بلدي نيوز
عشر سنوات مضت على انطلاقة الثورة السورية وما تزال محافظة السويداء في الجنوب السوري "شوكا ناعما" يؤرق نظام الأسد ومعه حلفاؤه الروس، والذين تكثر تحركاتهم فيها في الوقت الحالي، من أجل فرض اتفاق "تسوية" أو ما يسمى بـ"المصالحة" على غرار ما شهدته محافظة درعا في السنوات الماضية، وخاصة بعد السيطرة عليها من قبل قوات الأسد في عام 2018.
وتعتبر قضية التخلف عن الخدمة العسكرية سواء الإلزامية أو الاحتياطية في "الجيش السوري" عالقة حتى الآن في محافظة السويداء، وحسب إحصائيات غير رسمية يبلغ عدد الشبان المتخلفين أكثر من 40 ألف شاب، بينهم عشرون ألفا ما يزالون داخل الحدود السورية، وفقا لتقرير في موقع الحرة.
وطوال السنوات الماضية حاولت الأفرع الأمنية في نظام الأسد إقناع وجهاء السويداء وشيوخ العقل بإقناع الشبان للعودة إلى الخدمة في "الجيش السوري"، إلا أن جميع هذه المحاولات باءت بالفشل، كان آخرها في تشرين الأول من عام 2018.
ومنذ ذلك الوقت تصدرت أسماء لضباط في "الفرقة الرابعة" قدموا عروضا للالتحاق بالخدمة، بينها أن يخدم الشاب ابن مدينة السويداء في القطع العسكرية الموجودة في الجنوب السوري.
وبالتزامن مع ما سبق كان هناك جولات واجتماعات مكوكية لضباط من الشرطة العسكرية الروسية مع وجهاء المحافظة، من أجل حل مشكلة المتخلفين عن الخدمة الإلزامية أيضا، أبرزها كانت مطلع عام 2018، قبل أشهر من الهجوم الذي نفده تنظيم "داعش" على قرى الريف الشرقي للسويداء، ما أسفر عن مقتل 200 شخصا.
ما أقدم عليه تنظيم "داعش" حينها فتح باب هجوم واتهامات كبير من جانب أهالي المحافظة ضد نظام الأسد، إذ حملوه مسؤولية المجزرة التي تعرض لها المدنيون، خاصة أنه كان قد أقدم على سحب قواته من ذات المحور الذي تسلل منه مقاتلو "داعش"، الأمر الذي أعطى مشهدا اتضحت تفاصيله بأن النظام حاول "تطويع" المحافظة في ذلك الوقت ومعاقبتها، كونها لم تستجب لسياساته العسكرية والأمنية.
بالعودة إلى التحركات التي تسير بها روسيا السويداء حاليا يقول مسؤول التحرير في موقع "السويداء 24"، ريان معروف إن وفدا روسيا يرأسه جنرال برتبة لواء عقد اجتماعات في السويداء في الأيام الماضية، وأجرى عدة زيارات استهدفت قادة المجتمع في البداية، من وجهاء تقليديين ورجال دين.
ويضيف معروف الموجود في السويداء "تحدث الوفد الروسي للوجهاء ورجال الدين عن وجود نية لروسيا بإنشاء لجنة مصالحة، بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية التابعة للنظام السوري في محافظة السويداء، على أن تشرف على إبرام تسويات أوضاع للمتخلفين عن الخدمة في صفوف الجيش والمنشقين، وللمطلوبين بقضايا أمنية".
ويشير معروف إلى أن الحديث الروسي اتضح من خلاله وجود خطة تعمل موسكو وفقها، وهي تشكيل لجنة مصالحة على غرار اللجان التي تم تشكيلها في محافظة درعا، والتي عادت للنشاط في الأشهر الثلاثة الماضية، لاسيما أن الجنرال الروسي ضرب مثالا على تسويات درعا، واعتبرها "تسويات ناجحة".
