بلدي نيوز - (عبد القادر محمد)
خلفت عمليات الجيش التركي المشتركة مع "الجيش الوطني" السوري على حدودها مع سوريا، مناطق حرمت خلالها النظام السوري وحليفه الروسي من قصفها جوياً وبرياً، وباتت تصنف لدى سكان الشمال السوري على أنها آمنة، وأصبحت الشركات التركية ومن يرغب بالاستثمار من السوريين يقدمون مشاريعهم الخاصة والتي انعكست في المرتبة الأولى على القطاعات الخدمية، ما أدى إلى إحياء المنطقة اقتصاديا وتوجه العديد من السكان في إدلب لاستقرارهم في تلك المناطق.
ولكن سكان الشمال السوري في مناطق عمليات "درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام" يؤكدون أنهم يعيشون في مناطق ليست آمنة بالمطلق، وما يؤكد ذلك الخطر من خلال التفجيرات بواسطة المفخخات التي باتت هاجسهم اليومي.
ووفقا لتقديرات مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة (أوتشا)، فإن منطقة شمال غربي سوريا تضم مليوني نازح، يقيم منهم 630 ألفا في المخيمات، من أصل أربعة ملايين من السكان في المنطقة، ويحتاج 2.7 مليون شخص للمساعدات الإنسانية.
الواقع المرعب
يقول الناشط الإعلامي في مدينة الباب، عمار نصار، لبلدي نيوز، إن التفجيرات التي تحدث في المنطقة الشمالية لحلب، لها أبعاد اقتصادية ومادية، فالبعد الإقتصادي الأول هو "الضرر الهائل" الذي يسببه التفجير من خلال الدمار الذي يحدثه في المحال التجارية والتي تشكل عصب الحياة.
وأوضح نصّار، أن معدل الدمار الذي يحدث نتيجة انفجار سيارة مفخخة في أي سوق يتراوح بين 50 و 75 محلا ما يرتب إعادة الترميم من جديد وشراء بديل لكل ما تلف، وأصحابها من النازحين ويعانون أوضاعا مادية صعبة، ويحتاجون لمدة طويلة من أجل عودتهم للعمل.
ويضيف "بعد كل تفجير تضعف الحركة بشكل كبير وخصوصا خلال الأسبوع الأول، حيث يكون الناس في صدمة نفسية ورعب وهذا يؤثر أيضاً على الوضع الإقتصادي المنهار من الأصل".
وأضاف نصّار، "إن الوضع الأمني المزري الذي يساهم بشكل مباشر في عزوف الكثيرين عن إنشاء أي مشروع تجاري بسبب ما وصلنا إليه من تفجيرات متتالية وعدم وجود خطة أمنية مستقبلية للمسؤولين عن أمن المنطقة، حيث أصبحت التفجيرات شبه روتينية مع الزمن، حيث وصل الحال إلى أن يخرج المواطن من بيته ولا يدري، هل يعود لمنزله أم لا؟".
من المستفيد؟
يقول اللواء "سليم إدريس" والذي يشغل وزير الدفاع في الجيش الوطني، لبلدي نيوز "إن الجيش الوطني بكافة تشكيلاته يعمل أقصى جهده على ضبط أمن المناطق المحررة من خلال صد محاولات التسلل المتكررة على كافة نقاطنا مع قسد وبشكل يومي وضبط المعابر، وقد تمكن الجيش الوطني من إفشال العديد من المحاولات لإدخال سيارات ودرجات مفخخة، وتمكن أيضاً من إلقاء القبض على العشرات من العناصر الذين يتعاملون مع "قسد" وتنظيم داعش".
ويضيف اللواء إدريس، أن السبب الرئيسي وراء التفجيرات هم "قسد" وعملائها، حيث استطاعت تجنيد العشرات وإغرائهم بالمال من أجل افتعال التفجيرات مستغلة الوضع المعيشي والاقتصادي الصعب الذي يعيشه الناس بسبب الحصار المفروض علينا من المجتمع الدولي وقلة المساعدات وانعدام فرص العمل.
وحول الحلول المستقبلية، يقول وزير الدفاع "نسعى جاهدين لتعزيز الحراسة على خطوط الرباط ورفع مستوى كفاءة عناصر الجيش الوطني وتشديد إجراءات التدقيق والتفتيش، ونعمل على تأمين أجهزة ومعدات لكشف المتفجرات".
