بلدي نيوز - (فراس عزالدين)
مقدمة
خلص تقرير أصدرته "منظمة حظر الأسلحة الكيميائية"، يوم الاثنين الفائت، إلى تأكيد قيام نظام اﻷسد، بقصف مدينة سراقب بريف إدلب عام 2018 بغاز الكلور السام.
ويعتبر تقرير المنظمة هذا، الثاني الذي يقر فيه فريق التحقيق مسؤولية الأسد، عن تنفيذ هجوم بالأسلحة الكيماوية على مدينة سراقب في 4 من شباط/فبراير 2018.
وذكر التقرير أن "هناك أسباب معقولة للاعتقاد بأنه قرابة الساعة 21:22 من يوم 4 شباط 2018، ضربت مروحية عسكرية تابعة للقوات الجوية العربية السورية خاضعة لسيطرة قوات النمر شرق مدينة سراقب بإسقاط أسطوانة واحدة على الأقل، حيث تمزقت الأسطوانة وأطلق الكلور على مساحة كبيرة، مما أثر على 12 فردا".
أبعاد التقرير
اﻷكيد أنّ نتائج التقرير تحمل في طياتها رسائل "سياسية" محضة، أكثر من كونها خطوات عملية حقيقية في موضوع "إنهاء الملف السوري".
يبدو أيضا أنّ المستفيد اﻷكبر من التقرير، هي "واشنطن" التي تسعى بداية ﻹحراج "موسكو" التي تساند اﻷسد، واﻻستفادة من توافقٍ أمريكي غربي ضم "بريطانيا، ألمانيا، إيطاليا"، ونشأ على خلفية توتر اﻷوضاع بين روسيا وأوكرانيا، وأعلن عنه مؤخرا في "بروكسل".
وتتهم روسيا الولايات المتحدة اﻷمريكية بالتسبب في اﻷزمة مع أوكرانيا، على جبهة دونباس، بينما تدعم أمريكا ودولُ غربية ما تسميه "كييف" اﻷعمال المزعزعة للاستقرار التي تقوم بها موسكو على الحدود مع أوكرانيا وفي شبه جزيرة القرم.
وفي المقام الثاني، يرى محللون أنّ واشنطن ستلعب على ورقة المساومة تلك، وستجيرها لصالح ممارسة ضغوط في ملف "إيران النووي".
إلا أن المختلف فيه تأثير القرار على النظام السوري، لكن لا ينفي أنّ توقيت صدوره يحمل الكثير من الدﻻﻻت السياسية في ظل اقتراب انتخابات الأسد والتوتر مع الروس كما أسلفنا.
شاهد وإدانة
وتعتبر نتائج هذا التقرير مجرد "إدانة" لنظام اﻷسد، الذي يصر على المضي قدما في إخراج "مسرحية اﻻنتخابات"، بمباركة حلفائه الروس واﻹيرانيين.
كما أنها "شاهد ملكٍ" وفق نشطاء حقوقيين معارضين، يمكن اﻻستفادة منها في المحاكم الجنائية الدولية، بحق اﻷسد ورموز حكمه.
ويرى بعض المحللين أنّ نتائج التقرير ستشكل عائقا أمام مضي النظام في عملية اﻻنتخابات الرئاسية، على عكس بعض وجهات النظر التي تستبعد خطواتٍ عملية لعزل "بشار اﻷسد" في الوقت الراهن.
لكن وبالمجمل؛ اﻷسد غير معني بالتصويت أو العقوبات ضده، ومتمسك بكرسيه، حتى وإن كان على حساب الشارع، بدليل ما ينشر من تقارير رسمية موالية، ترصد وتوثق الوضع المتردي في البلاد.
تعقيبات على التقرير
وعلى الفور بدأت التصريحات الرسمية المعقبة على نتائج تقرير "منظمة حظر الأسلحة الكيميائية"، بدايةً من الوﻻيات المتحدة اﻷمريكية، التي رحبت، وصوﻻ إلى نظام اﻷسد الذي استهجن واستنكر.
ونهج على خطى واشنطن، كلٌّ من أنقرة، وألمانيا، وغيرهم من الدول اﻷوروبية التي دعت إلى وجوب محاسبة نظام اﻷسد.
وتبعا لهم سار "اﻻئتلاف الوطني السوري المعارض"، كموقفٍ يمكن وصفه بالمتمم، أو على غير المستوى المتوقع، من مثل هذا التقرير "الشاهد الملك"، وﻻ يبدو أنّ "اﻻئتلاف" أو حتى "المعارضة" مستعدة إلى تفعيل أو تجيير مثل هكذا نتائج لصالح "الثورة السورية"، بدليل البيانات الهزيلة التي اكتفت بها، والدعوة فقط إلى تحرك دولي يستند إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة وفق ما يقتضيه القرار 2118، دون قيام "المعارضة" بأي جوﻻت حقيقية للاستفادة من نتائج التقرير.
