بلدي نيوز - (تركي المصطفى)
تقرر معركة إدلب سواء تقلصت عند حدودها الراهنة أو تمددت؛ مصير الأطراف الدولية والإقليمية والمحلية المنخرطة في الصراع السوري، لما تمثله من أهمية عسكرية واستراتيجية، فـ"المنتصر" في هذه المعركة سوف يعيد ترتيب المشهد في الشمال السوري، ليس على مستوى "النظام والمعارضة" فحسب بل على مستوى روسيا وتركيا وإيران.
فمنذ أوائل مارس/أذار 2020، بعد اتفاق "موسكو" الذي وقعه الرئيسان بوتين وأردوغان تشهد منطقة إدلب وبالأخص الأجزاء الجنوبية منها، معارك متواصلة دون إحراز تقدم لأي طرف من الأطراف المتقاتلة، حيث تبدو هذه المعارك التي تدور منذ أشهر على الحواف الجنوبية والشرقية لجبل الزاوية من بينين شرقا إلى السفوح الغربية المطلة على سهل الغاب غربا، عبارة عن "استنزاف" فالمواجهات تبدو في هذه المنطقة محاولة للاقتراب من طريق "إم 4"، حيث يمثل "جبل الزاوية" خطاً دفاعياً ضد عملية التفاف ميليشيات الأسد بهدف تطويقه، نتيجة تعذر اقتحامه من محور التقدم الداخلي (كفر نبل- البارة).
وكانت التحضيرات العسكرية لمجمل الأطراف، قد كشفت خلال الأشهر الماضية التي أعقبت اتفاق موسكو، أن ميليشيات الأسد تُعِد لمعركة كبيرة تستكمل بها السيطرة على جبل الزاوية، وأن فصائل المعارضة تعد للدفاع عنها، إلى جانب ما تثيره التصريحات السياسية الروسية من تعقيد للأوضاع.
وبالنظر إلى المناوشات العسكرية البطيئة لميليشيات الأسد، مقارنة بالمعارك التي شنتها بدعم جوي روسي و بري من ميليشيات إيران وبالأخص "حزب الله اللبناني"، بداية العام 2020م، حيث وصلت طلائع هذه الميليشيات، وفي بضعة أيام إلى النيرب؛ شرقي مدينة إدلب بحوالي 7 كم، و لولا تدخل الطيران المسير التركي وضربه أرتال ميليشيات الأسد المتقدمة على طول محاور الجبهة، لَسَيْطَرَت هذه الميليشيات على كامل طريق "إم 4"، وفيما يبدو أن فصائل المعارضة ومن ورائها تركيا، استفادت من دروس المعركة السابقة، وعَمِلت على تجاوزها، فقد كشفت الحشود العسكرية مؤخرا مدى ضخامة التحصينات الدفاعية، والتعزيزات البشرية، والمدرعات التركية الحديثة بالإضافة إلى الأسلحة الثقيلة المتنوعة، واستمرار الفصائل العسكرية المعارضة في تدريب وإعداد مقاتليها منذ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين روسيا وتركيا، في 5مارس/ آذار الماضي، وبحسب المتحدث باسم "الجبهة الوطنية للتحرير" المنضوية ضمن "الجيش الوطني"، النقيب ناجي مصطفى خرّجت الفصائل العسكرية عدة معسكرات تدريبية لعناصرها خلال الفترة الماضية، من باب الاستعداد ورفع الجاهزية وإعداد المقاتلين إعدادًا نوعيًا، ورفع كفاءتهم القتالية، وزيادة القدرة على التصدي لمحاولات تقدم قوات النظام. إضافة إلى تدريبهم على تكتيكات خاصة ونوعية لتفادي الضربات الجوية الروسية. وفي كل مرة يهدأ التصعيد العسكري، يتجدد الحديث عن تنفيذ اتفاق "موسكو"، بين المعارضة ونظام الأسد.
وفي السياق ذكر مراسل بلدي نيوز، "أن دورية روسية تركية، سيرتها قوات الطرفين في الأول من الشهر الجاري على الطريق الدولي "إم 4"، من مدينة سراقب وصولاً لبلدة الغسانية بريف جسر الشغور، وسط انتشار عسكري كبير للقوات التركية في المنطقة، وجاء توسع مسير الدوريات الروسية لأول مرة منذ الخامس من شهر مايو/ أيار الماضي، حيث سيرت القوات المشتركة التركية الروسية سبع دوريات مختصرة على الطريق الدولي "أم 4"، اقتصرت على المنطقة الواقعة بين بلدة النيرب ومدينة سراقب، بمسافة لا تتعدى 2 كم، قبل توسع نطاق الدوريات بشكل تدريجي لتصل أخيراً إلى الغسانية أي قبل النقطة الأخيرة في عين حور بمسافة كيلو مترات قليلة".
