فشل أوروبا بخصوص اللّاجئين السوريين.. أصداء للانهيار الأخلاقي عام 1930 - It's Over 9000!

فشل أوروبا بخصوص اللّاجئين السوريين.. أصداء للانهيار الأخلاقي عام 1930

ذي غارديان – ترجمة بلدي نيوز
صوت أعضاء البرلمان البريطاني في وقت سابق على رفض خطّة للقبول ب 600 طفل لاجئ سوري سنوياً، ومع تنصل الحكومات الأوروبية في جميع أنحاء القارة من كامل المسؤوليّة، تعتبر هذه كارثة أخلاقية، ذات أبعاد تاريخية.
ففي عام 1938، كان قد اجتمع ممثلون عن 32 دولة غربيّة، في منتجع مدينة إيفيان السّاحرة، جنوب فرنسا، المشهورة الآن بمياهها، ولكن في ذلك الوقت، كان لدى المندوبين شيء آخر كليّا في أذهانهم، لقد كانوا هناك لمناقشة ما إذا كان عليهم القبول بالعدد المتزايد من اللاجئين اليهود، الفارين من الاضطهاد في ألمانيا والنمسا، وبعد عدة أيام من المفاوضات، قررت معظم البلدان، بما في ذلك بريطانيا، على ألّا تفعل أي شيء.
يوم الاثنين، عاد لذاكرتي مؤتمر "إيفيان"، وذلك عندما صوّت النوّاب البريطانيون ضد قرار استقبال 600 طفل لاجئ سنوياً، وذلك خلال نصف العقد القادم، فتلك اللحظتان ليستا متشابهين بالتفاصيل، فالتاريخ لا يكرّر نفسه بالضرورة، ولكنّ أصداءه ما زالت تدوي حتى الآن، والتي تذكّرنا بتبعات الفشل الأخلاقي، فإن نظرنا إلى الوراء، إلى تقاعس تلك الحكومات في إيفيان، فإن المندوبين كان يمكنهم الادعاء حينها بأنهم لم يكونوا مدركين لما كان يترتّب على قرارهم ذلك، لكن وفي عام 2016 لم يعد لدينا ذلك العذر بالنسبة لسورية، ومع ذلك، في المملكة المتحدة ومختلف أنحاء أوروبا وأمريكا، يبدو أنهم حريصون في الوقت الراهن على نسيان دروس الماضي.

 في بريطانيا، العديد من النواب الذين صوتوا ضد قرار استقبال بضعة آلاف من اللاجئين، يسعون أيضاً لكشف آلية -الاتحاد الأوروبي- والذي تم إنشاؤه، على الأقل جزئياً، لرأب تلك الانقسامات التي كانت قد مزّقت القارة الأوروبية، خلال فترة الحربين العالميتين الأولى والثانية.

في أوروبا، مزق القادة مؤخراً اتّفاقية 1951 للّاجئين، تلك الوثيقة التاريخية المستوحاة جزئياً من إخفاقات أشخاص كمندوبي إيفيان، وذلك في وسيلة منهم لتبرير ترحيل اللاجئين السوريين إلى تركيا، حيث لا يستطيع أكثرهم هناك العمل بشكل قانوني، على الرغم من التغييرات التشريعية الأخيرة هناك، في حين يزعم البعض أنه قد تم ترحيل قسم منهم إلى سوريّا، إلا ان الكثير من اللاجئين المتوجهين نحو الحدود قد تم إطلاق النار عليهم. وتشجيعاً على ذلك، انضمّت الحكومتان الإيطالية والألمانية إلى ديفيد كاميرون في الدعوة لإرسال اللّاجئين إلى ليبيا، والتي هي أيضاً منطقة حرب.