بالمحصلة؛ التقرير فرصة ستستفيد منها واشنطن وحدها، ويبدو أنّ المعارضة السورية خسرتها، حتى اللحظة، لكن لا يعني ذلك أنها ورقة طويت مطلقا، ويمكن اﻻستفادة منها في وقتٍ لاحق، من طرف نشطاء حقوقيين مستقلين.
وستصوت الدول الأعضاء في منظمة حظر اﻷسلحة، في وقت لاحق من هذا الشهر على إمكان فرض عقوبات على نظام اﻷسد، قد تشمل تعليق حقه في التصويت، فيما يشكل العقوبة الأشد التي تجيزها المنظمة إذا لم يتخذ البلد المعني إجراءات في هذا الصدد.
موقف رافض
كالعادة أدانت خارجية النظام، يوم الأربعاء، ما جاء في تقرير "منظمة حظر الأسلحة الكيميائية" حول حادثة سراقب، ونفت بشكل قاطع أن تكون استخدمت الغازات السامة في تلك البلدة، حسب زعمها.
ولا يخرج رفض النظام عن عباءة "الرفض الروسي" للتقرير، بل يبدو بيان خارجية اﻷسد، مجرد كلام لا يحمل أدلة كالعادة إﻻ اﻻتهام بـ "الفبركة" و"لغة المؤامرة"، سيرا على نهج اﻻستنكار ونكران الواقع الذي سار عليه منذ بداية الحراك الثوري.
وينفي النظام أي علاقة له بالهجمات الكيميائية المؤكدة ويدعي أنه سلم مخزوناته من الأسلحة الكيميائية تحت إشراف دولي بموجب اتفاق أبرم العام 2013.
واشنطن تكذّب النظام
قالت وزارة الخارجية الأميركية، يوم الأربعاء، إن نظام الأسد يحتفظ بمواد كيميائية لاستخدام غاز السارين وتطوير أسلحة كيميائية جديدة، ما يعني تكذيبها للأسد والروس أنه تم تسليم "مخزونات اﻷسلحة الكيميائية".
وأضافت الوزارة في بيان صادر عنها، بأننا نتفق مع استنتاج منظمة حظر الأسلحة الكيميائية ومسؤولية نظام الأسد عن هجوم سراقب في 2018.
كما شدد وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، على وجوب محاسبة النظام السوري، بعدما خلص تحقيق لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية إلى أن النظام استخدم أسلحة كيميائية في قصف مدينة سراقب عام 2018.
وأضاف، من الواضح أن انتهاكا بهذه الصراحة للقانون الدولي يجب ألا يمر من دون عواقب"، مؤكدا وجوب "محاسبة المسؤولين" عنه، وفقا لموقع دويتشه فيله.
وجددت وزارة الخارجية التركية مطالبتها بمعاقبة كافة المسؤولين عن الهجوم الكيميائي الذي شنته قوات النظام السوري على مدينة سراقب في إدلب عام 2018، مشددة على أن هذا "الحدث يمثل انتهاكًا خطيرًا للقانون الدولي". وجاء ذلك في بيان صادر عن الوزارة التركية، تعليقا على التقرير.
وأضاف بيان الوزارة التركية "أظهر فريق التحقيق التابع للمنظمة مجددًا مسؤولية نظام الأسد عن هجوم كيميائي آخر"، لافتًا أن "الهجوم يعتبر انتهاكًا صارخًا لاتفاقية الأسلحة الكيميائية، إلى جانب كونه جريمة ضد الإنسانية، وجريمة حرب".
بصمات التيار الجهادي
بعيدا عن التنافس الروسي اﻷمريكي، فإنّ ما ينفي عزل اﻷسد، واستبعاده في الوقت الراهن، أنّ ورقة "التيار الجهادي" لا تزال قائمة، وما لم يتم حسم هذا الملف، فإنّ الغرب لن يطمئن، ولن يسمح بسقوط النظام، قبل التوصل إلى صيغة يتم خلالها إزالة تلك البؤرة، ورسم خارطة جديدة للبلاد، في ظل دستورٍ سيجبر اﻷسد والمعارضة على تطبيقه، في حال "نضوج الطبخة السياسية".
وما يؤكد هذه النظرية أيضا، ما أورده تقرير الـ(سي آي إيه)، الذي أشار إلى أن القوات الأميركية في شرق سوريا، ستواجه تهديدات من المجموعات المدعومة من إيران والنظام السوري. وأن الإرهابيين سيسعون لشن اعتداءات على الغرب عبر ملاذاتهم الآمنة في سوريا. كما رجح التقرير حصول موجة نزوح جديدة في حال تصعيد القتال أو انهيار الاقتصاد.
وبناء على كل ما سبق؛ فإنّ جميع تقارير إدانة اﻷسد باستخدام الكيماوي أو غيره لن تكون ذات جدوى أو أثر ما لم يحسم وبشكل نهائي ملف الشمال وتحديدا إخراج سيناريو للتيار الجهادي، ربما يكون مشابها لمعسكرات "خلق اﻹيرانية" في العراق، أو ترحيل المهاجرين، أو حتى خنق الحاضنة للتيار.