بلدي نيوز - ياسر الأطرش
ستُحرم معظم العائلات السورية في الداخل من الشعور الذي طالما اعتبرته يميز شهر رمضان الفضيل عن غيره، ألا وهو "لمة العائلة"، خصوصاً على مائدتي الإفطار والسحور.
على معظم موائد الإفطار سيكون ثمة مقعد شاغر أو أكثر، لأفراد من العائلة كانوا هنا في رمضان الماضي، واليوم غيّبهم الموت أو السجن أو المنافي، أو أنهم موجودون ولكن ليس بكامل أجسامهم، فالذي كان يتناول طعامه بكلتا يديه، ربما سيحتاج من يعينه اليوم بعدما فقد إحدى أطرافه.
مليون سوري محاصر
مع بداية الشهر الفضيل، يعيش حوالي مليون سوري حصاراً كاملاً، في 11 منطقة موزعة على الجغرافيا السورية، معظمها في الريف الدمشقي حول العاصمة.
ومع اشتداد الأزمة في طول البلاد وعرضها، إلا أن هؤلاء يعانون وسيعانون أكثر من غيرهم، فهم في كثير من الأحيان لجؤوا إلى تناول الأعشاب والحيوانات النافقة، فماذا يمكن أن يفعلوا في رمضان؟
دخلت في الفترة الماضية بعض قوافل المساعدات الأممية لبعض هذه المناطق، ويبحث مجلس الأمن إنزالها عبر الجو لجميع المناطق المحاصرة، ما يساعد –في حال حدوثه- الناس على تجاوز جزئي للأزمة الإنسانية الطاحنة، إلا أن ذلك لم يحدث بشكل كافٍ حتى الآن.
نزوح على أبواب رمضان
الكارثة الأخرى التي تتهدّد مئات الآلاف من السوريين، هي النزوح المستجد من مناطق الحرب والجبهات المشتعلة، في حلب وإدلب والرقة ودير الزور.
فمحافظة حلب تعيش حالة حرب تودي بحياة العشرات يومياً، وتدفع آلافاً آخرين للهرب إلى المجهول، فقبل رمضان بأيام اشتعلت الجبهات مجدداً في الريف الجنوبي، والريف الشمالي، وداخل المدينة، ناهيك عن الجبهة الشرقية التي تشهد تقدماً كبيراً لقوات مدعومة من التحالف الدولي بهدف طرد تنظيم داعش من منبج وأريافها.
وقد أدت هذه المعارك، إضافة لاستهداف الطيران الروسي وطيران الأسد للمدنيين والأحياء السكنية، إلى نزوح ما يقارب 165 ألف مدني من مناطق الصراع إلى المزارع والبراري قرب الحدود التركية المغلقة.
وفي إدلب، التي تشهد غارات يومية مكثفة لطيران النظام والحليف الروسي، 50 ألف مدني على الأقل فروا من مدينة إدلب إلى المزارع والأرياف شبه الآمنة، مع توقعات بتضاعف هذا العدد مع استمرار استهداف الطيران الحربي للمدنيين.
تجار الحرب يعمّقون الأزمة
وكما هي الحال في الحروب، يسيطر على حركة التجارة وتدفق المواد الأساسية إلى الأسواق، تجار لا ينتمون إلى طرف محدد، بل يعملون لمصالحهم الخاصة، ويتحكمون بالمواد الأساسية التي لا يمكن الاستغناء عنها.
في إدلب، وصل سعر كيلو السكر إلى 700 ليرة سورية منذ أيام قليلة، فيما وصل سعر برميل المازوت إلى 100 ألف ليرة سورية، قبل أن يعاود الهبوط بعد اتفاقات بين الفصائل أدت لفتح طرق تهريبه.
ومع الانخفاض الكبير والمفاجئ في سعر صرف الدولار أمام الليرة السورية، من 600 إلى 450 للدولار الواحد، إلا أن مواطنين أكدوا أن الأسعار بقيت على حالها ولم تتزحزح، وقدروا كلفة الحياة البسيطة لعائلة صغيرة بما لا يقل عن 150 ألف ليرة شهرياً، في ظل بطالة وعطالة كاملة في البلد الذي تمزقه الحرب، حتى إن آلاف الموظفين لا يستطيعون قبض رواتبهم، التي لا تسد الرمق على أي حال، فالآنسة أمينة، المعلمة في ريف إدلب، عليها أن تذهب إلى مدينة حماة لتقبض راتبها الذي لا يتجاوز 30 ألف ليرة سورية، وهي لم تذهب لاستلامه منذ أربعة أشهر كما أخبرتنا، وعندما سألناها عن السبب، قالت: "كنا ندفع نصفه للحواجز المنتشرة على الطريق، أما الآن فلم يعد يكفي كله، وأحياناً صار الزملاء يدفعون من جيوبهم فوق رواتبهم لكي يعودوا سالمين".