"ملفات الأسد 1" تقرير يثبت تورط الأسد المباشر في إبادة السوريين - It's Over 9000!

"ملفات الأسد 1" تقرير يثبت تورط الأسد المباشر في إبادة السوريين

The New Yorker  - ترجمة بلدي نيوز

سلك المحقق السوري هذا الطريق مئات المرات، ودائماً بنفس الشاحنة المهترئة، التي لم تكن يوماً تحوي أي بضاعة، وكان يتحتم عليه كل في مرة أن يعبر أربعين ميلاً حتى الحدود، حيث عليه المرور عبر أحد عشر حاجزاً للتفتيش تابعة للثوار السوريين، وهم كانوا يعتقدون أنه مجرد مواطن عادي، أو محام جلبه حظه السيئ لأن يقوم بهذه الرحلة الخطرة في زمن الحرب، وكان أحياناً يحضر لهم وجبات خفيفة أو ماء، ولم ينسى يوماً شكرهم على حماية المدنيين مثله، لكنه في ذلك اليوم كان يقود شاحنة محملة بأكثر من مائة ألف وثيقة من الحكومة السورية، والتي كانت قد دفنت في حفر وخبأت في كهوف وبيوت مهجورة.

انطلق عند غروب الشمس، باتجاه المقاتلين الذين يحرسون نقاط التفتيش، كان كما لو كان غير مرئي، تتقدمه ثلاث عربات استطلاعية إلى الأمام، وإحداها أكدت للمحقق ما أراد سماعه: لا يوجد حواجز بعد الآن، وكالعادة كانت الحدود مغلقة، لكن الجنود من البلد المجاور لوحوا له ليدخل، ومن ثم قاد سيارته حتى وصل لسفارة غربية حيث سلم البضائع للمحام الأمريكي "غريس انغلز".

إنغلز كان يتوقع  وصول الوثائق والأدلة التي تربط مسؤولين رفيعي المستوى بالفظائع الجماعية في سورية، و بعد أن أمضى عشر سنوات في تدريب الممارسين للعدالة الجنائية الدولية في البلقان وأفغانستان وكمبوديا، يقود المحامي الأمريكي الآن لجنة العدالة الدولية والمساءلة، وهي هيئة تحقيق مستقلة تأسست في عام 2012، رداً على الحرب السورية.

وفي السنوات الأربع الماضية، قام الأشخاص الذين يعملون مع هذه الوكالة بتهريب أكثر من ستمائة ألف وثيقة حكومية خارج سورية، وكثير منها تم جلبه من أكثر مقرات الاستخبارات سرية في نظام الأسد، إلى مكاتب الوكالة حيث تم فحص كل وثيقة، ووضع رمز لها وتم حفظها تحت الأرض، داخل غرفة الأدلة التي منعت عنها الرطوبة وتمت حمايتها حتى من الفئران.

في الطابق العلوي، تحوي غرفة لها باب حديدي، خرائط مفصلة عن القرى السورية تغطي الجدران، ويوجد لائحة بأسماء المشتبه بهم من الحكومة السورية ودور كل واحد منهم، بالإضافة إلى أقوال الشهود، والوثائق المترجمة والتي تملئ عشرات المجلدات، والمحفوظة في خزنة محمية من الحرائق، ويقوم المحامي إنغلز وهو في الواحدة والأربعين من العمر، بالإشراف على العملية بطريقة سرية ودقيقة؛ حيث تأتي تقارير المحللين والمترجمين إليه مباشرة.

وتوج عمل الوكالة مؤخراً في مذكرة قانونية، أربعمائة صفحة، تربط التعذيب الممنهج، وقتل عشرات الآلاف من السوريين بمذكرات مكتوبة وافق ووقع عليها الرئيس بشار الأسد، وتم تنسيقها مع وكالات الأمن التابعة له، ومن ثم نفذت من قبل عملاء النظام، الذي بدورهم أبلغوا رؤسائهم في دمشق بموجز نجاحات حملتهم.

موجز يروي الأحداث اليومية في سوريا من خلال عيون الأسد وأعوانه وضحاياهم، ويقدم رقماً قياسياً من التعذيب الذي ترعاه الدولة، والذي لا يمكن تصور مدى نطاقه وقسوته، ورغم أن مثل هذه الأفعال قد تم الإبلاغ عنها من قبل الناجين في سورية من قبل، ولكن لم يسبق أن تم ملاحقة الأوامر العليا التي صدرت بصددها.

ستيفن راب، والذي قاد فريق الادعاء في المحاكم الجنائية الدولية في "رواندا" و"سيراليون" قبل أن يعمل لست سنوات في الولايات المتحدة الأمريكية كسفير لجرائم الحرب ومشكلاتها، يقول عن هذه الوثائق: "لم أرى بحياتي شيئاً أكثر فظاعة مما رأيت فيها، ولم يسبق في مجالي أن شهدت شيئاً كهذا".

وتعتبر هذه القضية أول تحقيق في جرائم الحرب الدولية لوكالة مستقلة مثل CIJA)) الاستخباراتية، والممولة من قبل الحكومات، ولكن من دون تفويض من المحكمة، مؤسس المنظمة، بيل وايلي، محقق جرائم حرب كندي، وعمل في عدة محاكم دولية رفيعة المستوى، وقد حثه على هذا العمل إحباطه من الروتين الجيوسياسي الذي غالباً ما يمنع تحقيق العدالة، ففقط مجلس الأمن الدولي يمكنه إحالة الأزمة في سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية؛ وفي أيار 2014، منعت روسيا والصين مشروع قرار للمحكمة على جرائم الحرب التي ارتكبها كل من طرفي الصراع، ومع ذلك، قال وايلي، أن اللجنة قد حددت عدداً من "مرتكبي الجرائم الخطيرة من الأمن والاستخبارات السورية الذين دخلوا أوروبا، وأن وكالة  CIJA ملتزمة إلى حد كبير بمساعدة السلطات المحلية للقيام بالملاحقات القضائية".

هذا وأصبح تعداد القتلى في سورية مستحيلاً، بعد أن توقفت الأمم المتحدة عن توثيق الأرقام منذ أكثر من عامين، وتقول جماعات مراقبة الصراع أن الرقم قد تجاوز النصف مليون نسمة، مع وتيرة قتل سريعة تزداد كل عام، كما أن الحرب قد أفرغت البلاد من سكانها، فنحو خمسة ملايين سوري فروا إلى الدول المجاورة وإلى أوروبا، واستنزفوا قدرات تلك البلاد، التي كانت على استعداد لتقديم اللجوء والمساعدات الإنسانية، كما ولعبت الفوضى أيضاً دوراً أساسياً في صعود تنظيم الدولة، الأكثر دموية من الجماعات الجهادية التي استخدمت سوريا كنقطة انطلاق لتوسيع نطاق الإرهاب.

في الخريف الماضي، دعاني وايلي لدراسة القضية في مقر الوكالة، على شرط عدم الكشف عن موقع المكتب، أو الحكومات التي ساعدت على إخراج هذه الوثائق، أو مع استثناءات قليلة، أسماء موظفيه.

التمرد:

في كانون الأول 2010، قام التونسي محمد بو عزيزي، البالغ من العمر ستة وعشرين بالإقدام على الانتحار حرقاً، بعد أن سئم حياة من المضايقات والابتزاز من قبل المسؤولين الحكوميين المرتشين، وأشعل عن غير قصد الربيع العربي، وأدى مقتله إلى خروج مئات الآلاف من المواطنين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والذين قاسموه غضبه ويأسه، وانتفض الشعب العربي ضد مجموعة متنوعة من المستبدين والملوك، وطالبوا بإصلاحات ديمقراطية، وفرص اقتصادية، ووضع حد للفساد.

وفي أواخر كانون الثاني 2011، قال بشار الأسد لصحيفة وول ستريت جورنال، "ما نشهده في هذه المنطقة هو نوع من المرض"، وأضاف: "ستبقى سورية مستقرة"، فهذه هي الحقيقة الجوهرية، عندما يكون هناك اختلاف بين سياسة الحاكم ومعتقدات الشعب ومصالحه، سيكون لديك هذا الفراغ الذي يخلق الاضطراب"!

