مصور سوري عمل للجميع من "الأسد" حتى "داعش" إليك قصته - It's Over 9000!

مصور سوري عمل للجميع من "الأسد" حتى "داعش" إليك قصته

بلدي نيوز

وثّق المصوّر السوري عبود حمام لسنوات عديدة الحرب الجارية في سوريا، عبر صور نشرتها وسائل الإعلام العالمية، دون أن يكشف عن اسمه الحقيقي.

وكان "حمام" تحول من مهنته الأولى كمصور شخصي لرأس النظام بشّار الأسد وزوجته أسماء إلى أن يكون مسجلا لمواكب النصر التي أقامها تنظيم "داعش" في مسقط رأسه، مدينة الرقة.

لا يتجاوز عمر عبود الـ 45، ولكنه يعيش حياته على كف عفريت، فهو يعيش في خوف دائم، ويعرض نفسه للمخاطر من أجل نقل حقيقة ما يحصل في سوريا إلى العالم الخارجي.

وقد يكون عبود المصور الصحفي السوري الوحيد، الذي عمل لكل القوى الرئيسية المتصارعة في بلاده، من حكومة الأسد إلى الجيش السوري الحر المعارض إلى جبهة النصرة وتنظيم "داعش" إلى قوات سوريا الديمقراطية التي يهيمن عليها الأكراد.

ويقول في هذا الصدد إن "صورة واحدة قد تقضي عليك، ولكن صورة أخرى قد تنقذ حياتك".

وكان "حمام" يخشى من أن الصور التي التقطها سرا لهجمات شنها معارضون في العاصمة السورية دمشق، في الأيام الأولى "للانتفاضة السورية" قد تؤدي إلى موته على أيدي مخابرات النظام، إذا توصلت إلى ما كان يفعله.

ففي تلك المرحلة كانت حكومة النظام، تسعى إلى إخفاء القوة العسكرية المتصاعدة للثوار ضده. لكن في وقت لاحق، قد تكون خبراته التصويرية ساعدته في النجاة من الموت عندما احتاج إليه تنظيم "داعش" لتوثيق الاستعراض العسكري الذي نظمه للاحتفال بـ استيلائه على مدينة الرقة، مسقط رأسه.

تبدأ قصة عبود المثيرة وسط حقول الحنطة التي تحيط بالرقة - موضوع كثير من الصور التي التقطها - والتي كان يعمل فيها والده فلاحا.

ويقول "المجتمع الذي نشأت فيه، وبضمنه والداي، لم يكن لديه كثير من الاحترام للصحفيين أو المصورين. فقد كان والداي يفضلان أن أدخل مجالات المحاماة أو التعليم. كانوا ينظرون إلى مهنة التصوير على أنها مهنة تافهة".

ولكن "حمام" تعلّق بمهنة التصوير عندما أهداه شقيقه أول جهاز تصوير يمتلكه، وكان جهاز تصوير زينيت روسي الصنع.

وتخرج من معهد التصوير في دمشق، وانتهى به الأمر قبيل اندلاع الثورة السورية في عام 2011 مديرا لقسم التصوير في وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا).

وكان من ضمن واجباته توثيق فعاليات الرئيس بشّار الأسد وزوجته أسماء.

يقول حمام، إنه رغم الانطباع الذي كان الزوجان يرغبان في نشره بأنهما قريبان من المواطنين العاديين، لم يتكلم أي منهما معه في كل الوقت الذي عمل معهما مصورا.

ويقول "كان مسؤولون عسكريون وامنيون يصطحبوننا دائما في المهمات الرسمية. كنت أكره ذلك، لأننا كنا مضطرون أن نتعامل معهم باحترام، وهذا لا يتوافق مع شخصيتي".

 عندما تحولت المظاهرات التي اندلعت في عام 2011 إلى حركات مسلحة، اضطر عبود إلى سلوك حياة ثنائية مخيفة.

ففي أوقات النهار، كان يساعد في تلميع صورة النظام الحاكم من خلال الصور التي يلتقطها. ولكن في أوقات الليل وفي الفجر، كان يصور سرا الهجمات التي كان يقوم بها الجيش السوري الحر المعارض في دمشق.

وكان يرسل الصور التي يلتقطها إلى وكالات الأنباء الدولية تحت اسم "نور فرات"، ويقول إن وكالات الأنباء التي نشرت صوره لا تعرف إلى اليوم اسمه الحقيقي.

وفي عام 2013، وبعد أن أصبحت الرقة أولى مراكز المحافظات السورية التي تحت سيطرة أيدي المعارضة المسلحة، هرب عبود من دمشق وعاد إلى مسقط رأسه.

ولكن الحياة في الرقة كمصور صحفي لم تقل خطورة عن الحياة في دمشق.

فقد كان "حمام" يخشى من أن الفصائل المتناحرة قد تشك بأنه متسلل تابع للنظام.

وفي منتصف عام 2014، أصبح وضعه أكثر خطورة، ويقول "كنت أشاهد سيارات ودراجات نارية وهي تجوب الشوارع رافعة أعلام سوداء. وقال لي أحدهم "هذه هي الخلافة الإسلامية الجديدة". لم أفهم ما يقصده. ما هي هذه الخلافة؟"

فر معظم الصحفيين عندما استولى تنظيم "داعش" على مقاليد الأمور، وكان عبود - باعتباره من المستخدمين السابقين لآل الأسد - في خطر أكبر من غيره، ولكنه آثر البقاء ومواصلة عمله.

