الصراع التركي الروسي في إدلب.. خلافات ومقايضات - It's Over 9000!

الصراع التركي الروسي في إدلب.. خلافات ومقايضات

بلدي نيوز - (تركي مصطفى) 

مدخل 

يناقش هذا الملف، في إطار تحليلي، عسكري واستراتيجي، المآلات المتوقعة للتوافق والاختلاف الروسي التركي في محافظة إدلب، وتداعيات ذلك على كل من تركيا وروسيا، وإيران، والأطراف الأخرى الإقليمية والدولية المعنية بالملف السوري. ويبدأ الملف بنقاش ما انتهت إليه اللجان التقنية الروسية والتركية في أنقرة، ويتوقف عند الأهمية الاستراتيجية لمنطقة جنوب خط الـ"m4" وأهداف روسيا فيه، والآليات التي تعتمدها أنقرة وموسكو للسيطرة عليه، ومستقبل هذه المنطقة في سياق التنافس التركي -الروسي.

مقدمة

على مدى سنوات التدخل الروسي في سوريا، وتحديدا منذ 30 سبتمبر/أيلول عام 2015، سعت موسكو، وبكل السبل، إلى السيطرة على محافظة إدلب، وقد تحقق لها جزء من ذلك منذ نهاية العام 2019، وبدايات العام2020، عن طريق أذرعها العسكرية والسياسية، المتمثلة في القوات الخاصة الروسية، ومرتزقة فاغنر والميليشيات الإيرانية وميليشيات محلية كالفرقة 25، والتي سيطرت عل كامل الطريق الدولي "m5"، عسكريًّا، على الرغم من وجود "القوات العسكرية التركية" التي تعمل في إطار "اتفاق آستانا".

منطقة جنوب طريق الـ"m4"

تكتسب منطقة جنوب طريق الـ "m4" أهميتها الحيوية، من وقوعها في دائرة السيطرة على وسط سوريا، ومرور شرايين تدفق التجارة الداخلية والخارجية منها، مع ما توفره طبيعة المنطقة الهضبية والسهلية (جبل الزاوية والغاب وكبانة)، من أهمية استراتيجية، فضلًا عن إمكانية استغلالها عسكريًّا، حيث اتخذت أطراف الصراع الرئيسية (روسيا وتركيا وإيران) قواعد عسكرية متقدمة في المنطقة وعلى حوافها، للدفاع الاستراتيجي عن مناطق نفوذها. ولا شك في أن أطراف الصراع أدركت أهمية موقع المنطقة الاستراتيجي، والذي يلبِّي الطموحً العسكريّ لمن يسيطر عليها، من هنا تتسابق روسيا وتركيا لبناء قواعد عسكرية، وقد سبقتهما إيران في هذا المضمار على حوافها الشرقية في ريف حلب الجنوبي، وذلك لما تقدمه هذه القواعد، من تسهيلات للدفاع والهجوم في هذه المنطقة المضطربة.

أهداف روسيا وتركيا

نظرًا إلى الأهمية الاستراتيجية لمنطقة جنوب الـ"m4" فإنَّ موسكو وأنقرة تسعيان إلى السيطرة عليها لإلحاقها ضمن مصفوفة قواعدهما العسكرية المستحدثة في هذه المنطقة، بما يحقق لكل منهما إحكام السيطرة العسكرية، والاقتصادية، على طول الخطوط التجارية الممتدة من حلب شمالا، حتى الحدود السورية الأردنية، وصولًا إلى اللاذقية، فالبحر المتوسط. ويأتي أيضًا في سياق حرص روسيا على جعل المنطقة التي تحتلها عقدة مواصلات، محلية وإقليمية.

عسكريّا، تعمل روسيا على بناء قاعدة عسكرية في منطقة "m4"، لتدعيم مشروعها الاحتلالي، الذي لم يعد خافيًا على أحد، ولعل ما يشير إلى ذلك قيامها، منذ يناير/كانون الثاني 2020، بنشر نحو 6000 مرتزق من الفرقة 25 وميليشيات محلية في المنطقة، فيما تشير مصادر أخرى إلى وصول عشرات المدرعات والدبابات إليها. ورغم كل المساعي الروسية لتضخيم دورها الدولي من خلال توسيع احتلالها لآراضٍ سورية أخرى، فإنَّ من المهم الإدراك بأن أهدافها الاستراتيجية في إدلب، مقيَّدة بالحدود المسموح بها من قبل القوى الدولية كـ"الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة"، وإن تذرعت بمحاربتها "الإرهاب" في المنطقة.