وفي الواقع، من المحتمل أن جذور ثقة الأسد انبثقت من كفاءة أجهزة الأمن والمخابرات السورية، والتي أبقت عائلته في الحكم منذ عام 1971، كما قام جميع الحكام المستبدين في المنطقة .

ومن ثم انهارت الديكتاتورية في مصر، وصوت مجلس الأمن الدولي بإحالة الوضع في ليبيا إلى المحكمة الجنائية الدولية، حيث كان معمر القذافي قد حكم البلاد لمدة اثنين وأربعين عاماً، وفي آذار، شنت قوات حلف شمال الاطلسي حملة قصف على ليبيا.

أما في سوريا، بدأ الناس يدعون الحكومة لتقديم تنازلات، على استحياء في البداية، ولكن الدولة التي أغرقت البلاد لثمانية وأربعين عاماً في ظل الأحكام العرفية، لم تكن فكرة المظاهرات أمراً مألوفاً بالنسبة لها، فقابلت الاحتجاجات بالغاز المسيل للدموع والرصاص، ولكن هذه المظاهرات سرعان ما جذبت عشرات الآلاف من السوريين.

وفي 30 أذار 2011، خاطب الأسد الأمة من مبنى البرلمان السوري، وكان قد أقال حكومته للتو، وتوقع الكثير من الناس أن يعلن قيامه بإصلاحات ليبرالية، بدلاً من ذلك، أعلن عن نيته بقمع المعارضة، وهو التقليد الوحشي الذي ورثه عن والده حافظ الأسد، وقال: "إن سوريا تواجه مؤامرة كبيرة، تقوم بها القوى الاجنبية التي تخطط لتدمير البلاد"، وأضاف: "ليس هناك نظرية مؤامرة... هناك مؤامرة"، واختتم مع توجيه مشؤوم: "إن القضاء على الفتنة ودفنها، واجب وطني وأخلاقي، وديني، حتى على أولئك الذين يمكنهم أن يساهموا ولا يريدون أن يكونوا جزءاً في ذلك، لأنه لا يوجد حل وسط في أو مساومة".

بعد ذلك بيومين، نمت الاحتجاجات في أنحاء البلاد بشكل أكبر، وكان الأسد قد شكل بالفعل لجنة أمنية سرية، سميت "خلية إدارة الأزمات المركزية"، لتنسيق الحملة ضد الشعب، وكان رئيس مجلس إدارتها محمد سعيد بخيتان، أرفع مسؤول في حزب البعث الحاكم، بعد الأسد، أما الأعضاء الآخرين فكانوا جميعاً من سلالة الأسد المقربة، والذين تبوؤوا بتعديل روتيني المناصب العليا في الجيش والوزارات، والأجهزة الأمنية والاستخبارات.

كل ليلة، كانت خلية الأزمة تلتقي في مكتب " قذر" في الطابق الأول من القيادة القطرية لحزب البعث في وسط دمشق، حيث كانوا يناقشون استراتيجيات لسحق المعارضة، الأمر الذي كان يتطلب معلومات مفصلة حول كل مظاهرة، لذلك طلبت الخلية تقارير من لجان الأمن وعملاء المخابرات في المحافظات الأكثر تمرداً، وقررت المجموعة استئجار شخص لمعالجة كافة الأوراق.

كان أحد المتقدمين هو عبد المجيد بركات، البالغ من العمر أربعة وعشرين عاماً، والذي قد حصل مؤخراً على شهادة الماجستير في العلاقات الدولية ويعمل في وزارة التعليم، وفي مقابله معه في نيسان، قام مسؤول رفيع المستوى "صلاح الدين النعيمي" بفحص سيرته الذاتية، وتساءل عما إذا كان يمكنه استخدام جهاز كمبيوتر!

