بلدي نيوز
غيّرت الحرب في سوريا طبيعة التركيبة السكانية للبلاد بشكل كبير، ولم يعد العرب السنة يمثلون سوى نصف السكان بعد أن كانوا الأغلبية، وإذا كان ذلك يرجع إلى عدد اللاجئين والنازحين الكبير من هذه المجموعة، فإنه يعود أيضا إلى استراتيجيات نابعة من نهج طائفي في هذا النزاع.
هكذا لخّص بيير إيف بايي في مقال له بموقع "أوريان 21" ما آل إليه الصراع في سوريا بشريا، عازيا ذلك إلى استراتيجية طائفية استفادت من الحرب التي قامت على أنقاض الثورة السورية.
وقال الكاتب إن قمع نظام بشار الأسد الشديد للمظاهرات في درعا، وما أسفر عنه من قتل عام 2011؛ كان الشرارة التي أشعلت سوريا لما يقرب من تسع سنوات، وأدت بسبب ما خلفته من انعدام الأمن إلى انسحاب طائفي، تفاقم وتم استغلاله من قبل المتحاربين، كما زاد من حدته إشراك أطراف خارجية، لا سيما تركيا وإيران.
واتهم الكاتب أنقرة بطرد الأكراد واستبدالهم بالفصائل التابعة لها في المناطق الخاضعة لسيطرتها، كما تستخدم طهران "وكلاء" شيعة من دول المنطقة ومن أفغانستان وباكستان لزيادة عدد المقاتلين، وأيضا لتغيير التركيبة السكانية في مناطق معينة، عبر منحهم إمكانية البقاء في سوريا؛ وبذلك يعيد النظام تصميم توزيع السكان بما يضمن له وجود مؤيدين للسلطة، أو من يعتمد عليهم في مناطق رئيسية في سوريا، حسب الكاتب.
وقال بايي، إن الطائفية متأصلة في نظام الدولة الذي بناه حافظ الأسد، حيث أخذ طائفته العلوية عند توليه الرئاسة رهينة وربطها بسلطته وأجهزته الأمنية، كما تألف مجموعة من التابعين مع الأغلبية السنية باستخدام سياسات "العملاء" لتأمين دعمهم، وفعل الشيء نفسه مع الأقليات القومية الأخرى، مذكرا إياها بانخفاض وزنها الديموغرافي مقارنة بالأغلبية السنية.
وتابع بشار الأسد استراتيجيات والده، بالاعتماد على جزء من البرجوازية السنية دون إهمال طائفته التي يتراوح عددها بين مليونين ومليونين ونصف، أي بين 9 و11% من السكان السوريين، وشكلت حضورا قويا في جهاز الدولة ومليشيات الشبيحة، خاصة بعد صعود تنظيم "داعش".
واستخدم الأسد -حسب فابريس بلانش في مقاله "جغرافية الثورة السورية"- سياسات "العملاء" وتعديل أساليب القمع من أجل تفتيت المجتمع السني وتعزيز ظهور الجهاديين المدعومين من الخارج للضغط على المعتدلين، وبالتالي توفير فرصة لوصف صعود "التطرف السني" بأنه تهديد لكل الأقليات.
ومع أن الأكراد لا يمثلون إلا نحو 11% من السكان، فقد سعى النظام إلى إيجاد أرضية مشتركة معهم، وعقد اتفاقا مع حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، بعد أن لم يتمكن أي من الأحزاب الكردية من التوصل إلى اتفاق مع المعارضة السورية الممثلة في المجلس الوطني السوري.
أما الدروز فيعيشون بشكل رئيسي في محافظة السويداء، ويمثلون نحو 3% من السكان، وانضم جزء منهم في بداية الانتفاضة إلى المتظاهرين للمطالبة بمزيد من الحريات، إلا أن استراتيجيات النظام والتهديد المتزايد لما تسميه "التطرف السني" وضعت حدا لمطالبهم، كما يقول الكاتب.
أما بالنسبة للمسيحيين -الذين يبلغ عددهم نحو مليونين، والذين تختلط فيهم الأعراق- فهم نشيطون جدا في حزب البعث السابق، ولديهم علاقة وثيقة مع آل الأسد، حتى إن رئيس أساقفة حلب الملكيين المونسنيور جانبرت، يقول إنه "قلق للغاية على المسيحيين من عواقب الإطاحة بنظام الأسد".
وفي سوريا، يمثل الإسماعيليون والشيعة الاثنا عشرية نحو 2 أو 3% من السكان، وقد شارك بعض الإسماعيليين في مظاهرات ضد النظام، ولكن الخوف المتزايد من "الإسلاميين" قادهم في النهاية إلى موقف الحياد، بل والتعاطف مع النظام، كما يقول الكاتب.
أما الشيعة الاثنا عشرية الذين ظلوا بعيدين عن السياسية حتى عام 1990، فقد انضموا إلى النظام في وقت مبكر جدا؛ "لكونهم من بين الضحايا الأوائل للجهاديين"، وهم -حسب الكاتب- "أحد الأسباب التي دفعت حزب الله اللبناني للتدخل في سوريا قبل أمر طهران".
وحسب كاتب المقال، فإن هناك مجتمعين صغيرين آخرين في سوريا: هما التركمان (نحو 150 ألفا) والشركس من القوقاز (بين 65 و150 ألفا)، وبفضل هويتهم المرتبطة بالترك، حافظ التركمان على صلة بأنقرة، واستغلتهم جزئيا لتبرير تدخلها في سوريا وتوسيع نفوذها.
ي حين ينقسم الشركس إلى فئتين: إحداهما إلى جانب النظام في الأجهزة الأمنية، والأخرى ترغب في العودة إلى وطنها القوقاز، وطلبوا من روسيا حق العودة.
وأشار الكاتب إلى أن النظام، الذي يخطط لفترة ما بعد الحرب؛ أصدر القانون رقم 10 لعام 2018 بشأن "التجديد الحضري"، وهو يسمح للمؤسسات المحلية بالاستيلاء على الأراضي الخاصة واختيار المناطق التي يجب تجديدها.
ورغم تعديل القانون تحت الضغوط الدولية، فإن بعض النقاط فيه لا تزال غير واضحة بشكل يسمح للنظام بإعادة رسم التوزيع العرقي الطائفي للبلاد كما يشاء، خاصة أن الصراع أدى -وفقا للأمم المتحدة- إلى فرار أكثر من 5.6 ملايين لاجئ، ونحو 6.6 ملايين نازح داخليا، معظمهم من العرب السنة الذين هم أكبر الطوائف وأكثرها تأثرا بالحرب والقمع.
ويرى الكاتب أن الأرقام المستخدمة في سوريا مجرد تقديرات أعدها الخبراء والمنظمات غير الحكومية، لأن هذا البلد لم يتم فيه إجراء إحصاء جاد منذ فترة طويلة، إلا أن الجميع يتفق على أن الطوائف الأكثر تضررا هي العرب السنة والمسيحيون.
وخلص الكاتب إلى أن التغييرات الديموغرافية جاءت في النهاية لصالح النظام، لأن انخفاض أعداد العرب السنة يزيد النسب المئوية لتمثيل الأقليات، باستثناء المسيحيين وربما الشركس، مما يعزز وضع النظام.
المصدر: الجزيرة نت