الفشل الأمني
وحول عدم قدرة "الجيش الوطني" على ضبط الحدود المتاخمة للنظام السوري وقوات سوريا الديمقراطية "قسد"، قال المدعو "فاروق أبو بكر" والذي يشغل منصب قيادي في فرقة المعتصم لبلدي نيوز، "هنالك عدة أمور حول عدم قدرة الجيش الوطني على ضبط الحدود، (أولا) لا يمكن إنكار وجود بعض المنتفعين وتجار الأزمات الذين يعيشون على دماء الشهداء وتضحيات الشرفاء والشعب، ولكن الناحية الأهم هي قوة وقذارة الأعداء الذين نحاربهم مثل "قسد"، فهم لا يتمتعون بأي أخلاق تمنعهم من اتباع أية طريقة في قتل الأبرياء والمدنيين من خلال التفجيرات الإرهابية التي يفتعلونها في المناطق المحررة"، حسب قوله.
وأضاف، أن "أحد الأسباب التي تمنعنا من ضبط المنطقة هي طول الحدود بيننا وبين "قسد"؛ فهي تحتاج إلى إمكانيات دول، ونحن كما يعلم الجميع لا نملك جزء بسيطا من تلك الإمكانيات، ورغم ذلك نعتبر أنفسنا غير مقصرين، لأننا لا ندخر جهداً في صد عمليات التسلل اليومية والقبض على عشرات الخلايا التي تتعامل معهم".
ما الحل؟
وحول الحلول قال أبو بكر، إن "الحل ينحصر في تطبيق أقصى أنواع العقوبات في حق من يثبت عليه أي عمل إرهابي وتفعيل الإعدام ليكون رادعاً لمن تسول له نفسه افتعال هذه التفجيرات، وإدخال السيارات المفخخة".
وأشار إلى أنه وبالرغم من الوضع الأمني الحاصل، تعتبر مناطقنا صالحة للاستثمار ونحن في الجيش الوطني نأخذ على عاتقنا حماية كافة المنشآت الصناعية وتشجيع إنشائها، لأنها تساهم في بناء المجتمع وتخفف من الأعمال الإرهابية عبر تأمين فرص العمل فهي جزء لا يتجزأ من بناء مجتمع آمن".
التفجيرات تنعكس سلباً على الاقتصاد
يقول الدكتور "محمود مصطفى" رئيس شعبة موصياد (جمعية رجال الاعمال والصناعيين المستقلين)، إن "وضعنا في المناطق المحررة لا يخفى على أحد، فنحن في ظل حرب وظروف إقتصادية صعبة ورغم الوضع الأمني الراهن، إلا أنه لا بد من سعي رجال الأعمال لإقامة إستثمارات وإنشاء المعامل والمصانع في الداخل، لأن ذلك يعتبر خطوة صحيحة لدفع عجلة الإقتصاد للأمام وازدهار المنطقة كما أنه يمثل تحدياً لنظام الأسد المجرم والمنظمات الإرهابية والتي تسعى لزعزعة استقرار المنطقة وإعاقة تعافيها".
ويعتبر الدكتور مصطفى، أن افتتاح المعامل والمنشآت الصناعية شكّل جزء من الإسهام في استقرار المنطقة لأنها خلقت فرصاً للعمل، وبالتالي تقلل من البطالة الحاصلة لدى الشباب وتساهم في تأمين أبواب يمكن أن تغلق في وجه استغلالهم في الإنجرار وراء الأعمال الإرهابية من أجل الحصول على المال.
ويشير الى أن شركته "موصياد" تساهم في تعزيز العلاقات التجارية من خلال شبكتها الواسعة في الخارج وتذليل صعوباتهم، وتشجيع رجال الأعمال من أجل خلق استثمارات من الممكن أن تؤمن مئات من فرص العمل وذلك بالتنسيق مع السلطات المحلية.
يشار إلى أن وزارة الدفاع التركية تتهم الوحدات الكردية بالوقوف وراء تلك التفجيرات خاصة في منطقتي رأس العين شمال غربي الحسكة وتل أبيض شمالي الرقة، وهو ما تنفيه "قسد" بشكل دوري، ولكن التفجيرات المتكررة التي تشهدها مناطق سيطرة المعارضة سواء عبر عبوات ناسفة أو بسيارات مفححة لا تتبناها عادة أي جهة.
وتضرب مناطق سيطرة المعارضة شمالي سوريا تفجيرات خلفت عشرات الضحايا، طالت أسواقا شعبية، ومراكز بيع المحروقات، إلى جانب اغتيال شخصيات عسكرية في المنطقة.