كبير في عمليات الاغتيالات بحق القادة العسكريين والنشطاء.

وأوضح: "السبب الأهم في اختراق المناطق المحررة يعود إلى ضعف التنسيق بين المكاتب الأمنية لدى الفصائل العاملة في الشمال السوري، وعدم وجود مشروع أمني جدي يعمل على حماية المناطق المحررة من أي اختراق سواء خلايا نائمة تعمل على الاغتيالات أو على جمع المعلومات ورصد الإحداثيات للطيران والمدفعية".

وكان أبو يوسف المهاجر في حديث سابق له مع بلدي نيوز قد نفى موضوع الاختراق وأرجع ذلك إلى قوة الحركة والمحاولة الحثيثة لاختراقها فقال: "الاختراق مستبعد لكن المراقبة بكثافة أقرب للواقع"، وأكد حينها بأنه "لم يتم اختراق الحركة لكن العملاء يراقبون المجاهدين وتحركاتهم".

ويقول الصحفي عبد الله علي: "ثمة شبهات كبيرة في أن اغتيال أمير الحركة في حلب أبي خالد السوري اشترك فيه عدد من قيادات الحركة عبر تسهيله وضمان عدم عرقلته، وكانت الغاية من وراء ذلك هي التخلص من إرث الرجل ذي الارتباط بأفغانستان وزعيم تنظيم (القاعدة) أيمن الظواهري، وكل تلك المرحلة التي تثير حساسية لدى بعض الدول، وفي مقدمها الولايات المتحدة"، ويتابع عبد الله علي "وقد كان موضع شك بشكل خاص أن يكون الناجي الوحيد من عملية اغتيال السوري هو أبو يزن الشامي الذي قاد في ما بعد المراجعات الفكرية للحركة، وعمل على فك ارتباطها مع (السلفية الجهادية)".

كلام علي هذا نفاه جملة وتفصيلا الناطق العسكري باسم أحرار الشام أبو يوسف المهاجر في حديث خاص له مع بلدي نيوز حيث أوضح المهاجر: "الحركة غير مرتبطة لا من قريب ولا من بعيد مع تنظيم القاعدة".

وأكد المهاجر بأن جبهة النصرة الفصيل الأقرب عقائدياً للحركة ما تزال مرتبطة بتنظيم القاعدة رغم نصائح الحركة للجبهة بفك الارتباط.

ويقول الملازم أول أبو المجد الحمصي لبلدي نيوز، وهو قيادي في جيش النصر العامل في حماة: "الثورة طال زمنها واستمرت معاناتها بسبب كثرة وتعدد الفصائل ومشاريعها، بالسابق كان العدو واحداً والهدف واحداً، أما اليوم بعد تكالب الغزاة كثرت التوجهات واختلفت الآراء والوجهات والمصالح وتحقيق المأرب، وهنا يظهر عجز الفصائل عن تشكيل جهاز أمني يضبط المناطق المحررة ويقضي على براثن الغدر فيها".

وفي حديث سابق لبلدي نيوز مع أبي يوسف المهاجر، أرجع سبب تنامي ظاهرة الاغتيالات إلى "ضعف في الجانب الأمني"، وقال: "هناك عدم تنسيق أو حتى عدم تكاتف وتعاون بين الفصائل لتفعيل الجانب الأمني، فنحن فصائل عسكرية وانشغلنا بشكل كبير بالمعارك الهامة والاستراتيجية التي نخوضها في حلب والساحل، إضافة لاتساع رقعة المناطق المحررة".

وكشف المهاجر لبلدي نيوز أن الحركة تعمل على سد الثغرة الأمنية التي أدت إلى هذه الاغتيالات، إذ بات الجميع يشعر بأنه مراقب وهدف بحسب قوله، معتبراً ذلك بالتقصير الأمني غير المبرر.

وأوضح قائلاً: "نعمل على إعداد مجموعة آليات لتفادي خسارة القيادات، على سبيل المثال تفعيل الحواجز الأمنية وتسيير دوريات أمن بشكل متسمر في المناطق المحررة".

ووجه المهاجر أصابع الاتهام إلى تنظيم "الدولة" الذي يحمل بصمات مخابرات النظام السوري.

على الرغم من كل التهديدات التي تحيط بالحركة فإن تاريخ الحروب مع الحركات الإسلامية يخبرنا بأنه في النهاية ستتحاور الدول الكبرى مع الحركات الإسلامية، كما حصل مع حركة "طالبان" في نهاية القرن الماضي، أو أن "الإرهاب" الذي تحاربه الدول بإرهاب أكبر منه سيكبر ويتفشى كبقعة زيت.

 

مقالات ذات صلة

"التحقيق الدولية": سوريا مسرح لحروب متداخلة بالوكالة

الإعلام العبري يكشف هوي منفذالغارات على دير الزور

ما الأسباب.. شركات دولية ترفض التعامل مع معامل الأدوية السورية

الشرق الأوسط: إعادة اللاجئين السوريين يجمع ما فرقته السياسة في لبنان

رأس النظام يصدر مرسومين بتنفيذ عقوبة العزل التي فرضها مجلس القضاء الأعلى بحق ثلاثة قضاة في حلب

رأس النظام يتسلّم دعوة للمشاركة بالقمة العربية في البحرين