في اليونان، كان الزعماء الأوربيون قد أجبروا الحكومة المفلسة على سجن جميع طالبي حق اللجوء الواصلين، ومن ثم النّكث بوعود المساعدة في تأمين الرعاية الكافية لهم، أو نقلهم إلى بلدان ذات موارد أفضل من القارّة، والنتيجة لذلك هو الوضع المزري في الجزر اليونانية، حيث أغنى قارات العالم كانت قد أنشأت هناك، سجناً للأطفال والرّضع ومن ثمّ حرمتهم من الحصول على كميات تكفيهم من الحليب.
في الدنمارك، يضطر طالبو اللجوء إلى تسليم الأشياء الثمينة لدفع ثمن إقامتهم، في حين حوكم المتطوّعون  لمساعدتهم اللاجئين وتم مقاضاتهم على أنهم مهربون .
في أمريكا، حيث زوارق اللّاجئين كانت قد حُوِّلت بعيداً عن الموانئ الأمريكية في ثلاثينيّات القرن الماضي،
رفض أكثر من 30 حاكماً الآن، قبول اللّاجئين المسلمين، في حين كان البعض قد دعا بفرض حظر واضح على أيّ لاجئٍ من الحرب، والّتي هي النتيجة الجزئية للأخطاء الكارثيّة في السياسة الخارجية الأميركية على مدى العقدين الماضيين.
بعد ظهر يوم السبت، كنت وجهاً لوجه مع نوع مماثل من حالة العمى المتعمّد، بالقرب من الحدود التركيّة مع سوريا، أنجيلا ميركل، المستشارة الألمانية، ودونالد توسك، رئيس المجلس الأوروبي، كانوا في زيارة إلى مخيم للّاجئين السّوريين، وذلك مقابل أن تعيد تركيّا النّظر في ترحيل طالبي اللجوء مرة أخرى من أوروبا.
إن أوروبا تقوم بمنح تركيّا عدة مليارات يورو، في مساعدة منها على رعاية السوريين الذين تقطعت بهم السبل الآن على أراضيها، وكانت ميركل وتاسك في زيارتهم للمخيّم لتسليط الضوء على أول المستفيدين من هذه المليارات ، ولإظهار تركيا، كمكان مناسب لاحتواء اللّاجئين، وبأن الحياة في تركيّا يمكن أن تكون في كل جزء منها، لطيفة، كما هي الحياة في أوروبا.
كانت ميركل قد أظهرت قيادة أخلاقيّة استثنائية خلال العام الماضي، ولكنها وفي تلك الحالة في المخيّم، كانت تشارك في تمثيلية!! فلقد كان المخيّم الذي زارته ميركل، لطيفاً بما فيه الكفاية، إلا أنه لا يمثّل واقعاً كان قد عاشه معظم السّوريين في تركيا، حيث أنّ 90٪ منهم يعيشون حالة فقر مدقع في المناطق الحضرية خارج المخيمات.
ولفهم حقيقة الإهمال والّذي هم محاصرون به الآن، يتوجّب على ميركل أن تقوم بزيارة الورش الصّغيرة في الجانب الآخر من المدينة، حيث الآلاف من الأطفال السوريين يعملون لمدّة 12 ساعة يومياً لإعالة أسرهم، أو وبشكل أكثر واقعيّة، سيمكنها حينها أن تطلّ بإمعانٍ، على ما يجري خلف الجدار الحدودي في الجنوب.
عوضاً عن ذلك، كانت ميركل قد زارت مخيماً مجهز للاجئين لمدة 45 دقيقة!! في حين تمّ أمر معظم سكان المخيم بأن يبقوا بعيداً عن الأنظار، وذلك طيلة مدّة زيارتها.
والتقطت الكاميرات صور ميركل لقرابة 20 ثانية وهي تصافح صفَّاً من خمسة رجال سوريّين فقط، في حين كانت حملة مرحلة العلاقات العامّة المدارة في مصلحة مئة صحفيّ منتظر، كاستعارة بصريّة للأعذار التي لا تلاحظ أيّ شرّ حولها، والتي كانت قد استخدمتها أوروبا لتبرير ترحيل اللاجئين إلى تركيّا.
وقال تاسك في وقت لاحق من نفس اليوم. "إن تركيّا اليوم، هي المثال الأفضل، للعالم كله بسبب الطريقة التي يعامَلُ به اللاجئون،" كما أضاف "لا يجب على أحد أن يلقي المحاضرات على تركيّا حول ما يتوجّبُ القيام به". 
إن تنازل أوروبا عن المسؤولية، عادة ما يتم تبريره باسم التفوق الثقافي، استناداً للمسمّى الدّيني بالنّسبة للشخص الذين كان في وقت سابق، لاجئاً ومهاجراً، على حد سواء، في حين استخدم العديد من السياسيين الأوروبيين، المسيحيّة لتبرير رفضهم للاجئين.
يتساءل رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان بقوله "أليس من المقلق بحدّ ذاته بأنّ المسيحيّة الأوروبيّة الآن، بالكاد قادرة على الحفاظ على أوروبّا المسيحيّة،" كما وأضاف "ليس هنالك من بديل، وليس لدينا أي خيار آخر سوى الدفاع عن حدودنا."
ولكن الارتكاز على الدين لا ينبغي له بأن يحجب الحقيقة!! وإلا كان بابا الفاتيكان قد تنحّى جانبا ولم يأخذ معه لاجئين سوريين، ولكن من خلال غض الطرف عن الواقع، ونسيان دروس الماضي، وتمزيق تسوية ما بعد الحرب، فإن مجازفات أوروبا هذه، لكارثة أخلاقية من شأنها أن تعود بنا إلى الانهيار الأخلاقي في 1930.
ومع تزايد أصوات اليمين المتطرف في جميع أنحاء أوروبا، التي تطالب بترحيل اللاجئين إلى أماكن مثل تركيا وليبيا ، ستنزلق القارة الأوروبية مرة أخرى إلى التطرف في السنوات ما بين الحربين العالميتين.