ويتزامن ذلك مع سعي تركيا لحل عقدة "الفصائل" بعد عزمها على دمج فصائل إدلب في كيان عسكري واحد، ويبدو أن موسكو قد منحت أنقرة وقتاً إضافياً لتطبيق "اتفاق موسكو" في إدلب.
وفي هذا الإطار، عقد اجتماع ثلاثي مشترك بين أطراف آستانا؛ بغية تنفيذ الاتفاق، يوم الأربعاء 1يوليو/تموز 2020، أكد فيه زعماء تركيا وروسيا وإيران، أن النزاع في سورية لا يمكن تسويته إلا بعملية سياسية يقودها السوريون، جاء ذلك في البيان الختامي للقمة الثلاثية التي عقدت عبر الفيديو حول الملف السوري، وضمت الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيريه الروسي فلاديمير بوتين، والإيراني حسن روحاني، وأعرب البيان المشترك عن التزام الدول الثلاث بوحدة واستقلال وسيادة الأراضي السورية، مؤكدا رفض ثلاثية أستانا لـ"أي محاولات لفرض وقائع جديدة على الأرض في سوريا تحت ذريعة محاربة الإرهاب، بما يشمل مبادرات غير قانونية بشأن إعلان الحكم الذاتي".
وأبدى الرؤساء عزمهم على "مواجهة المخططات الانفصالية التي تهدف إلى تقويض سيادة سوريا ووحدة أراضيها وتهدد الأمن القومي للدول المجاورة"، وشدد الزعماء على ضرورة إحلال التهدئة في إدلب من خلال تنفيذ الاتفاقيات المتعلقة بالمدينة.
من جانب آخر، يتواصل انهيار اقتصاد نظام الأسد بشكل متسارع نتيجة تفعيل "قانون قيصر" وما يتصل به من هبوط حاد بسعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار، وتفاقم الانقسامات داخل عائلة (الأسد- مخلوف)، وتصاعد الاحتجاجات العامة وبالأخص في السويداء، وعزل الأسد في 11يونيو/حزيران الماضي، رئيس حكومته عماد خميس، لتحميله مزيداً من المسؤولية عن الوضع المتدهور. وارتفاع نسبة اغتيال الضباط الأمنيين التابعين للأسد، وجلهم من الطائفة العلوية، علاوة على فضائح الاتجار بالمخدرات بالتعاون بين مافيا الأسد والمافيا الإيطالية، فضلاً عن توجيه روسيا انتقادات للأسد في وسائل إعلامها الرسمية، حيث تم وصفه بأنه ضعيف وفاسد ويفتقر إلى الدعم الشعبي. وبصرف النظر عن دوافع روسيا في هذا الشأن، فقد التقت في 15 حزيران/يونيو، بشخصيات من الطائفة العلوية مقيمة خارج سوريا في البعثة الروسية في الأمم المتحدة بجنيف في محاولة من الجانب الروسي لاستمزاج رأي علويي سوريا فيما يجري في البلاد خارج الأطر الرسمية. وبناء على ما سبق، فإن هذه التطورات لا تسمح للأسد القيام بعمليات عسكرية ضد إدلب أو غيرها من المناطق الخارجة عن نفوذه.
وختاماً، يبدو أن تلك التحولات الداخلية والخارجية جنبت إدلب ومحيطها المحرر، مصيراً مماثلاً للمناطق التي سيطرت عليها ميليشيات إيران والأسد، والتحول الأبرز نتج عن العقوبات الاقتصادية لـ"قانون قيصر" الذي يزيد من عزلة الأسد، فهو يواجه أكثر من تهديد؛ الانقسامات العائلية من جهة، وما تبعه من بوادر انقسام طائفي من جهة أخرى، فضلًا عن الموقف المخاتل لروسيا، التي سلبته الحق في ممارسة أعمال السيادة في مناطق نفوذه. فلم يعد لديه هيمنة فعلية على أي ميناء بحري في سوريا ولا حتى على المنافذ الحدودية والمعابر الداخلية.
وبات واضحًا أن ثمة سعي لتنفيذ اتفاق موسكو وتمكين كلا من تركيا وروسيا مع حلفائهما القدر الأكبر من النفوذ، عند الحدود الراهنة في منطقة خفض التصعيد، وفق اتفاق "موسكو" الذي لا يمثل سوى الحد الأدنى لطموح موسكو وأنقرة، فضلًا عن كونه غير قابل للتنفيذ لأنه بُني على قناعات هشة، فرضتها الظروف الإقليمية والدولية وفقًا لأجندات تتعلق بالتقاسم المبكر لمكاسب الحرب، ولا تلبي جوهر ما تريده موسكو في الاستفراد الكلي بالغنيمة السورية.