من جانبها، تدرك أنقرة على الرغم من شراكتها مع موسكو في سوريا إلا أنه في حال تقدم روسيا داخل المنطقة المتنازع عليها، سيحدث اختلال جيوسياسي لمصلحة روسيا، ولذلك سعت أنقرة إلى زيادة عدد قواتها ومعداتها العسكرية مؤخرًا، وأشارت المصادر إلى أن "عدد النقاط العسكرية التركية المستحدثة منذ بداية حزيران/يونيو الماضي، وصل إلى عدة نقاط عسكرية، وبهذا بلغ العدد الكُلي للنقاط والقواعد العسكرية التركية في منطقة إدلب 67 نقطة". وتضم هذه القواعد والنقاط دبابات وعربات مدرعة ومدافع ميدانية ثقيلة ومنظومات مـضادة للطائرات من طراز "ATILGAN"، وذلك بعد نشر منظومات مضادة للطائرات متوسطة المدى من طراز MIM23-HAWK في معسكر المسطومة ومطار تفتناز وتل النبي أيوب.

كل ذلك للحؤول دون تقدم الروس في هذه المنطقة وإدراجها ضمن مناطق سيطرتها ونفوذها. ومما يلفت الانتباه في هذا السياق، ذلك التصعيد المتنامي للتوتر الذي شهدته المنطقة، وبالأخص بعد التطورات الليبية، والمرتبطة مع إدلب بوشائج كثيرة، في إطار التنافس الحاد بين الشريكين، ويمكن أن يؤدي خروج منطقة جنوب طريق "m4" عن سيطرة القوات التركية، دون اتخاذ موقف حاسم إزاء الأطماع الروسية إلى تكرار سيناريو شرق السكة فيما تبقى تحت نفوذ أنقرة في ريف إدلب الجنوبي، كما يشكِّل نفوذ وسيطرة روسيا على هذه المنطقة، تحديًا للدور التركي في إدلب، الذي يعد دعامة شديدة الحساسية لأمنها القومي، الاقتصادي والعسكري، وكل ذلك يشكِّل أسباباً لعلاقة متوترة بين أنقرة وموسكو، خاصة بعدما شهدته تلك العلاقة مؤخراً على خلفية الاصطفافات العسكرية والسياسية بين أطراف الصراع الليبي وكذلك (الآذري – الأرميني)، وهو ما يفرض تحديًا على أنقرة فقد تواجه صعوبة في الاستمرار على نهج الشراكة الراهنة مع روسيا التي تفتح فمها على اتساعه لابتلاع ما يمكن ابتلاعه من هذه المنطقة، كما يفرض عليها نهجًا جديدًا في التعامل مع أية تحولات إقليمية ودولية. في ظل تصاعد التنافس الإقليمي والدولي في المنطقة، وما يثار بشأن تضاؤل فرص تحقيق الانتقال السياسي في سوريا. 

خلافات ومقايضات

ظهرت الخلافات بين اللجان التقنية التركية والروسية في اجتماعات أنقرة التي عقدت في منتصف سبتمبر/ أيلول الماضي، والتي ناقشت القضايا الخلافية بين الطرفين في الملفين السوري والليبي.

يبدو أن الروس يعتبرون مقررات "اتفاق إدلب" في الخامس من مارس/آذار الماضي، هي المرجعية الأكثر فاعلية، والأسبق في التنفيذ من أي مسعى سياسي قدمته الأطراف الدولية في جنيف، أو في التفاهمات الثنائية بين واشنطن وموسكو لفرض السيطرة الروسية بالقوة المسلحة على البلاد كلها، ونسف جميع مبادرات السلام التي دعت إليها في "أستانا" و"سوتشي" بعد الالتفاف عليها طويلا، وفق استراتيجية من يجيد تقدير الموقف من الحسم العسكري تقديرا دقيقا، لذلك فإن الخروج عن القرارات التي التزم بها بوتين مع الرئيس التركي في "موسكو" إشارة واضحة إلى الابتزاز السياسي الذي يجيده الروس، وفق استراتيجية الهيمنة المطلقة على سوريا بصرف النظر عن تشدقهم بمحاربة "الإرهاب".

فيما تتمسك تركيا بالعودة إلى اتفاق "سوتشي" عام 2018، والذي ينص على انسحاب قوات نظام الأسد من المناطق التي احتلتها بالقوة العسكرية بعد توقيع الاتفاق، وتشمل المنطقة الممتدة من بلدة "مورك" شمال حماة، حتى منطقة سراقب شرق إدلب، في حين أن روسيا طالبت الجانب التركي بالحفاظ على الأمر الواقع والدخول في نقاشات حول مستقبل المنطقة الواقعة تحت نفوذ فصائل المعارضة.

ومع احتدام الخلاف وتمسك تركيا بمرجعية "سوتشي"، طالبت موسكو بخفض حجم القوات التركية التي دخلت بقرار تركي دون توافق بين الجانبين، لتعود أنقرة تطالب موسكو بتنفيذ التزاماتها بإبعاد "التنظيمات الإرهابية" (ب ي د) عن حدودها في منطقتي (منبج وتل رفعت)، واعترضت أنقرة كذلك على فتح الطريقين الدوليين حلب -اللاذقية "M4" وحلب -دمشق "M5"، إلا في حال التوصل إلى صيغة تفاهم شامل بمرجعية "سوتشي".

فيما سربت بعض وسائل الإعلام عن صفقة تركية روسية تتضمن سحب النقاط العسكرية التركية من المناطق الواقعة تحت نفوذ روسيا في كل من (مورك وشير مغار والصرمان) مقابل حصول المعارضة المدعومة من تركيا على مدينة تل رفعت وقراها التسع. وأكدت مصادر محلية معارضة لـ"بلدي نيوز" أن أنقرة ستسحب نقاطها العسكرية المذكورة أعلاه، بالتدريج إلى قواعدها المستحدثة في جبل الزاوية.

وأفادت بأن النقاط المذكورة ستتركز في كل من "كنصفرة" و"قوقفين" في ريف إدلب الجنوبي، وقرية "العنكاوي" في سهل الغاب بريف حماة الغربي. فيما لا يعرف مصير تمركز نقطتي معر حطاط وسراقب.

خاتمة

ستتضاءل فرص أنقرة في استمرار نفوذها على محافظة إدلب ومحيطها المحرر، إن لم تواجه الابتزاز السياسي الذي يجيده الروس، وفق استراتيجية الهيمنة التدريجية على منطقة جنوب خط الـ "m4" حيث أثارت مسألة سحب النقاط العسكرية التركية المحاصرة جدلاً واسعاً بين أوساط النازحين، بما يتعلق بعودتهم إلى مدنهم وقراهم التي خرجوا منها، بعدما انتشروا بكثافة واسعة شمالي إدلب وسط ظروف صعبة، في ظل نقص المساعدات وفرص العمل. ومع ذلك تسعى كل من موسكو وأنقرة للتمسك بتنفيذ "اتفاق موسكو الهش" وتمكين كل منهما "حلفاءه المحليين" القدر الأكبر من النفوذ، عند الحدود الراهنة في منطقة خفض التصعيد، وذلك مقابل استدامة وقف إطلاق النار في إدلب ومحيطها، وفق ذلك الاتفاق الذي لا يمثل سوى الحد الأدنى لطموح موسكو وأنقرة، في ظل الظروف الإقليمية والدولية المتعلقة بالتقاسم المبكر لمكاسب الحرب.

مقالات ذات صلة

ما المواقع التي استهدفتها الغارات الإسرائيلية في حلب؟

بخصوص الركبان.. رسالة من الائتلاف الوطني إلى الأمم المتحدة

شركة“روساتوم آر دي إس” (Rusatom RDS) الروسية ستبدأ توريد معدات غسيل الكلى إلى سوريا

"التحقيق الدولية": سوريا مسرح لحروب متداخلة بالوكالة

الإعلام العبري يكشف هوي منفذالغارات على دير الزور

ما الأسباب.. شركات دولية ترفض التعامل مع معامل الأدوية السورية