بلدي نيوز – خاص
هنالك الكثير من المراقبين، الذين يترددون في وصف طبيعة الصراعات التي نشهدها اليوم في منطقة الشرق الأوسط، بكونه يؤجّج المنطقة بأكملها دون أن ينأى بأي دولة قريبة منها لتكون خارج إطار هذه الصراعات. لقد ازدادت في السنوات الأخيرة حدة التدخل الإيراني المباشر في المنطقة ملقية بتهديداتها المطلقة على كل بلدان المنطقة العربية، وخاصة على دول الخليج العربي. إن التدخلات الإيرانية في كل من اليمن، العراق، لبنان وسوريا .. تلك الدولة العربية التي كان التدخل الإيراني بشقيه السياسي والعسكري تدخلاً صريحاً واضحاً. وهو ما لم نكن نراه مطلقاً منذ عدة سنوات، في ظل حكم الرئيس العراقي السابق صدام حسين والذي كان قد ضاءل إلى حد كبير من ذراع اليد الإيرانية في منطقة الشرق الأوسط وخاصة في البلاد العربية. يعزو البعض ذلك التدخل بكونه مبنيّاً على صفقات سياسية أو معاهدات معينة، في حين أن البعض يقوم بوصف ذلك التدخل بكونه مبنياً على تحالفات إقليمية هامة، مستشهداً بالتدخل الروسي في سوريا. أو ضماناً لمصالح مختلفة، في حين يذهب البعض للقول بأن التدخل ذلك مبني على عقائد دينية وفكرية معبأة باتجاه طائفة معينة، مما يجعل من الصراع صراعاً مذهبياً بحتاً.
إن الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، يذهب للقول في إحدى خطاباته في 13 تشرين الثاني من عام 2014 بأن: "ما يجري في المنطقة، هو صراع سياسي بامتياز، إن الصراع لم يكن مذهبياً على الإطلاق، ليس أبداً بصراع سنيّ-شيعيّ." في حين يضيف بأن "أسوأ ما حصل ولا يزال يحصل، هو اللجوء إلى الخطاب المذهبي." كما أضاف متسائلاً "لماذا يقومون بجعل الصراع في سوريا صراعاً مذهبياً؟ إنه ليس بصراع مذهبي على الإطلاق".
يتوجه بقوله هذا واصفاً أدوات الصراع بالأدوات "السياسية" بلغتها وشعاراتها الواضحة. إن خطاباً كهذا كان ليُصدّق لولا المقاطع الكثيرة المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي وهي تُظهرُ جنوداً من حزبه وهم يحملون لافتات تملؤها عبارات "يا حسين" يقومون برفعها على مآذن في مدينة حمص إثر الاستيلاء عليها. بالإضافة إلى مقاطع كثيرة أخرى لجنود "حزب الله".
إن المحور "السياسي" المتشكل على أسس معينة، ما بين إيران والنظام السوري والعراق حالياً وحزب الله في لبنان-الذراع العسكرية والسياسية الإيرانية في دولة لبنان، والحوثيين في اليمن، يعكس الأسس التي كانت قد تشكلت عليها تلك التحالفات، وأسبابها.
يظهر مقطع مصور مؤخراً لعدد من الجنود العراقيين الحكوميين في حين يتكلّم قائد تلك المجموعة عن ما يجري في العراق حالياً صارخاً ببعض جنوده الواقفين أمام حشد من المدنيين "هم برجالهم ونحن برجالنا، يحملون أسلحتهم ونحمل أسلحتنا. دعونا من الطيران والمدفعية والأسلحة، لا تنفعنا بشيء.. لديهم "يزيد" ولدينا "علي بن أبي طالب". من الممكن القول بأن أولئك ليسوا سوى جنود يحتاجون لمثل تلك التعبئة والتجييش بشكل أو بآخر كدعاية عسكرية كما يفعل الكثيرون من جنود النظام السوري وجنود حزب الله.
