عن معارك الطريق الدولي في سوريا.. سياسيا وعسكريا - It's Over 9000!

عن معارك الطريق الدولي في سوريا.. سياسيا وعسكريا

بلدي نيوز – (تركي مصطفى)

اندلعت معارك شرسة بين فصائل المعارضة المسلحة، وقوات النظام وميليشيات إيران، بصورة مفاجئة، على أطراف مدينة حلب، بعد توقف متقطع دام أربعة أعوام، ولا تزال في تصاعد مستمر، لتحصد عشرات القتلى من عناصر قوات النظام المهاجمة.

واتسعت دائرة المواجهات من منطقة إكثار البذار شمالا ولغاية خلصة جنوبا, وأشرس هذه المعارك ما يجري على محور منيان؛ الواقعة بالقرب من الطريق الدولي, وكذلك يشتعل محور تلة المحروقات بخان طومان, وليس من باب المصادفة اندلاع هذه المعارك بالتزامن مع العملية العسكرية الجارية في ريف معرة النعمان الشرقي, حيث أن المعارك التي يقوم بها طرفا المواجهة، في ريف المعرة الشرقي، لا تزال، منذ أسابيع، على وضعها المتصاعد وازدادت وتيرتها بعد سيطرة الميليشيات الروسية وتلك التابعة للأسد على بلدات معصران والقذفة ومعر شورين وبابيلا المحاذية لمدينة معرة النعمان, والواقعة على الطريق الدولي. لتتجاوز الميليشيات الطريق الدولي إلى قريتي الحامدية  ودانة المعرة والاتجاه غربا نحو قريتي حنتوتين شمال المعرة وكفرومة غربها, بقصد الالتفاف على مدينة معرة النعمان وحصارها تجنبا لحرب الشوارع، واستطاعت دخول المعرة بعد انسحاب فصائل المعارضة. 

في الجانب السياسي المواكب للتطورات العسكرية، يعني أن ما يجري على الأرض عمليا هو موت لاتفاق سوتشي الذي أعلنته أنقرة وموسكو في أيلول/سبتمبر 2018م, إذ لا تزال اللجنة الدستورية تراوح مكانها، مع غموض مصير منطقة خفض التصعيد الرابعة, والكل يترقب نتائج تصاعد المعارك في محيطي حلب ومعرة النعمان، ولكل منهما ارتباط وثيق بالطريق الدولي. وإلى ذلك فإن تحرّكات مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا، غير بيدرسن، الذي وصل إلى موسكو يوم الجمعة الماضي، مطلقاً تصريحاتٍ مثيرة للجدل، حيث قال: "إن تسوية الوضع في إدلب هي شرط أساسي لعودة اللاجئين إلى سوريا، مضيفا في الوقت نفسه: "نتفهم التحديات عندما يتعلق الأمر بمكافحة الإرهاب، لكننا حذرنا أيضا مما نراه الآن، وهو ثمن مرتفع للغاية يدفعه المدنيون".

ولفت بيدرسن إلى "نزوح نحو 700 ألف شخص ومقتل أكثر من 1500 مدني، منذ نيسان الماضي", ولكن الرؤية الروسية لفرض تسوية في سورية يختزلها وزير الخارجية لافروف الذي صرح يوم الجمعة الماضي, قبيل لقائه المبعوث الأممي الخاص لسوريا، الذي قال "إن مساحة الأراضي التي يسيطر عليها الإرهابيون تتقلّص، ويستمر العمل على إنهاء فلول تلك الجماعات في إدلب وشمال شرقي سوريا"، منوهاً إلى "أن قوات النظام استعادت السيطرة على جزء كبير من الحدود مع العراق وتركيا". وهذه رسالة روسية واضحة، مضمونها العام "الاستسلام من دون شروط مسبقة"، بمعنى أن المرجعيات الثلاث التي تتمسّك بها روسيا، اتفاق آستانا, وما استولد عنه من اتفاقات كـ"سوتشي" فضلا عن  قرارات مجلس الأمن، سيما القرار 2254؛ لن تكون أساسا لأي مفاوضات سورية قادمة.

أما تركيا، فاستدعت قادة فصائل المعارضة في إدلب وحلب للاجتماع مع مدير المخابرات الوطنية التركية حقان فيدان يوم الخميس الماضي, وذكرت مصادر عسكرية لـ"بلدي نيوز" أن الوفد التركي أعرب عن قراره دعم فصائل المعارضة من أجل الصمود في وجه هجوم نظام الأسد، ويأتي الاجتماع في إطار زيادة الدعم العسكري التركي لفصائل المعارضة إثر خرق النظام وحلفائه للهدنة التي أعلنها بوتين وأردوغان في 10 يناير/كانون الثاني الجاري".

ومع ذلك؛ فقد تعاظمت غارات الطيران الروسي وذاك التابع لنظام الأسد بشكل غير مسبوق منذ اندلاع الحرب السورية، وهذا كله يضع الأحداث المسلحة التي شهدتها وتشهدها الجبهات في إدلب وحلب في سياقات تتفق مع رؤية موسكو للسيطرة على الطرق الدولية كمرحلة أولى. 

