بلدي نيوز – (ياسر الأطرش، محمد خضير)
هم الأقرب إلى الموت، ليس لأنهم "استشهاديون" أو انغماسيون أو يفضلون الموت على الحياة، بل لأنهم أخذوا على عاتقهم البحث عن الحياة بين الركام وتحت طغيان البراميل وحقد الصواريخ، ولو كانت النتيجة موتهم، لينقذوا أنفساً ويقللوا من آثار الموت الذي ينشره نظام الأسد وحليفه الروسي في سماء سوريا، التي تحتها أنفس تسمو عن الذل ولا تقبل العودة إلى حظيرة الطاعة، ولو كان الموت هو الثمن.
النشأة والبدايات
منذ أن انتقلت الثورة السورية من الحراك السلمي إلى العمل المسلح، بدأ عداد الضحايا يرتفع يوميًا، وساهم القصف العنيف من قبل طيران النظام في توسيع دائرة الدمار للبنية التحتية في مناطق سيطرة المعارضة والمدن الخارجة عن سيطرة النظام، وخلّف هذا الواقع يوميًا عشرات المصابين والضحايا الذين انهارت المباني والبيوت على رؤوسهم، وكانوا بأمس الحاجة للمساعدة.
وكرد فعل على العنف، وللتخفيف من آثار القصف، بدأت تتشكل فرق الدفاع المدني لانتشال الضحايا ورفع الأنقاض، وكانت في البداية فرقًا تطوعيةً بدائية تقوم بعمليات الإسعاف والإطفاء وإخلاء المباني.. وسرعان ما تطور عملها وازداد تنظيمًا، وانتقل من إطار العمل الطبي إلى الاختصاص، وتحولت هذه الفرق إلى جهاز موحد اسمه "الدفاع المدني السوري، ينتشر في المحافظات السورية المحررة، وله هيكل إداري ومؤسساتي، ونظام داخلي، وشروط انتساب، وينضوي تحته متطوعون شباب يمثلون مختلف الشرائح العمرية في سوريا .
كانت بداية تشكيل فرق الدفاع المدني في مطلع العام 2013، حيث شُكل أول فريق للدفاع المدني في مركز "هنانو" داخل مدينة حلب, وضمَ حوالي 20 شاباً، وبدأ العمل بمعدات بسيطة في ظل الهجمة الشرسة التي عاشتها المدينة.
ومن ثم شُكلت فرق للدفاع المدني في مدينة حلب وريفها، ليتوسع العمل لشدة الضرورة في ظل الهجمات التي عاشتها حلب وريفها .
بعد ثلاثة أشهر من تشكيل الفرق في حلب, تضخمَ عمل الدفاع المدني ليتوسع إلى إدلب وتتشكل فرق في محافظة إدلب، كان أولها فريق جسر الشغور وفريق إدلب ثم بنش وخان شيخون وسراقب, ثم توسع العمل ولاقت الفكرة قبولاً كبيراً فانتشرت في 8 محافظات حيث المناطق المحررة جزئيا أو كليا من سيطرة قوات النظام, وهي: "حمص، درعا، دمشق، اللاذقية، حماة، ريف دمشق" إضافة إلى حلب وإدلب اللتين شهدتا تأسيس المشروع الإنساني وانطلاقته .
الكوادر والتأهيل
يبلغ عدد عناصر الدفاع المدني في سوريا حوالي ( 2830 ) عنصراً موزعين على ( 119 ) مركزاً في 8 محافظات, على النحو الآتي:
*عدد المراكز في محافظة إدلب ( 27 ) مركزاً، موزعين على ست قطاعات، كل قطاع يحوي أربعة إلى خمسة مراكز, ويبلغ عدد العناصر في إدلب حوالي ( 740 ) عنصراً.
*وفي مدينة حلب يبلغ عدد المراكز ( 20 ) مركزا،ً موزعين على عدة قطاعات، ويبلغ عدد العناصر حوالي ( 550 ) عنصراً.
*في ريف دمشق يبلغ عدد مراكز الدفاع المدني ( 10 ) مراكز، يعمل فيها حوالي (600) متطوع. *في مدينة دمشق يبلغ عدد مراكز الدفاع ( 7 ) مراكز، ينشط فيها ( 168 ) عنصراً.
*في حمص يبلغ عدد المراكز ( 9 ) مراكز، وعدد عناصرها ( 180 ) عنصراً.
