بلدي نيوز - (تركي مصطفى)
تزامنا مع الذكرى السنوية العاشرة للثورة السورية، يتعرَّض نظام الأسد لانتكاسات كبيرة عسكرية واقتصادية وسياسية؛ تُعدُّ الأقسى في كل سني عدوانه على الشعب السوري، بعد القرارات الدولية وعلى رأسها القرار 2254المعطل روسياً.
وتكبَّد مؤخراً خسائر فادحة في معاركه الدعائية في البادية السورية، وفي درعا بحسب ما كشفت عنه الطوابير الجنائزية، واكتظاظ المستشفيات بالجرحى، وتحركات الميليشيات الانتقامية ضد رعاة الأغنام في عدد من المناطق وارتكاب مجازر بشعة تدلل على مدى عدوانية الأسد اتجاه الشعب السوري.
وعلى الصعيد ذاته، روّج نظام الأسد لمعركة إدلب منذ اتفاق مارس/آذار الماضي، غير أنه لا يملك قرار تحريك وحدة عسكرية، حيث توجد مجاميع عسكرية روسية وإيرانية في محورين قتاليين تتمركز فيهما ميليشيات عقدية كحزب الله اللبناني وحركة النجباء العراقية وفاطميون الأفغانية يقودهم الحرس الثوري الإيراني، ينتشرون على خطوط المواجهة في ريف إدلب الشرقي وحلب الغربي، فيما تسيطر الفرقة 25 التابعة لروسيا على محور القتال في ريف إدلب الجنوبي وسهل الغاب وريف اللاذقية، وتساند هؤلاء جميعا طائرات حربية روسية، وأخرى بلا طيار استطلاعية وهجومية روسية وإيرانية.
وفي الجانب الاستخباراتي، كشفت مصادر مختلفة، يقف على رأسها الجانب الروسي تسريب اللقاءات بين مخابرات الأسد والموساد الإسرائيلي في قاعدة حميميم الجوية وما تبع ذلك ما نشرته قناة "روسيا اليوم"، من حديث للحاخام اليهودي إيدي عبادي، في برنامج "قصارى القول"، حيث صرح بأن توقيع الدول العربية ومن بينها سوريا، اتفاقيات التطبيع و"السلام" مع إسرائيل هي "مسألة وقت" لا أكثر.
وأضاف الحاخام، إن محادثات سرية وشخصية تجري منذ سنوات بين "الحكومة السورية" وحكومة إسرائيل بخصوص عقد اتفاقية سلام بين الطرفين.
والحاخام، هو رئيس "رابطة المجتمعات اليهودية الخليجية"، قال إن رأس النظام بشار الأسد، دعاه لزيارة سوريا برفقة جالية يهودية "منذ نحو 11 سنة، بهدف زيارة حلب ودمشق وأماكن وجود اليهود هناك ومقابرهم وكنائسهم، إلا أن الحرب اندلعت قبل نحو شهر من توجهنا إلى سوريا" على حد قوله.
ليقع إعلام نظام الأسد بانتكاسة أخلاقية جديدة وهو الذي دأب خلال عشر سنوات على تشويه الثورة السورية؛ واتهام كل مناوئيه بالدعشنة والتكفير والعمالة، لإكساب عدوانه على الشعب السوري قبولًا شعبيًا ودوليًا؛ ولم ينتشله من هذه الانتكاسة استنفار لوبي الإعلام الإيراني للحفاظ على خطابه "المقاوم"، ولتجميل صورته حتى في ذهنية حاضنته، لكن انكشاف زيف مقاومته لـ "الهيمنة الغربية والاحتلال الصهيوني" أظهر حقيقة عائلة الأسد التي حكمت سوريا على مدار نصف قرن.
في الجانب الاقتصادي، بدت الانتكاسة كبيرة، مع انهيار الاقتصاد، إثر بعثرة الأسد المال العام وتوظيفه في قتل السوريين، وما تبع ذلك من عقوبات اقتصادية دولية ردا على جرائمه الشنعاء، فبات يعيش 90 في المئة من السكان تحت خط الفقر لا يستطيعون تأمين احتياجاتهم الأساسية عقب انهيار العملة التي تجاوز سعر صرفها مقابل الدولار الواحد حاجز 4500 ل.س، حتى وصلت به الصفاقة قوله لصحافييه "أوقفوا برامج الطبخ حتى لا يشعر الجمهور بالإحباط". فضاعف الضغط بقوة على جباية ما تبقى من أموال لدى القاطنين في مناطق نفوذه لرفد خزينته الفارغة من الأموال، الأمر الذي خلق حالات تمرد قمعها بوسائل مختلفة بينها التصفيات الجسدية لكل مخالف لرغباته.
