كيف تغيرت أوروبا تماماً بعد أزمة اللاجئين؟ - It's Over 9000!

كيف تغيرت أوروبا تماماً بعد أزمة اللاجئين؟

Travel leisure  - (ترجمة بلدي نيوز) 
خلال شتاء 2014، كنت أعمل على مشروع لوكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة ومفوضية شؤون اللاجئين، بشأن الأزمة السورية، لقد كان تقريري بسيطاً ولكن مفجعاً بنفس الوقت: كنت أركّز على قصص النساء السوريات اللاجئات، اللوات فقدن أزواجهن، كانت هؤلاء النساء بمفردهن، مع أطفالهن في بلاد جديدة، بلا مأوى، مع عدد قليل جداً من الممتلكات أو الموارد، لقد كان لديهم صعوبة كبيرة في تسجيل أطفالهم في المدارس ليتلقّوا تعليمهم، أو حتى أخذهم إلى الطبيب، وقبل كل شيء، كانوا يناضلون من أجل إيجاد هويّة جديدة لشقّ طريقهم نحو الأمام.
قمنا أنا وفريقي بإجراء مقابلات مع أكثر من مائة امرأة سوريّة في كل من لبنان، والأردن، ومصر، وبعد ذلك عملتُ بمفردي مع اللّاجئين في تركيا والعراق ومع النازحين داخل سوريا، وكنت دائماً ألقي بالأسئلة ذاتها عليهم، وعادة ما كنت أحصل على ذات الأجوبة، في أي وقت قررتم ترك منازلكم؟ ماذا أخذتم معكم؟ هل تعتقدون بأنكم ستعودون إلى وطنكم؟ إن كان ذلك، فمتى؟
كل منهم تقريباً كان قد أخذ معه الشيء نفسه، مفاتيح منازلهم التي تركوها، في كثير من الأحيان، قاموا بفعل ذلك في حين كانت أبواب منازلهم الأمامية لا تزال مفتوحة، جوازات سفرهم والوثائق الهامة، وعدد قليل من الصور، عادة ما كانت صور زفافهم، حيث أن تلك الصور تؤكّد بأنهم لم ينسوا أبداً من كانوا، ولن يفقدوا هويتهم الحقيقية، بوصولهم إلى مكان لم يريدوا حقاً التواجد فيه.
كصحفي، كنت قد تحدثت مع اللاجئين من جميع أنحاء العالم ولأكثر من عشرين عاماً، بدءاً من فلسطين، ومنطقة البلقان، أفريقيا وتيمور الشرقية، أفغانستان والعراق والآن سوريا، في كل هذا الوقت، وأنا لا أعتقد بأن أياً من أولئك اللاجئين، الذين قابلتهم في حياتي، كانوا راضين عن مغادرة أوطانهم أبداً- لقد كانوا كلهم يريدون الشيء نفسه: العودة بسلام إلى ديارهم.
لقد أخبرتني أيضاً تلك السيدات اللوات قابلتهن عن أسرار بقائهم وصمودهم، كانت العديد منهن سيدات بسيطات، مزارعات فقيرات، كيف قمن بدفع ثمن تذاكر الحافلات التي أخذتهم بعيداً عن وطنهم الحبيب؟ لا زالت إجاباتهم تلك تجول في خاطري، لقد باعوا ذهب زفافهم، الأقراط أو الأساور أو أي قلادات كانوا قد تلقوها كمهر أو هدايا من أزواجهن، لدفع ثمن الغذاء والدواء أو ليقضوا ليلة في مكان ما يؤويهم وأطفالهم.
لقد أرغم ذلك أكثر من مليون مهاجر سوري على مغادرة البلاد متجهين نحو أوروبا منذ عام 2015، معظمهم عبر تركيا وألبانيا، لم يوقفهم برد الشتاء القارس، ولا تلك الصور المروعة للطفل السوري الغارق الذي جرفته الأمواج إلى الساحل التركي، إذ كان أكثر من 83،000 شخص قد شقوا رحلتهم عن طريق البحر في هذا العام فقط.
هناك شيء واضح وحيد: إن أوروبا الآن، مكان مختلف.. وتحت دفّة قيادة أنجيلا ميركل، والتي كانت سلطتها أخلاقية بحقّ، فقد قبلت ألمانيا أكثر من 476،000 طالب لجوء، على الرغم من أن تقديرات الوافدين الجدد الذين يصلون إلى البلاد هي أقرب إلى مليون، كل من هنغاريا، السويد، النمسا (كانوا قد غطوا حصصهم من اللاجئين) وإلى حد أقل كل من المملكة المتحدة، فرنسا، إيطاليا، وبلجيكا، الذين قد استقبلوا أعداداً معيّنة من اللاجئين.
أعيش في باريس وأقوم بالسفر كثيراً في جميع أنحاء القارة عن طريق السكك الحديدية والطائرات. ولم ألحظ مطلقاً أي تغيرات يومية معتادة، فقد لاحظت فقط بأن هناك تغيراً سياسياً شاملاً واحد، هناك أزمة وجودية تواجهها أوروبا، والتي تبحث بعمق عن هويتها الخاصة، متسائلة كم من الممكن لحدودها أن تصمد.
كنتيجة لذلك، دخلت أصداء الحرب العالمية الثانية في الخطاب الجماهيري، والتي قامت الأحزاب اليمينية في استخدامها بالتلاعب بمحنة اللاجئين اليائسة، في محاولة من تلك الأحزاب للحصول على المزيد من الأصوات، إن هذا بالنسبة لي هو التغيير الأكثر وضوحاً والذي أستطيع اعتباره تغيراً صادماً!
