إدلب على مذبح "M4".. لعبة مكشوفة بانتظار قرار واشنطن - It's Over 9000!

إدلب على مذبح "M4".. لعبة مكشوفة بانتظار قرار واشنطن

بلدي نيوز - (تركي المصطفى)

توقفت النشاطات العسكرية الروسية التركية عند تطبيق بنود "بروتوكول موسكو" الأخير الموقع في الخامس من مارس/ آذار الماضي بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين، وبصرف النظر عن الروايتين التركية والروسية حول عرقلة تنفيذ بند الممر الآمن، وتسيير الدوريات المشتركة على طريق "M4"؛ يبدو أن فصلاً جديداً من الصراع يجتاح ما أطلق عليه "منطقة خفض التصعيد الرابعة"، هذه المنطقة التي ظلت طوال خمس سنوات من الحرب الجارية خارج مسرح عمليات روسيا العسكرية، وخارج سيطرة قوات نظام الأسد وتلك التابعة لإيران، حيث تتمتع فصائل المعارضة بالسيطرة الكاملة على هذا الجزء من المنطقة. 

ومن سوء حظنا كسوريين أن اعتلى بشار الأسد رئاسة الجمهورية بالوراثة، والذي استدعى إيران وروسيا للتدخل العسكري ضد الشعب السوري الثائر، ووضع شرطا أساسيا لفتح أبواب سورية أمام الغزاة يتضمن موافقة نظامه، أي الاحتلال برخصة، ولكن الأسد العابث بالموقع السوري انحصر استمراره حاكما لإضفاء شرعية وجود المحتلين، فتجاوزت أجندات المتنافسين على سورية مسألة انتصار الثورة وبقاء الأسد إلى أهداف أخرى متصلة بالتنافس الدولي والإقليمي على النفوذ في سورية، وبعد اتفاقيات "أستانا" ولواحقها "سوتشي وبروتوكول موسكو" وقعت آخر ما تبقى من المناطق السورية المحررة بين "الجار التركي" لسورية بحكم الجغرافية وروسيا التي تحتل مناطق نفوذ نظام الأسد، ليصبح طريق "M4" أحد أهم مفاصل العلاقة الثنائيّة بينهما ومفصلا حيويا للمساومات والتطورات الدراماتيكية إيذانا لتدخل الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي لإعلان صافرة النهاية بين أطراف الصراع.  

ذلك أن الخلاف بين موسكو وأنقرة ظهر على نحو توقع معه الكثيرون أنه سيؤول إلى توتر عنيف تعاظمت وتيرته مع  مقتل الجنود الأتراك، فارتفعت نبرة الخطاب التركي الذي أمهل قوات نظام الأسد حتى نهاية شهر شباط / فبراير الماضي للابتعاد عن النقاط التركية الواقعة على حواف المنطقة العازلة، ورغم التفاهم بين موسكو وأنقرة إلا أن أجواء الصراع بدأت تتبلور بشكل منضبط بما تحمله من موروث صدامي على مدى قرون، ولم يشفع زخم العلاقات المستجدة بينهما مع مرحلة صعود حزب العدالة والتنمية التي تجسدت على شكل زيارات على مستوى القادة صاحبها توقيع اتفاقيات في مجالات الدفاع والأمن والطاقة والاقتصاد ومكافحة الإرهاب، وافتتاح خط أنابيب (بلو تريم) لنقل الغاز الروسي إلى تركيا وإلى أوروبا فيما بعد تحت مياه البحر الأسود، ولكن التباعد والتقارب بين الدولتين حصل نتيجة موقفهما من القضية السورية، حيث سارعت أنقرة إلى دعم "الثورة السورية" فيما تمسكت روسيا بدعم "نظام الأسد" في سوريا، ورغم ما أحدثه إسقاط الطائرة الروسية من توتر للعلاقات إلا أن الانفراج بينهما بات وثيقا إثر محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا عام 2016 باعتبار بوتين نصّب نفسه حامياً للقادة المهددين بالسقوط في جميع أنحاء العالم، من الأسد إلى الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، ولكن أردوغان خارج التصنيف الروسي باعتباره "السياسي الأكثر نفوذاً في تاريخ تركيا الانتخابي الحديث " بحسب سونر چاغاپتاي مؤلف كتاب "إمبراطورية أردوغان: تركيا وسياسة الشرق الأوسط"، إلا أن الموقف السلبي للولايات المتحدة ودول أوربا من محاولة الانقلاب جعلت الرئيس التركي يدخل في علاقة سياسية متقدمة مع بوتين، فكان اتفاق آستانا ومن بعده سوتشي، ومن الواضح أن الخلاف على إدلب يمثِّل محطة فارقة في العلاقة بين البلدين في وقت لم يتوقف الصراع بينهما على مدى قرون مديدة من نشأتهما، حيث وقع أول صدام عثماني- روسي عندما احتلت روسيا مدينة أزوف على البحر الأسود، ولم تتمكن القيصرية الروسية في ذلك الوقت من تحقيق أهدافها نتيجة الردع الذي كانت تواجهه من العثمانيين الذين استمروا في التوغل شرق ووسط أوروبا، وبرزت في النصف الثاني من القرن الثامن عشر الإمبراطورة كاثرين التي تصدر عهدها احتدام الصراع الروسي العثماني، في 1768، ولم ينته في امتداده العسكري حتى منتصف القرن العشرين، وأما التداخل الآخر بين روسيا وتركيا فيتمثل بهوية مأزومة جغرافيا وسياسيا ودينياً بين أوروبا وأسيا وبين العلمانية والدين وبين الديمقراطية والاستبداد، ويتجلى لمتتبع أحداث تلك الحقبة أن كل الاتفاقيات بين روسيا وتركيا منذ اتفاقية "كوتشك كينارجه" عام 1777 ولغاية اتفاق "بروتوكول موسكو" 2020، تجتر المشهد التفاعلي داخلها من مواجع الحروب الملتهبة التي أفضت في بعدها الراهن إلى التوقف عند خط "الإم 4" الذي ينص وفق الاتفاق على وقف إطلاق النار في إدلب على خط التماس وفقًا لمناطق خفض التصعيد، وإنشاء ممر آمن بطول ستة كيلومترات إلى الشمال وجنوب الطريق "إم 4" في سوريا.