أحد هذه السياقات أن معارك الطريق الدولي تجاوزت الحد المسموح به في اتفاق سوتشي، وقد اعتمد الروس في هذه المنطقة استراتيجية خاصة أكثر عدوانية من جميع مناطق خفض التصعيد، في محاولة للهيمنة المطلقة عليها، وهذه الاستراتيجية تسعى إلى تحقيق مجموعة من الأهداف وفقا لمبدأ "المكاسب المطلقة"، وحاولت تركيا مرارا إفشال سياسة الهيمنة الروسية التزاما بمسؤوليتها الأخلاقية وفقا لمرجعية "سوتشي" التي لا ينبغي لروسيا أن تتعدى مبدأ "المكاسب النسبية"، لأن موافقة الأتراك على المطالب الروسية في السيطرة على الطريق الدولي، يحدث خللا في ميزان الشراكة لا سيما في سوريا التي يكتنفها التنافس الإقليمي والدولي، ويطغى عليها الخداع الذي طالما يلجأ إليه الطرف الروسي، إذ يحاول الروس بسط سيطرتهم المفردة على كامل الطريق الدولي "إم 5", وتتطلب هذه المسألة ثمنا باهظا من الدماء، وبتحمل عواقب الإصرار على القتال، وفي حال مقاومة ذلك سيفرض عدم قدرة موسكو الاحتفاظ بالطريق, وربما يأتي دعم الفصائل لفرض قناعة لدى الروس بالعودة إلى اتفاق سوتشي.

تم هذا السياق أم لم يتم عاجلا، فهو تعطيل ضمني لاتفاق سوتشي، في ما يخص الشريك التركي. وفي حال السيطرة الروسية, إنما يعني "انتصار" موسكو, لأنها لا تؤمن بأية مرجعية, لا بقرارات جنيف الدولية, ولا حتى بـ"آستانا" التي ابتدعتها وما نتج عنها من اتفاقات، وستكون مناطق سيطرتها على الطرق الدولية محصّنة عسكريا، وباتفاقيات ستفرضها لاحقا وستسعى لأن تحظى بتأييد دولي، أما تركيا حليفة المعارضة إن لم تعمل على الوفاء بتنفيذ وعودها الأخيرة للمعارضة, فهي تناور للاستفراد بشريط حدودي على شاكلة ما قامت به في عملية نبع السلام. وهكذا يبدو الشكل النهائي للطرق الدولية سيكون تحت السيطرة الروسية، مما يعني أن كل المنطقة الواقعة بمحاذاة الطريق الدولي الواصل بين حلب وحماة، وتضم مدينتي معرة النعمان وسراقب مع كامل ريفي إدلب الشرقي، وحلب الجنوبي، مع امتدادات إلى غرب الطريق ستكون خالية من فصائل المعارضة المسلحة.

ولكن ما لم يأخذه أحد في الحسبان، هو تواجد الميليشيات الإيرانية بمحاذاة الطريق الدولي "إم5" على شكل قوس نصف دائري، حيث لا تزال تتمركز في مواقعها العسكرية، وتتوزع هذه المواقع ما بين ريف حلب الجنوبي ومحيط بلدتي "نبل والزهراء" بريف حلب الشمالي، وفي الريف الشرقي لإدلب، ومعظمهم من الطائفة "الشيعية" من المنضويين تحت راية "الحرس الثوري" الإيراني والميليشيات التابعة له، من أفغان وعراقيين ولبنانيين، لذلك لا يمكن أن تكون "روسيا أو ميليشيات الأسد أو إيران" مقبولة أو مأمونة الجانب في مناخ غير حربي، إلا بانتهاج مبدأ القوة المفرطة اتجاه فصائل الثورة والحاضنة الشعبية، لذلك تعتمد استراتيجية "العنف" في المناطق التي تجتاحها؛ ليكون وجودها ونشاطها أمرا غير قابل للرفض أو المساومة بعد انتزاع ذلك بموجب اتفاق "سوتشي" الذي فرضته على المعارضة.

من هنا؛ تمضي روسيا في طريقها التوسعي من دون اكتراث للنتائج مع ما تنادي به من الحرب ضد التنظيمات التي تصفها بـ"الإرهابية"، ونزع أسلحتها بمعزل عن إرادة الضامن التركي، كما لا يستبعد أن تشن مستقبلا حروبا في عمق محافظة إدلب تأسيا بما تقوم به من عدوان على المدن والقرى الواقعة على الطرق الدولية.

وبذلك تكون فصائل المعارضة السورية في مأزق؛ لأنها تُساق إلى حتفها، ما لم تتدارك ذلك عسكريا وسياسيا، بالسعي نحو تعطيل المخطط الروسي الرامي للسيطرة على الطرق الدولية، والحؤول دون الوقوع في فخّ مفاوضات جديدة، ما لم تكن مبنية، كشرط أساس، على مرجعية جنيف، وإعادة النظر في الشراكة مع الأصدقاء الذين إن لم تكن أطماعهم أولوياتهم، فإن سياساتهم أقرب إلى الخيبة والفشل.

مقالات ذات صلة

شجار ينهي حياة لاجئ سوري في تركيا

درعا.. فرض حظر تجوال في "جاسم" على خلفية اشتباكات بين مجموعات محلية

بعد ضغوط شعبية النظام يفرج عن رجل وابنه في درعا

حملة أمنية واسعة في تركيا تستهدف المهاجرين غير النظاميين

روسيا تنشئ تسع نقاط مراقبة بمحافظتي درعا والقنيطرة

باحث بمعهد واشنطن يدعو "قسد" لمراجعة علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية