معركة صراع الإرادات في إدلب.. من سينتصر؟ - It's Over 9000!

معركة صراع الإرادات في إدلب.. من سينتصر؟

بلدي نيوز- (تركي المصطفى)

مقدمة

تتواصل المعارك والمواجهات بين قوات النظام وإيران تساندها الطائرات الروسية من جهة، وبين فصائل المعارضة من جهة ثانية، على جبهات الطريق الدولي ومحاور ريف إدلب الشرقي حيث تستكمل روسيا بالتدريج السيطرة بالقوة العسكرية على المنطقة العازلة وعلى الطريق الدولي، في هذه الأثناء بدى وكأن إدلب ومحيطها المحرر يقاد نحو مرحلة سياسية وجيوسياسية جديدة، ستبدأ من حيث ينتهي إليها أصحاب المدفعية بانتظار أن تعلن الولايات المتحدة صافرة النهاية أو بداية منعطف جديد في موقفها من محاولة روسيا السعي للانفراد بالهيمنة المطلقة على سوريا، لتصحو أنقرة على سقوط أوهامها التي عقدتها على الشراكة في سوريا مع موسكو قبل خمس سنوات، حيث كانت تهدف إلى إبعاد شبح العملية العسكرية التي ستتسبب بكارثة انسانية كبرى وموجات نزوح لمئات آلاف السوريين نحو الداخل التركي، فسارعت إلى تعزيز تواجدها العسكري داخل إدلب بعد أن باتت نقاطها العسكرية الـ 12 المنتشرة في منطقة خفض التصعيد محاصرة بغالبيتها من قوات النظام وإيران التي تسعى للتمدد بشكل أكبر في شمالي سوريا وصولاً للحدود التركية في مناطق الشمال الغربي من سوريا.

المعارك التي لم تتوقف منذ أبريل/نيسان 2019، مكنت قوات الأسد وإيران من استعادة السيطرة على مساحة واسعة من منطقة خفض التصعيد في ريف إدلب الشرقي وريف حلب الجنوبي، كانت تحت سيطرة فصائل المعارضة، إلى جانب تحقيقها تقدما سريعا مكنها من الوصول إلى الطريق الدولي إم 5 والسيطرة على غالبيته.

وقد اعتبرت الحكومة التركية تلك الهجمات تصعيدا من قبل نظام الأسد، ينسف جهود حلف أستانا وكذلك اتفاق سوتشي الموقع منتصف أيلول/ سبتمبر 2018. 

صحوة تركية 

مع بداية الأسبوع الأول من معارك شهر فبراير/شباط الجاري، بدى واضحا أن الأتراك استيقظوا على خديعة روسيا لهم، وأكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إنه لم يعد هناك شيء اسمه "مسار أستانا" بشأن سوريا، في إشارة منه إلى استمرار نظام الأسد في انتهاك اتفاقات وقف إطلاق النار.

حيث قال أردوغان: "لم يتبق شيء اسمه "مسار أستانا" علينا نحن (تركيا وروسيا وإيران) إحياؤه مجدداً والنظر فيما يمكن أن نفعله؛ في حال التزمت روسيا باتفاقي سوتشي وأستانا، فإن تركيا ستواصل الالتزام بهما، روسيا لم تلتزم إلى الآن بالاتفاقيتين". 

وفي السياق هدّد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان نظام الأسد ومَن خلفه، أي روسيا وإيران قائلاً: "لولا الأولى جواً، والثانية برّاً، لسقط النظام"، وأمهل الأسد كحدّ أقصى حتى نهاية الشهر الجاري كي تنسحب ميليشياته إلى حدود ما قبل "اتفاق سوتشي"، أي خلف نقاط المراقبة التركية الـ 12 في منطقة خفض التصعيد، كما هدّد بـ "الردّ عسكرياً، براً وجواً، على أيّ عمل عسكري سوري يستهدف الجيش التركي وحلفاءه شرق الفرات وغربه"، وأكد أن "تركيا لن تنسحب من سوريا إلا بعد إسقاط نظام الأسد وإقامة نظام ديموقراطي يمثّل كل الشعب السوري وبعد القضاء على الإرهابيين". 

ولم يغفل تأكيد أهمية العلاقات الروسية ــ التركية بإعلانه أنه "بحث تفاصيلها مع الرئيس (الروسي فلاديمير) بوتين وسيلتقي به خلال أيام".