 بعد ذلك، سأل النعيمي بركات كيف يمكن حل الأزمة النامية، وأجاب الشاب أنه من أجل تجنب المواجهة المسلحة، يجب على الحكومة تقديم بعض التنازلات وسن إصلاحات معتدلة، وفوجئ بركات بتعيينه، وهو من تم استجوابه من قبل ضباط المخابرات العسكرية حين كان طالباً في الجامعة، بسبب شكوك أنه ورفاقه يشاركون في أنشطة سياسية مناهضة للحكومة.

ما لم يعلمه النظام أنه وفي وقت مبكر من الاضطرابات، انضم بركات لإحدى الهيئات الثورية الأولى التي نظمت في سورية، حيث كان المسؤولين السوريين على عجلة لجعل خلية الأزمة أكثر كفاءة، وبالتالي وظفوا أعضاء من المعارضة لمعالجة المذكرات الأمنية السرية القادمة من جميع أنحاء البلاد.

وفي معظم أيام الأسبوع، كان يصل ما يقرب من مائة وخمسين مذكرة لمكتب بركات، ليقوم بفهرسة تفاصيل التهديدات التي تحيط بحكم الأسد، الاحتجاجات، تعليقات الفيسبوك، وفي نهاية المطاف... التهديدات الفعلية، مثل وجود الجماعات المسلحة، وهكذا كان بركات يقرأ كل شيء ويضع ملخصات من صياغته، ليقدمها النعيمي إلى أعضاء خلية الأزمة في كل اجتماع.

ولم يسمح يوماً لبركات بالدخول لاجتماع خلية الأزمة، لكنه رأى الأعضاء يدخلون، وأبقى النعيمي على تفاصيل محاضر الاجتماعات على أوراق بترويسة "حزب البعث"، ومن بين الضيوف الرفيعي المستوى من مسؤولي البعث، كان نائب الرئيس، والأخ الأصغر للأسد، ماهر، وهو قائد عسكري معروف بطبعه العنيف، والذي فرض عليه الاتحاد الأوروبي عقوبات لأنه "المشرف الرئيسي على العنف ضد المتظاهرين".

وفي نهاية كل اجتماع، كانت خلية الأزمة توافق على خطة لكل قضية أمنية، ثم يقوم بخيتان رئيس الخلية بتوقيع محضر الاجتماع ليتم تسليمه للأسد في القصر الرئاسي، والذي بدوره يقرأه ويوقعه بنفسه ليتم إعادتها إلى خلية الأزمة للتنفيذ، وأحياناً كان الأسد يقوم بتعديلات وشطب توجيهات وإصدار مراسيم دون استشارة خلية الأزمة، وكان بركات متأكداً أنه لم يكن هناك قرار أمني، مهما كان صغيراً إلا وحصل مسبقاً على موافقة الأسد.

وبعد فترة وجيزة من عمل بركات مع خلية الأزمة، بدأ بتسريب الوثائق، على الرغم من أن النظام كان قد ادعى علناً أنه قد سمح بالمظاهرات السلمية، وأظهرت المذكرات الأمنية أن عملاء المخابرات كانوا يستهدفون المتظاهرين والناشطين الإعلاميين بإطلاق النار عليهم بشكل عشوائي، وقام بركات بتصوير الوثائق والمذكرات في "الحمام" وأرسل الصور إلى جهات الاتصال في المعارضة السورية، والتي أحالتها إلى وكالات الأنباء العربية.

وكانت الخطة هي سرقة أكبر قدر ممكن من المعلومات ومن ثم مغادرة البلاد، ولكن كل تسريب كان يزيد الشكوك داخل المكتب، ومن الخطر بأن النظام السوري، عاجلاً أو آجلاً سوف يكتشف أن بركات هو "المخبر".