ولكن وحينما يخرج نوري المالكي، نائب رئيس الجمهورية العراقية السابق، ورئيس وزرائها السابق، لجمهورية تبلغ من المساحة ٤٣٧٬٠٧٢ كم²، ينتشر فيها شعب متعدد الانتماءات والطوائف، والذي يفترض بأن نوري المالكي وغيره من السياسيين هم من يقومون بتمثيل كل مكونات هذا الشعب وشرائحه، ليقول بأن "الذين قتلوا الحسين لم ينتهوا بعد، فهم موجودون اليوم، والحسين بلون آخر لا يزال موجوداً. وهو المستهدف من قبل الطرف الآخر. إذاً فإن أنصار يزيد وأنصار الحسين ولمرة أخرى وعلى طول الخط يصطدمان في مواجهة شرسة عنيفة." ذلك الرجل السياسي نفسه الذي كان قد حكم العراق لفترة ما بين 2006-2015 والذي قام بإنشاء تحالفات قوية مع إيران ونظام الأسد.
في حين يصدح من لبنان صوت حسن نصر الله مرة أخرى في خطاب له في عاشوراء من عام 2015 وهو يقول بأن "هناك الآلاف من جنودنا قد تم قتلهم أو جرحهم أو أسرهم، إنه استخدام لحادثة "منى" في الصراع السياسي مع السعودية. أيمنع علينا أن نتكلم أو نشكو أو نبكي؟ يحدث بنا الآن مثلما كان قد حدث في كربلاء"!!!
إن استدعاء حادثة "كربلاء" في سياق خطاب سياسي، هو أشد أنواع الصراع مذهبية، إنه تجييش وتعبئة مذهبيّة كاملة، تجتر أفكار الجمهور نحو مظلوميته في كربلاء ضد عدو واحد. إن خطاباً كهذا وبكل قراءاته يبتعد كلياً عن السياسة ومفاهيمها في الصراع محولاً إياها نحو نقطة واحدة "تعبئة طائفية بامتياز"
في حين قامت حليفته إيران بهدم المسجد "السني الوحيد" في العاصمة الإيرانية طهران، في منطقة "بانك". بينما قام موقع "فرهنك نيوز" والذي يعود لحزب المحافظين الإيرانيين بنشر مقال له بعنوان "شعب سوريا حفيد بني أميّة والحرب عليه تهيّئ لظهور المهدي." ، جاء في هذا التقرير حرفياً بأن "الشعب السوري هم أحفاد وسلالة بني أمية، إن الحرب ضد بني أمية أعداء الشيعة الأزليون، سوف تمهد لمرحلة ظهور المهدي والذي سينقذ كل الشيعة من حرب بني أمية ومن السفياني الذين يقود هذه الحرب ضدنا." في حين أضاف الموقع بأن "السفياني لديه صفات خاصة، ونسبه يرجع إلى بني أمية، ويخرج من منطقة حدودية سورية قريبة من الأردن، ويبدأ بالثورة هناك ضد الشيعة محتلاً عدة مناطق حتى يصل إلى العراق."
في حين وحسب موقع فرهنك نيوز كانت قد أشارت عدة مراجع دينية شيعية في إيران بأن انطلاق الانتفاضة السورية من محافظة درعا تعتبر من أهم علامات ظهور السفياني الأموي لإبادة الشيعة في المنطقة. ومن هذا الباب بررت العديد من المراجع الشيعية التطوع للمشاركة في القتال ضد الثورة السورية.
في 6 شباط من عام 2016 نقلت وكالة "مهر" الإيرانية للأنباء عن قائد الحرس الثوري الإيراني اللواء محمد علي جعفري قوله بأن "الوحدات القتالية المختلفة والتابعة للحرس الثوري، تتنافس فيما بينها للقتال في سوريا. لأن "جهاد الشهداء" المدافعين عن الحرم يمهد الطريق لظهور الإمام المهدي".
تلك هي الإيديولوجية المذهبية الكاملة لرؤوس محور "الممانعة".