واستنفر الجيش التركي كل قواته البرية والجوية والبحرية بالإضافة لفصائل الجيش الوطني السوري، وعلى مدار أسبوع، تتوالى الحشود العسكرية التركية إلى الأراضي السورية والتي تضمنت مئات الدبابات وسيارات الإسعاف العسكرية وناقلات الجند المصفحة، وسط إجراءات أمنية مشددة انتشرت جميعها في محيط إدلب وفي مطار تفتناز العسكري وباتت المنطقة على شفير حرب.

صراع الإرادات

على الرغم من التحالف القائم بين تركيا وروسيا، إلا أن هناك تصدعات ملحوظة بدأت أماراتها بالظهور إثر تدهور الأوضاع العسكرية  في إدلب ومحيطها، يجسدها تهديد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بالمواجهة العسكرية ضد نظام الأسد لإبعاده عن النقاط التركية المحاصرة، كانت المعطيات بمجملها تؤشّر إلى ارتفاع حدة التصعيد في ما يبدو صراع إرادات تضع التفاهمات الروسية - التركية على المحكّ، حيث تشير التحركات السياسية والعسكرية بما يخص الوضع في إدلب إلى ملامح عملية عسكرية تركية واسعة، بدأت تظهر مع تصريح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عندما قال: "قوات نظام الأسد ستنسحب من أماكن وجود نقاط المراقبة". وفي خطابه التصعيدي الأخير أمام البرلمان التركي أكّد أردوغان: "طيران النظام السوري لن يحلق بعد الآن فوق إدلب كما يشاء"، وأوضح أن "الهدف من قصف النظام هو تفريغ المنطقة بالكامل من خلال إجبار السكان على التحرك نحو حدودنا كي تُحتلّ إدلب بسهولة". 

وأضاف: "تركيا لن تظل صامتة حيال ما يجري في إدلب، رغم تجاهل الجميع للمأساة الحاصلة هناك، يجب أن لا ننسى أن كفاح حرية الشعب السوري هو كفاح 83 مليون مواطن تركي من أجل البقاء، الشعب السوري له الحق في البقاء داخل أرضه وهذه مسؤوليتنا".

وقال مصدر عسكري من الجيش الوطني لبلدي نيوز: "قيادة الجيش طلبت من جميع الفصائل العسكرية في مناطق غصن الزيتون ودرع الفرات والجبهة الوطنية للتحرير، رفع الجاهزية وإخراج جميع الأسلحة الثقيلة وإرسالها إلى محافظة إدلب". 

وأشار المصدر إلى أن الأعداد ستكون بين 6 و7 آلاف مقاتل من مناطق "درع الفرات وغصن الزيتون" كدفعة أولى، حيث سيتم إرسالها إلى محافظة إدلب في الأيام القادمة في ظل المهلة التي أعطاها الرئيس التركي لقوات النظام إن لم تنسحب من جميع المناطق التي سيطرت عليها في محافظة إدلب في وقت سابق". 

ومنذ تصريح الرئيس التركي وقواته مازالت تعزز وجودها في محافظة إدلب بالعدة والعتاد والمقاتلين بأعداد ضخمة شبيهة بتلك التي دخلت قبيل عمليات "درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام"، ومع هذا، خضعت أنقرة لاختبار إرادة أدناها مواصلة العمليات العسكرية في ريفي حلب وإدلب، وأعلاها تكرار مشهد مقتل جنودها، ليزداد التوتر بإعلان تركيا شن عملية عسكرية باتجاه سراقب ووقوع أنقرة مرة أخرى في المصيدة الروسية، فعندما كانت الأصابع على الزناد طلبت التريث من فصائل المعارضة وتأجيل العمل، فيما أوعزت روسيا لقوات الأسد أثناء الاجتماع في أنقرة باستهداف الجيش التركي في مطار تفتناز مما أسفر عن مقتل جنود أتراك، وتوهم الروس أن الرد التركي لن يرقى لحجم تكرار الاستهداف، معتبرين أن النظام وبدفع منهم سيكرر استهداف النقاط التركية كرسالة روسية واضحة للجانب التركي بأن أي تصعيد في المنطقة سيكون الأتراك تحت مرمى القصف والاستهداف، واصطدمت تهديدات الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، أمام حادثة أخرى أسفرت عن مقتل خمسة من جنوده في نقطة مطار تفتناز، فسارعت الحكومة التركية لعقد اجتماع برئاسته، وأفادت مصادر في الرئاسة أنه "تقرر خلال الاجتماع الذي عقد مساء الاثنين الماضي، الرد بالمثل على الهجوم، وألا تذهب دماء الشهداء سدى"، حسب ما ذكرت المصادر. 

وأضافت: "كما جرى التأكيد على أن أي هجوم لن يثني عزيمة تركيا التي تتواجد في إدلب بهدف منع الاشتباكات، وضمان أمن حدودها، والحيلولة دون حدوث موجة نزوح وكارثة انسانية جديدتين". 

وتفاجأت موسكو بانطلاق عملية عسكرية شنتها فصائل المعارضة المسلحة صباح الثلاثاء على محور سراقب أدت إلى استعادة مساحة واسعة من قرية النيرب الاستراتيجية وإسقاط  طائرة مروحية بصاروخ موجه، مما يشير إلى تحول استراتيجي بالموقف الدولي الرافض للتمدد الروسي في محافظة إدلب. 

مآلات الشراكة

اطمأنت موسكو لحالة الاستكانة التي أبدتها أنقرة، وما أظهرته من اقتناع بما آل إليه مصير سوتشي كــ "نتيجة" طبيعية لتضارب المصالح بين ثلاثي "أستانا"، وعلى الرغم من الشره الذي يبديه الروس في السيطرة على كل مرابض القوة في سوريا، إلا أنهم يدركون ضخامة هذه القوة، في مقابل قدرتهم على بلعها بمفردهم في الوقت الراهن، والمفارقة تكمن في توهم الروس أن دولة مترامية الأطراف على الحدود المشاطرة لسوريا وهي تركيا التي تمتد جغرافيتها من البحر المتوسط حتى العراق، مع ما لها من وجود لدى السوريين، يمكن أن توضع في معادلة مع نظام مستبد وقاتل ولذلك سيضطر الروسي للإبقاء على السقف الأدنى من التحالف مع تركيا، بعد أن أدركت أن الولايات المتحدة لن تتفرج على "نشوتها" المرحلية وسيكون الوضع أكثر تعقيداً، حينما تستكمل أنقرة حشد الموقف الدولي الذي ظهرت بوادره بوصول المبعوث الأميركي جيمس جيفري لتركيا، وزيارة القائد العام للناتو إلى أنقرة، وبالتالي ربما تستذكر موسكو حادثة تقدم قواتها إلى مناطق سيطرة الأميركان  في شرق الفرات والتي تمت إبادتها في 2018. 

ورسالة الأمس إثر إسقاط حوامة براميل تابعة للنظام ومقتل طاقمها بالقرب من مدينة إدلب، وارتفعت نبرة الخطاب التصعيدي التركي الذي تجسد بتصريح رئيس دائرة الاتصالات في الرئاسة التركية، فخر الدين ألطون، عبر تغريدة نشرها على حسابه في "تويتر" قال فيها: "تركيا عاقدة العزم بنهاية فبراير الجاري على إخراج النظام السوري بموجب اتفاق سوتشي، إلى خارج حدود نقاط المراقبة في إدلب، ومن أجل تحقيق ذلك، سنقوم بتعبئة قواتنا العسكرية الجوية والبرية". 

وأضاف: "لن نتسامح مع أي اعتداء سوف نرد بقوة وحزم ضد أي من مضايقات النظام ضد قواتنا، من واجبنا الأخلاقي والإنساني دعم بقاء الشعب السوري على أرضه وحفظ كرامته".

خلاصة

بعد هذا كله، لم يعد هنالك ما يبرّر لأنقرة التمسك بالشراكة مع روسيا في سوريا بالكيفية التي تريدها الأخيرة، وقد انكشفت نواياها تجاه أنقرة التي تتمسك باتفاق سوتشي كونه الإطار القانوني الذي تستند إليه تركيا، ولو استمر هذا الوضع على نمطه، فستكون روسيا الطرف الخاسر في سوريا إن لم تنفذ المطالب الأميركية والأوربية التي يأتي في مقدمتها تحول سياسي حقيقي في سوريا وتعطيل المشروع الإيراني ومن ثم إخراج إيران من المشهد السوري، كما تدرك روسيا أهمية تركيا كشريك أساسي في أيّة صفقة تتناول سورية مستقبلاً، لهذا يبدو أننا أمام منعطفٍ له ما بعده، فإما العودة إلى تطبيق بنود سوتشي أو أن تبعات أي مغامرةٍ روسية خارج إطار الاتفاق ستفتح الحرب على مصاريع كثيرة.

مقالات ذات صلة