مؤتمر إيفيان كان قد حدث منذ فترة طويلة، ولكن لا يزال بوسعنا أن نتعلم من دروسه، وهو يذكرنا تماماً بما كتب "هوغو ريفكيند" في مقالة له حول المحرقة في العام الماضي، حيث جاء فيها "إننا كبشر، نتوازن على شفا حفرة لا توصف، دائماً نكون فيها أقرب إلى إسقاط ما كنا نرغب في الاعتراف به. كلّنا ، في كلّ مكان، وفي كل وقت."
قبل ساعات قليلة من وصول ميركل إلى مخيمات اللّاجئين يوم السبت، كنت على الجانب الآخر من المدينة في ورشة صغيرة مليئة بالسوريين والذين يعملون في صنع الأحذية، وكان المدير أبو شهاب، الذي لم يكن قد سمع بأي شيء حول مؤتمر إيفيان، ولم يشر بكلامه إلى المحرقة، لكنه يعرف عن أوروبا، وسمعتها عن الأخلاق، في حين قال بأنه يعتقد، أنّ أوروبا الآن لا تستحق تلك السمعة.
وقد عقّب بقوله: "إن القطط والكلاب في ألمانيا، يمكنها الحصول على جوازات سفر للحيوانات الأليفة، بينما تغلق حدودهم في وجه البشر." كما أضاف "إن التاريخ سيوثّق ذلك".

مقالات ذات صلة

وزير لبناني" اللاجئون السوريون أمام ثلاثة خيارات"

سفينة قبرصية ترسو في المياه الدولية قبالة ساحل طرابلس في لبنان،ما مهمتها؟

احتجاز شابين لبنانيين بتهمة تهريب سوريين إلى جزيرة قبرص

من سيحسم الخلاف حول بطاقات طالبي اللجوء" مسبقة الدفع "في ألمانيا؟

ضحايا سوريون نتيجة انهيار مبنى متهالك في بيروت

حصر الإرث مشكلة تؤرق الاجئين السوريين في تركيا