في حين أن المواقع الإخبارية التابعة لسلطات وحكومات محور "الممانعة" تصدق على هذا التجييش، بمقالاتهم واستحضارهم لقصص مضت من التاريخ الإسلامي، ناهيك عن مئات التصريحات المختلفة لمسؤولين أصغر في نفس تلك المحاور، ومحللين بالإضافة للشعارات المرفوعة من قبل الجنود والمقاتلين عدا عن آلاف المقاطع التي نشاهدها يومياً لكل من المقاتلين السوريين واللبنانيين والعراقيين وهم يقومون بأسلوب الخطابة المذهبية، عدا الأناشيد ذات التعبئة الطائفية والعديد من التبريرات بل والتشجيع للمراجع الشيعية الكبرى التي تحضّ على الجهاد في سوريا. إن تلك الخطابات المتكررة بكل أدواتها الإعلامية ليست سوى تجييش مذهبي، يصادق عليه إرسال مرتزقة عراقيين منذ الشهور الأولى من الثورة السورية "لحماية مراقد الشيعة" وتحطيم ضريح ابن الوليد في سوريا. وتدمير أحياء حمص عن بكرة أبيها تلك الأحياء التي تحتوي ثاني أكبر مقبرة للصحابة ما بعد مقبرة الضريح في السعودية. وليس مقطع الفيديو الذي شاهده أغلبنا وهو يظهر مجموعة من الشيعة في مسجد بحضور ملتحين مُعَمّمِين، بلباس دينيّ وهم يقومون "بلطم" أنفسهم منشدين "شبّت النار بحلب، واحنا سوينا العجب.. فجر المهدي اقترب"، وهم فخورين بفعلهم بالمجازر الدموية بحق المدنيين العزّل في مدينة حلب مؤخراً.
إن محور الجريمة المنظمة "الممانعة" يقوم وبشدة باستخدام حملة متكاملة من التجييش المذهبي والتفرقة الطائفية بشكل كبير. مُحمّلاً بتلك الإيديولوجية لكل عنصر من عناصره، حتى وإن كان على آخر نقطة من آخر موقع قتالي في كل من سوريا أو لبنان أو إيران أو العراق أو اليمن. لا يمكن وصف هذا الحال بكونه محض صدفة. إنه تكامل كامل وشامل لكل مفصل في ذلك المحور بأن المعركة بنظره واقتناعه ورؤيته ليست سوى معركة مذهبية وطائفية.
إن من لا يعتقد بأن الطرف الآخر ينظر للمسألة برمتها بكونها صراعاً مذهبياً طائفياً هو خاطئ كلياً في حين يثبت كل ما يجري ذلك.
في النهاية أود التشديد على ملاحظة هامة، في المذهب السني هنالك وجود للخطاب المذهبي المتعصب الذي أستطيع وصفه بكونه أكثر تشدداً وتعبئة وبأنه يحمل الكثير من النظرة السوداوية الأكثر صدأً حتى من الخطاب المذهبي الشيعيّ. لكن الفرق الأهم والذي يتوجب الإشارة إليه هو أن الخطاب المذهبي هو الخطاب الأساسي والمركزي للجهة التي تقود المجتمع الشيعي، في حين يتم دعمه سياسياً وعسكرياً وتبنيه. حيث يأخذ مكاناً بمتن المجتمع وصلبه. في حين أن الخطاب المذهبي السني الصدئ هو خطاب "الهامش" فقط، لا تتبناه أي جهة، هو محض رأي لبضعة أشخاص متشددين. لا يدعمه أي أحد ولا يتم الالتفات إليه. وليس بخطاب أي جهة تقود المجتمع.
أي أن "وحوش" الخطاب المذهبي هم قادة المجتمع الشيعي، في كل من العراق ولبنان وإيران والحكومة السورية ... بينما "وحوش" الخطاب المذهبي السني.. ليسوا سوى بضع أصوات على الهامش لا يتبعهم أحد ولا تتبناهم أي جهة كانت، ولا يقودون أي شيء.
هذا فرق هام جداً.. وليس بفرق بسيط مطلقاً .. تتوجب الإشارة إليه.