ولم يكن دخول الروس إلى السويداء مباشرا أو بشكل منفرد، بل هناك تنسيق غير معلن يجرونه مع الأفرع الأمنية التابعة لنظام الأسد، ووفق المعلومات التي حصل عليها موقع "الحرة" فإن التنسيق يجري بين الضباط الروس ورئيس فرع "أمن الدولة" في المحافظة، العميد سالم الحوش، والذي ينحدر من منطقة إزرع بريف درعا، ويرتبط بعلاقات قوية مع موسكو.
وكانت آخر زيارة للروس إلى السويداء، مطلع الأسبوع الجاري، ويوضح معروف أن المعلومات الحالية تشير إلى أنه وخلال الأسابيع المقبلة سيتم افتتاح مكتب للجنة المصالحة التي تعتزم روسيا تشكيلها في مبنى محافظة السويداء.
ومن المقرر أن تطرح روسيا بنود التسوية خلال اجتماع جديد، مع وجهاء المحافظة ورجال الدين في فرع "أمن الدولة"، حسب معروف.
ويرى الكاتب والصحفي، حافظ قرقوط أن الروس لا خطة سياسية لديهم ولا حتى إمكانيات اقتصادية لتغطية المشاريع التي تؤدي إلى فرض الاستقرار، معتبرا أن محاولاتهم "لها طابع أمني وتعيد الكرّة من جديد لتستهدف الشبان الرافضين للالتحاق بالخدمة العسكرية".
ويقول قرقوط، إن دخول الروس إلى السويداء ليس جديدا، فقد حاولوا سابقا مع ضباط متقاعدين من أجل تشكيل قوات رديفة لــ"الجيش السوري" كما هو الحال في درعا بتشكيل قوات "الفيلق الخامس"، لكنهم فشلوا لأنهم بحاجة إلى "تغطية" وهي غير موجودة في المنطقة، سواء شعبيا أو أمنيا.
ويشير الكاتب والصحفي إلى أن نظام الأسد والروس يحاولون من خلال جولتهم الحالية تعويض النقص من الشبان في "الجيش السوري"، ويتحركون لإتمام هذه المهمة، بمشاركة أفرع الأمن في السويداء.
وإلى جانب ما سبق يتابع قرقوط: "الروس يحاولون أيضا بيع أوراق للعمق العربي ولإسرائيل على أنهم قادرين ضبط الاستقرار في الجنوب السوري، وتشكيل قوات أمنية للحد من تمدد حزب الله وإيران".
لا يمكن فصل الرواية الروسية التي تركّز على "إرساء الاستقرار" في السويداء عما تترقبه سوريا من انتخابات رئاسية بعد أربعة أشهر من الآن.
وبناء على اللقاءات التي عقدها الوفد الروسي مؤخرا مع وجهاء السويداء، يوضح معروف أن الروس ألمحوا بشكل صريح إلى نيتهم "خلق حالة استقرار نسبي في الجنوب، تمهيدا للانتخابات الرئاسية القادمة منتصف عام 2021".
ويتابع الصحفي: "لكن الروس لم يقدموا أي حلول تقنع شباب المحافظة المتخلفين والمنشقين بالعودة للخدمة في صفوف الجيش حتى اليوم، فهم لم يبحثوا الأسباب العديدة التي دفعت آلاف الشباب للانشقاق عن الخدمة أو عدم الالتحاق بها".
وهناك تلميحات جانب موسكو بأن لديها نية لوضع الشباب الراغبين بالتسوية للخدمة ضمن "الفيلق الأول" التابع لقوات الأسد، أي أن تكون خدمتهم في المنطقة الجنوبية.
ويستبعد معروف أن يلقى العرض الروسي قبولا لدى شريحة المتخلفين والمنشقين، ففي وقت سابق من عام 2015 قدم بشار الأسد لهم عرضا للخدمة ضمن "الفرقة 15 قوات خاصة" داخل محافظة السويداء، ولم يلتحق إلا عدد قليل.
ويشير الصحفي "لذا لن تنجح روسيا في فرض تسوية حاليا، سيما وأنها ليس لديها إمكانية فرض التسوية بالقوة كما حدث في درعا عام 2018، لاعتبارات كثيرة بالنسبة للسويداء".