فقد صرّح رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان بأن اللاجئين ليسوا بموضع ترحيب في بلاده، وذلك بسبب خلفياتهم الدينية والثقافية، بل ذهب به حد القول ليصرّح بأن "أفضل المهاجرين هو المهاجرُ الذي لا يأتي".
يبدو بأن السيد فيكتور أوربان قد نسي بأن الحرب العالمية الثانية كانت قتالاً وكفاحاً ضد هذه الأيديولوجية الفاشية، كما صرّحت الجبهة الوطنية للحزب الفرنسي اليميني المتطرف بقيادة مارين لوبان بأن "جميع الإرهابيين هم أساساً من المهاجرين"، أما في بريطانيا، فإن حزب الاستقلال، المضاد لأوروبا والمناهض للهجرة، يزداد قوة بينما تواجه البلاد قرارها الخاص حول ما إذا كانت تريد أو لا تريد مغادرة الاتحاد الأوروبي، في حين أن الصحافة البريطانية كانت قد ألهبت الوضع من خلال الإشارة إلى "أزمة المهاجرين".
إنها لأزمة سياسية واقتصادية، ولكنها ليست بتلك التي أثرت على التنقلات بين القارة، عدا أنك تحتاج لتقديم بطاقتك الشخصية في كثير من الأحيان، وخطوط جوازات السفر في المطارات تتحرك ببطء أكثر، فعندما يأتي المسافرون إلى هنا، لن يقوموا باستخدام الطرق التي يسلكها اللاجئون، ما لم يكونوا متجهين إلى مخيم الأدغال سيئ السمعة في كاليه، محطات القطار ليست أكثر ازدحاماً من المعتاد. قطارات Eurostar بين باريس ولندن لا زالت على حالها، في محطة بودابست المركزية، مصدر العديد من الصور المزعجة قبل بضعة أشهر، تعمل قطاراتها بشكل سلس (على الرغم من أنك قد تصادف-إذا كنت تبحث عن ذلك، أو تسأل عن ذلك، بعض الآراء اليمينية السيئة).
اليونان، بالطبع، هي قصة مختلفة، هناك حيث يعيش اللاجئون في خيام على جزر كوس و ليسبوس (جنبا إلى جنب مع الكثير من العاملين في المجال الإنساني من الشباب الذين وصلوا بجموع هائلة)، في حين لا يزال هناك العديد من القادمين.
واقع الحال في كثير من دول أوروبا هو أن المسافر قد لا يرى حتى أي لاجئ، وهو في حد ذاته يدل على الكثير، حتى أولئك منا والذين يعيشون هنا، في بعض الأحيان يشعرون ببعد كبير عن الأزمة الإنسانية، وقبل أسابيع قليلة، أنا وصديق لي في الحي الذي أعيش فيه كنا نقوم بجمع بعض الملابس الشتوية وألعاب الأطفال لتقديمهم للكنيسة، وبعد العديد من المكالمات الهاتفية ورسائل البريد الإلكتروني للعثور على المكان، تم إخبارنا بأننا لن نكون قادرين على الدخول بدون تصريح من أشخاص بيروقراطيين، في حين ذهبت صديقة لي من لندن مؤخراً إلى المجلس البلدي في مدينة هاكني، لوضع اسمها على قائمة المتطوعين الراغبين باستضافة عائلة لاجئة، حيث تمّ شكرها ولكن قيل لها بأن مساعدتها لم تكن بضرورية.
السؤال هو إلى أين يستطيع الذهاب هؤلاء اللاجئون؟ إذ أن هنالك 2.5 مليون منهم لا يزالون على الساحل التركي، وليست كل من اليونان وتركيا بالنسبة لهم في الوقت الراهن سوى ممرات للوصول إلى شمال أوروبا، ما الذي يمكن أن تفعله أوروبا لاستيعاب أولئك اللاجئين اقتصادياً؟ قد يكون الجواب هو بتمويل مخيماتهم بشكل لائق، هناك حيث يكونون الآن، بحيث لا يحتاجون للذهاب إلى أي مكان آخر من أجل البقاء.
إنني على أمل كبير بأن توقظ هذه الأزمة شعوراً عميقاً بالرحمة والإنسانية في شخص كل واحد منا، أو على الأقل يثير موجة من الامتنان والفرح بداخل أولئك الذين يملكون ثروة جيدة تمكنهم من السفر بفرح وسرور، لا كهؤلاء اللاجئين الذين يعيشون حياة مليئة بالبؤس والفقر واليأس.

مقالات ذات صلة

تعيين مرهف أبو قصرة وزيرا للدفاع في الحكومة السورية الجديدة

"التعاون الخليجي" يدعم وحدة واستقرار سوريا

أمريكا تطالب لبنان بالقبض على مدير مخابرات النظام السابق جميل الحسن

فلسطينيو سوريا يدعون للكشف عن مصير معتقليهم وضرورة المحاسبة

الاتحاد الأوروبي يعتمد نهجًا جديدًا بعد سقوط النظام في سوريا

وفد من التحالف يناقش مطالب الكرد في القامشلي شرق سوريا

//