ولكن الخيار العسكري لفرض السيطرة الروسية بالقوة المسلحة على المناطق التي سيطرت عليها ونسفت كل مبادرات السلام التي دعت إليها في "أستانا" بعد الالتفاف عليها طويلا، جاءت وفق استراتيجية من يجيد تقدير الموقف من الحسم العسكري بشكل دقيق، ويقف على رأس ذلك انصراف الولايات المتحدة عن الساحة السورية. 

وبالمقابل فإن عودة الولايات المتحدة الأخيرة إلى المشهد السوري شكل إرباكا كبيراً لكل من روسيا وتركيا أمام تطبيق "اتفاق موسكو"، فلا تركيا قادرة على ردع الروس وإعادة قوات نظام الأسد إلى ما بعد النقاط العسكرية التركية ولا روسيا بعد الحشود التركية بمقدورها متابعة قضم ما تبقى من المناطق المحررة، وبات الطرفان بحاجة التدخل الأميركي بما يلائم استراتيجية كل منهما، فعادت الولايات المتحدة مجددا إلى المشهد السوري عبر بوابة "السلاح الكيماوي" واتهام نظام الأسد بمسؤولية ذلك على لسان مندوبة واشنطن السابقة لدى الأمم المتحدة، سامنثا باور، المنظمة الدولية وفريق التحقيق الأممي بسوريا بالتستر على تورط روسيا ونظام بشار الأسد بهجمات شمال غرب سوريا، العام الماضي. و"باور" مثلت بلادها  كمندوبة دائمة في الأمم المتحدة من 2013 وحتى 2017، وأكد المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا، جيمس جيفري، في وقت سابق أن النصر لن يكون حليف للروس ونظام الأسد في منطقة إدلب السورية، وقال جيفري في تصريحات صحفية نقلتها شبكة "سي بي إس نيوز" الأمريكية؛ إن "القضية التي يتبناها الأتراك ونؤيدها، هي أن وقف إطلاق النار بإدلب يجب أن يكون دائما وحقيقيا"، وأشار إلى أن "الوضع بالنسبة لإدلب مختلف، ولا أعتقد أنهم سينتصرون هناك، وسبب هذا هو عدم انسحاب الأتراك".

 بالنتيجة، فإن كل ما نراه من محاولات فاشلة لتسيير الدوريات الروسية المشتركة على طريق "إم 4" - فيما يتم السماح فقط لعبور القوات التركية بشكل منفرد ضمن الطريق- والفشل في إنشاء ممر آمن شمال وجنوب الطريق وإصرار الطرفين على تنفيذ الاتفاق وما يرافق ذلك من مناوشات بين القوات التركية والمعتصمين على ذات الطريق، هو استهلاك للوقت بانتظار التدخل الأميركي.

مقالات ذات صلة

"النواب الأمريكي" يصوت على قانون "الكبتاغون 2"

روسيا تضع نقطتي مراقبة على حدود الجولان جنوب سوريا

الرسوم والشروط.. لجنة الحج تصدر التعليمات الجديدة لهذا العام

دعوة أمريكية جديدة لتطبيق القرار الأممي 2254 في سوريا

روسيا تحاول بسط سيطرتها على مناطق النظام شرقي الفرات

"لجنة الحج العليا" تعلن استلامها الملف عن شمالي سوريا وتركيا