على الصعيد الشخصي، وفي محاولة خادعة لحاضنته إعلانه أنه أصيب وزوجته بكورونا، وقبل ذلك ألمت به وعكة صحية وهو يخطب بموظفيه، فضلا عن إعلان زوجته إصابتها بسرطان الثدي وتجاوزها بل قهرها المرض على طريقة محور "المقاومة".
الانتكاسة الأكبر للأسد تمثلت في تحمل الشعب السوري عشر سنوات متواصلة من القتل والتدمير والتشريد، للتخلص من قوى الإجرام المتمثلة بنظامه وأحلافه، ولم يُساور السوريون أدنى شكٍ في أنهم سيهزمون هذا الطاغية المتمسك بالكرسي، بعد أن رهن سوريا عشرات السنين لحماته من الروس والإيرانيين، ومضى في مشروعه التفتيتي لتحويل سوريا إلى كانتونات متصارعة تلعب بها القوى الدولية والإقليمية، وكذلك فكك النسيج الوطني السوري ليؤصل لثقافة جديدة مغايرة لثوابت الشعب السوري من خلال انتشار الحوزات الدينية في كل المناطق الخاضعة لسيطرة المليشيات الإيرانية الإرهابية.
ويبدو أن الأسد يتحسب للانتكاسة الأسوأ مع التحركات الدولية الأخيرة باتجاه إعادة فتح الملف السوري فقد قال المبعوث البريطاني الخاص إلى سوريا جوناثان هارغريفز -في مقابلة مع الجزيرة-إن بريطانيا وحلفاءها ملتزمون بضمان إنهاء الأزمة السورية وعدم دخولها عقداً آخر، كما أكد هارغريفز سعي بلاده إلى تحميل الرئيس بشار الأسد المسؤولية عن الجرائم التي ارتكبها النظام في سوريا، وفي السياق، قالت المندوبة الأميركية الدائمة لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد في جلسة مجلس الأمن الدولي مساء أمس الاثنين حول الأزمة السورية إن "هناك سببا واحدا فقط لعدم تمكننا من تفعيل الحل لهذه الأزمة: رفض نظام الأسد الانخراط بحسن نية وعدم اتخاذه أي خطوة واحدة من شأنها أن ترسي الأساس للسلام".
وحذرت السفيرة الأميركية من خداع النظام للمجتمع الدولي بإجراء الانتخابات الرئاسية الشهر المقبل، مؤكدة أنها لن تكون حرة ولا نزيهة، ولن تضفي الشرعية على نظام الأسد.
وشددت على أن "الذكرى السنوية الحادية عشرة لا يمكن أن تشبه الذكرى العاشرة".
وأعلنت بريطانيا فرض حزمة عقوبات جديدة على 6 مسؤولين في النظام، هم: وزير الخارجية فيصل المقداد، ومستشارة الأسد الإعلامية لونا الشبل، ورجلا الأعمال يسار إبراهيم ومحمد براء القاطرجي، وقائد الحرس الجمهوري مالك عليا، واللواء زيد صالح قائد الفرقة 25.
وقالت الحكومة البريطانية، في بيان، إنها بمثابة "أول استخدام لنظام العقوبات المستقل في المملكة المتحدة"، والذي بدأ العمل به بعد نهاية الفترة الانتقالية لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
من جهة أخرى، كتب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في تغريدة "إلى الشعب السوري، أريد أن أقول لن نتخلى يوما عن هذه المعركة". وأضاف "سنبقى إلى جانبه للاستجابة إلى حاجاته الإنسانية والدفاع عن القانون الدولي ومكافحة الإفلات من العقاب وإيجاد حلّ سياسي، الوحيد الممكن".
وفي بيان أميركي أوروبي صدر مساء اليوم جاء فيه أن على النظام السوري الانخراط في العملية السياسية ولن يتم إعادة العلاقات قبل عملية سياسية تشمل جميع السوريين.
وأخيرا، يشكل المناخ الدولي السائد انتكاسة قاصمة لنظام الأسد تزامنا مع ذكرى الثورة في عامها العاشر، وظهور ملامح دولية جديدة تدعو إلى فتح الملف السوري، ما يؤشر إلى أن الثورة السورية بما أحدثته من مفاهيم وطنية وسياسية لا يمكن اجتثاثها مهما بلغ حجم من نصّب نفسه حامياً للعروش المهدّدة بالسقوط.