بلدي نيوز (أيمن محمد)
انتخابات الحكومة السورية المؤقتة التي أجراها الائتلاف في اسطنبول مؤخراً دفعت برئيس حكومة جديد إلى الواجهة، فبعد طعمة وحكومته يأتي رئيس الحكومة الجديد الذي يمكن وصفه بأنه "رجل مختلف لمرحلة مختلفة" .
فالطبيب الذي عمل في الداخل المحرر، والذي يمتلك خبرة واسعة بالداخل السوري والعمل ضمنه، يبدو تعبيراً ملموساً عن مرحلة جديدة في عمل الائتلاف والحكومة المؤقتة ككل، والتي خطت خطوة للأمام بانتخاب رئيس الحكومة الجديد من الداخل وليس من معارضة الخارج.
انتخاب " جواد أبو حطب" ليس عملاً معزولاً، فهو على ما يبدو جزء في سلسلة أعمال تهدف لإيجاد تغيير حقيقي ولو بالحد الأدنى، يتحول إلى شيء ملموس على الأرض تحديداً في الشمال الذي يشهد أضخم المواجهات العسكرية منذ بداية الثورة السورية.
فهذا الانتخاب الذي حُصر أساساً منذ مرحلة الانتخاب بشخصية من الداخل، يشير لوجود توجه لتقوية وضع المعارضة الداخلية في المناطق المحررة، بدعمها لاستلام المواقع القيادية التنفيذية للمعارضة والمتمثلة بالحكومة المؤقتة.
يضاف إلى هذا التوجه ذو الشق السياسي، بروز شكل من أشكال الكتل العسكرية، التي من الممكن أن يعتبر تشكيلها الذي حصل متناغماً مع هذا التوجه، فظهور تشكيل "جيش الشمال" والذي نفذ عملية انغماسية استهدفت قياديين في ميليشيات الحماية الكردية، والتي ارتكبت جرائم كبيرة ضد المدنيين والثوار، كان أخرها التمثيل بجثث 60 شهيداً في عفرين.
هذا الجيش الذي يبدو أنه سيشمل الكثير من فصائل الثوار -إن لم يكن جميع هذه الفصائل- في بنية واحدة مدعومة دولياً ولو بالحد الأدنى.
فالقوات السعودية التي وصلت إلى تركيا، وعلى الرغم من أنها محدودة لكنها قد تكون قادرة على تنفيذ دور القائد والموجه والمخطط للقوة المكونة من جيش الشمال بالأخص إذا ساندتها تركيا.
فجيش الشمال مكون من الكثير من الفصائل التي لا ينقصها التدريب والانضباط والعقيدة القتالية، بل التسليح والاستخبارات الكافية، فهذه القوة تستطيع إذا وفر لها دعم بالأسلحة -ولو بالحد الأدنى- إحداث فرق حقيقي في شمال سوريا وصولاً إلى حلب على أقل تقدير.
الكتلة العسكرية التي ظهرت للواجهة والمدعومة باختيار سياسي من الداخل السوري، يتحدث الكثيرون عن نشاطه وكفاءته وتحصيله العلمي العالي، قد تكون مؤشرات لحدث كبير ينتظره الشمال السوري.
فعملية اغتيال قياديين من الوحدات الكردية في عفرين، قد تكون مقدمة لفرط عقد القوات العربية-الكردية المتحالفة، والتي يعتمد عليها النظام في تغطية قسم كبير من المناطق التي لا يستطيع الدخول اليها، وبخاصة عفرين والجزيرة السورية.
فحادثة الاغتيال سوف تزيل الثقة بين مكوني هذه القوة، وبخاصة عند امتدادها لتشمل عمليات أكبر، وقد ينتج عنها عمليات اعتقال واغتيال مقابلة، تنفذها الوحدات الكردية بحق قيادات عربية ضمن هذه القوات، تدفع إلى حالة توتر وربما مواجهة مسلحة بين المسلحين العرب والأكراد المنضويين تحت راية "قوات سوريا الديمقراطية" الذين يشكلون مجرد "ديكور إثني" ضمنها.
سباق مع الزمن
اختيار رئيس حكومة من الداخل يضاف إلى تشكل قوة مسلحة من الثوار، والتوجه لإحداث هزة في بينة ميليشيات سوريا الديمقراطية، مدعوم بأخبار عن وصول أسلحة مضادة للدبابات -بخاصة صواريخ ميلان- للثوار.
هذه الصواريخ التي تعتبر إضافة كبيرة للثوار، على الرغم من أنها ليست بفاعلية صواريخ تاو ولا بمداه، لكنها كافية لتدمير دبابات الأسد المتخلفة.
ثلاثة أحداث متزامنة تشير أن هناك سباق مع الزمن يحدث بين القوى الكبرى التي تسعى للسيطرة على شمالي سوريا.
فبعد بعض التسريبات التي تتحدث عن مخططات لـ"حزب الاتحاد الديمقراطي" الكردي بمساندة جيش النظام، للسيطرة على الشمال السوري ككل، يبدو أن هناك تحركاً من عدة أطراف لمواجهة هذا المخطط.
فمعركة حلب لا يمكن أن تبدأ بشكلها الكامل الذي يؤمن نصر النظام، قبل التطويق الكامل لحلب وعزلها عن تركيا، وعزلها عن إدلب التي يجب أن تعزل عن تركيا أيضاً.
هذا التحرك يواجه بإيجاد بنية سياسية على الأرض، فرئيس الحكومة من الداخل السوري لا يستغرب أن ينقل مقر الحكومة إلى المناطق المحررة بدل تركيا، هذا المقر الذي سيحظى بشكل من أشكال الحماية الدولية، تعتبر بداية لشكل من أشكال المنطقة المحمية، ولو بالحد الأدنى شمالي سوريا، والذي لن يستطيع النظام قصفه، سواء بتوافق دولي أو بحماية عسكرية من عدد من الدول التي قد تساهم في تغطية تلك المنطقة سواء جوياً أو نارياً.
وإذا نجح في إحداث تغيير حقيقي في حياة المدنيين، وبخاصة النازحين فسيساهم ذلك في الدفع لتوسيع مستوى الاعتراف الدولي بالحكومة المؤقتة الناشطة في الداخل، والتي تشكل البديل الحقيقي الذي يبدو أنه بوشر فعلياً بإيجاده ليحل محل النظام، والذي قد يستلم كبداية المنطقة العازلة التي تسعى تركيا لتشكيلها بين إعزاز وجرابلس.
فتشكيل هذه الحكومة في الداخل المحرر، والتي قد تحظى باعتراف سياسي وربما قانوني من عدد من الدول، سوف يحرج النظام وداعميه، ويوقف خططه، خصوصاً أنه يعتمد على الاعتراف الدولي القانوني والسياسي به، وبحكومته بخاصة بعد الانتخابات البرلمانية التي أجراها، والتي على الرغم من الرفض الإعلامي لها من قبل الكثير من الدول، لكن آثارها القانونية ما تزال موجودة.