وأظهرت صور اكتشفت لاحقا في هاتف يعود لأحد مقاتلي تنظيم "داعش" القتلى عبود، وهو يرتدي قبعته المميزة و "جلبابه" وهو يلتقط الصور عند تقاطع للطرق.

ولكن عبود تسلم لاحقا عرضا لا يُمكن له أن يرفضه. فقد طلب منه تنظيم "داعش" أن يصور الاستعراض العسكري الذي كان ينوي إقامته للاحتفال بنصره في الرقة، والذي كان يشتمل على استعراض الأسلحة التي غنمها التنظيم وهي موشحة بالسواد.

واستخدمت الصورة التي التقطها في شريط دعائي نشره التنظيم وأرسل إلى العديد من الوكالات الصحفية العالمية. وتبعت ذلك العديد من الصور والأشرطة التي تتحدث عن الحياة في "دولة الخلافة"، ولكن "حمام" يقول إنه كان يتجنب تصوير مشاهد الإعدامات بل كان يؤثر البقاء في البيت أثناء إجرائها.

ويقول "لم أقسم بالولاء لتنظيم الدولة، ولم أضطر إلى ذلك. فقد التزمت إستراتيجية تقول إن عليّ البقاء مستقلا في كل الأوقات".

ويشير إلى إنه تمكن من الفرار من الأسر بفضل العلاقات القوية التي كان يتمتع بها مع شيوخ العشائر في الرقة الذين انضموا لاحقا إلى تنظيم "داعش"، ولكن في عام 2015، أخبره اثنان من عناصر التنظيم دقوا على باب مسكنه بأنه سيكون في خطر كبير إذا واصل العمل.

ولذا قرر في وقت لاحق من ذلك العام مغادرة الرقة، وتصوير ما يجري في مناطق أخرى من شمالي سوريا.

ولم يعد إلى الرقة إلا في أواخر 2017، بعد أن نجحت الحملات الجوية الأمريكية في تحرير المدينة من عناصر تنظيم "داعش" بعد أن حولتها إلى ركام.

يقول عبود "في اليوم الأول التزمت الصمت، فلم يكن لي ما أقوله. ولكن في اليوم الثاني، وعندما خرجت وبدأت بالتقاط الصور، أجهشت بالبكاء. كنت أجوب الشوارع باكيا طيلة الوقت".

لأشهر عديدة بعد ذلك، كان عبود يجوب خرائب الرقة دون هدف معين مصطحبا كاميرته. ويقول إنه أصبح حاميا للمدينة وعارفا بكل شوارعها المحطمة وكل أسرها المدمرة.

تقول الأمم المتحدة إن 80 في المئة من المدينة كانت غير صالحة للسكن، وإن 90 في المئة من سكانها قد نزحوا عنها.

قرر أخيرا الخروج من الظل وعرض صوره باسمه الحقيقي من على صفحة في فيسبوك أطلق عليها اسم (Abood without Barriers) أي "عبود بلا حدود"، وكانت رسالته تشجيع أهل الرقة على العودة إلى مدينتهم.

ويقول "كانت أشبه بصرخة في وجه كل المساوئ التي ارتكبت بحق مدينتي. كان هدفي الوحيد هو القول لأهالي الرقة الذين هجروها إن عليهم النظر لمدينتهم بطريقة مختلفة. أعرف أن اللون الرمادي كان اللون الطاغي على مدينتكم، ولكن تذكروا كيف تبدو الرقة بألوان أخرى. أحبوا الرقة من جديد وفكروا بالعودة إليها. وإذا تأملتم في الصور التي التقطتها، سترون دائما - وحتى في أكثر الصور إيلاما - أشياء مفرحة ذات ألوان تمثل عناصر الحياة".

 أما الصورة التي يفخر بها أكثر من غيرها، فهي تلك التي تظهر بنتا ترتدي بدلة براقة اللون وهي تبتسم وتحمل بيديها طبقا من الخوخ.

هي ابنة رجل غادر إلى السعودية وعاد إلى الرقة لاحقا وتبرع لترميم مدرسة في المدينة بعد أن اطلع على الصور التي نشرها عبود في الإنترنت.

ولكن "حمام" نفسه ترك مدينته التي يعشقها، رغم تعهده بالبقاء فيها، فقد أجبره حسه الصحفي على التوجه لتغطية القتال الدائر في المناطق التي تسيطر عليها تركيا شمالي سوريا.

ويخشى العودة إلى الرقة مخافة أن يعتبره المسيطرون عليها الآن - قوات سوريا الديمقراطية التي يهيمن عليها الأكراد - مندسا تركيا.

تمكن عبود من النجاة من أعتى القوى وأشدها بطشا، ولكنه الآن يشعر بأن الجهة التي حررت الرقة من المتطرفين - بمساعدة القوات الغربية - هي التي لا يستطيع المخاطرة بالعمل معها.

وهذا تذكير بأن الخوف في سوريا ليس له نهاية بالنسبة للذين اختاروا مهنة الصحافة.


المصدر: بي بي سي عربي

مقالات ذات صلة

فيدان: لا نتهرب من لقاء الأسد لكن يجب عليه مراجعة نفسه أولا

قسد تعتدي على نشطاء خلال إحياء ذكرى الثورة السورية بمدينة الرقة

"السورية لحقوق الإنسان" تصدر حصيلة بأعداد الشهداء خلال سنوات الثورة

بيان مشترك لأبناء درعا والسويداء قبيل عيد الثورة

سفير النظام يلتقي مسؤولا سعوديا في الرياض

إيران تعلق على الغارات الإسرائيلية التي استهدفت دمشق