*في حماة يبلغ عدد المراكز ( 12 ) مركزاً، تضم ( 267 ) عنصراً.
*في درعا يبلغ عدد مراكز الدفاع المدني ( 14 ) مركزاً، يعمل فيها (350 ) عنصراً بين شاب وفتاة.
*أما اللاذقية فينشط فيها مركزان في جبل الأكراد وجبل التركمان، يضمان حوالي (75) عنصراً.
في المرحلة الأولى من التأسيس، تلقى المنتسبون تدريبات أولية محلية، ثم كان التدريب في تركيا، حيث تم تدريب الكوادرعلى مستويات أولية ومستوى ثان، من قبل منظمات عالمية للبحث والإنقاذ، ومن ثم عملوا على إعداد مدربين من عناصر الدفاع المدني، وتم نقل الخبرات إلى الداخل السوري، حيث تم إنشاء ستة مراكز تدريب في كل من حلب وإدلب وريف دمشق وحمص ودرعا، قدمت هذه المراكز العديد من الدورات لتأهيل الكوادر، وإعادة هيكلة الفرق، واعتمدت التدريب على مناهج عالمية في علم الإنقاذ والبحث والإطفاء..
إنقاذ وشهداء..
أنقذ الدفاع المدني منذ تأسيسه إلى حد هذا اليوم أرواح ( 50 ) ألف من المدنيين على أقل تقدير، وما زالوا يمارسون أقسى وأصعب أنواع العمل وأقدسه أيضاً، على مبدأ (وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً)..
و يؤكّد عناصر الدفاع المدني السوري العمل "بحيادية وإنسانية من دون تمييز، ولا ندين بالولاء لأي حزب أو جماعية سياسية... نعمل لإنقاذ أكبر عدد ممكن من الأرواح والحد من الإصابات بين الناس والضرر على الممتلكات".
ويقول مدير الدفاع المدني رائد صالح، إن عناصر هذه المؤسسة التطوعية "اختاروا طريق الحياة لصنع الأمل للسوريين".. هذه الحياة التي يساهمون في صيانتها ولو على حساب حياتهم.
فقد قضى العديد من عناصر الدفاع المدني شهداء، وهم يؤدون واجبهم تحت البراميل المتفجرة والصواريخ التي لا تفرق بين طفل وامرأة ومسن، ولا عسكري ومدني ومنقذ، وتجاوز عدد شهداء كوادر الدفاع المدني ( 120 ) شهيداً، موزعين على ثماني محافظات ( إدلب – حلب – دمشق – ريف دمشق – حماه – اللاذقية – حمص – ودرعا ).
خطط مستقبلية واحتفاء بالتضحية
وتكريساً لمنهجية العمل وتطويره، وضع الدفاع المدني السوري خطة مستقبلية لعمله حتى عام 2020 أقرها بالاجتماع السنوي الثاني له في كانون الأول/ديسمبر 2015 بعد الاجتماع الأول التأسيسي، ومن ضمن أبرز المهام التي سيقوم بها مستقبلًا بعد انتهاء الحرب، هو المساهمة الفاعلة في إعادة إعمار سوريا، حيث تملك الفرق كل الإمكانيات للمساهمة بالبناء في المرحلة الأولى، وأن تكون مسؤولة عن خطط الأمن والسلامة في الأبنية، كما تمتلك الآليات الكافية لتساهم بشكل فعلي مع باقي الفعاليات في إعادة الإعمار.
وتقديراً للدور المهم والشجاع لثلاثة آلاف شخص، منحهم "المجلس الأطلسي" خلال مؤتمره السنوي في بولونيا "جائزة الحرية"، وتسلمها رائد صالح نيابة عنهم.
كما رشحت جمعيات سورية وأعضاء في الكونغرس الأميركي ومراكز أبحاث أصحاب "القبعات البيض" لنيل جائرة نوبل للسلام لهذا العام، أسوة بمنحها العام الماضي لرباعي الحوار التونسي "تكريماً للشعب التونسي وتتويجاً للمسار الصعب الذي اختاره من أجل الحرية والديموقراطية".
فهل نسهم في صعودهم وارتقائهم منبر التتويج الذي يستحقون، إكراما لكل الأرواح التي ساهموا في إحيائها، وتخليداً للخوذة التي تحمل معنى لونها، معنى البياض والحياة، في زمن الحقد والموت.