المحققون:

في أحد أيام شهر تشرين الأول، وفي الوقت الذي كان فيه "بيل وايلي" في زيارة لمنفى ليبي في النيجر، قال أنه تلقى مكالمة هاتفية من صديق، حيث عرض عليه بطلب من الحكومة البريطانية تدريب الناشطين على توثيق انتهاكات حقوق الإنسان، لكن ويلي كان لديه اقتراحاً مضاداً، أن يقوم بتدريب السوريين على جمع الأدلة التي من شأنها المساعدة في الملاحقة القضائية والبحث عن المفقودين وتحديد المسؤولية الجنائية، فكان نهجه يعتمد ليس فقط على زيادة الوعي للجرائم التي تحصل في البلاد، بل وعلى ملاحقة المتورطين فيها من الجهات التابعة للدولة، سواء قام المجتمع الدولي بمعاقبتهم أم لا بناءً على التحقيقات، ووافقت الحكومة البريطانية على الفكرة.

وايلي، والذي يعتبر نفسه "رجل ميدان، وليس رجل منصب" وصل الى الاعتقاد بأن النظام القضائي الدولي، على مستوى الإدارات العليا يعاني من "عدم الكفاءة"، فمنذ انطلاق المحكمة الجنائية الدولية عام 2002، فتحت تسعة تحقيقات، وأنفقت أكثر من مليار دولار، وتمت إدانات ثلاثة رجال فقط: اثنين من أمراء الحرب وسياسي سابق، من الكونغو، وبعد عامين، من خيبة الأمل، قدم والي طلباً ليصبح مراقباً لحقوق الإنسان للأمم المتحدة في العراق.

وفي تشرين الثاني 2011، سافر وايلي الى اسطنبول مع اثنين من زملائه لتدريب السوريين على جمع الأدلة التي من شأنها أن تكون مفيدة في محاكمات جرائم الحرب، وقال مستشار الأمن أنه تم اختيار بعض النشطاء والمحامين السوريين الشباب، الذين تمت دعوتهم لتجنيد أصدقائهم الموثوق بهم.

 وقد أعجب وايلي بشجاعتهم، لكنه اعتبر أن أساليبهم غير فعالة، فقد كان هؤلاء الناشطين يستخدمون كاميرات التصوير والفيديو والهواتف المحمولة لتصوير مقاطع عن هجمات النظام على المناطق المدنية ومن ثم تحميلها على موقع يوتيوب، وكان أول الامور التي طرحها عليهم، أن كل تلك الوسائل لا يمكن اعتبارها دليل جنائي وبالتالي هي غير مجدية، وفي الواقع، الكثير من الشباب تم قتلهم عند تصوير هذه الهجمات، وسيستمر ذلك إلى ما لا نهاية.

يقول وايلي: "ما الغاية من تصوير غارة جوية على مستشفى، فهذا لا يقدم أي دليل على أن المخطط للهجوم هم مسؤولين رفيعي المستوى، والذين يستمدون مصلحتهم من نظام العدالة الدولية، ولذلك علينا إثبات الإدانة الجنائية بشكل فردي".

في ذلك الوقت انشق الآلاف من القوات الحكومية السورية، وانضموا إلى عامة المواطنين، وقام بعض المقاتلين بصنع أسلحتهم الخاصة، وقصف النظام السوري الأراضي القليلة التي سيطر عليها هؤلاء الثوار.

وقد كان العديد من الناشطين الذين حضروا الدورات التدريبية  في اسطنبول، ممن عاشوا في المناطق المحاصرة التي كانت تتعرض لقصف النظام، وقام وايلي بتدريسهم كيفية جمع الأدلة: بدءاً بقياس حفر قذائف المدفعية وتقييم تأثيرها وجمع شظايا القذائف وتحديد أنواع الأسلحة المستخدمة، وحساب نقطة الانطلاق، يقول وايلي: "أهم ما أردنا التركيز عليه هو الوثائق التي أصدرها النظام السوري، والتي تعتبر "ملكة" الأدلة في الإجراءات الجنائية الدولية".

وبعد الدورات التدريبية القليلة الأولى، دعا وايلي "ستيفن راب"، والذي كان في ذلك الوقت سفير الولايات المتحدة لقضايا جرائم الحرب، وتحدث للسوريين الذين كانوا بالعشرات، وقرر الرجلان إنشاء مركز لإخفاء الوثائق المستولى عليها والتي يمكن استخدامها يوماً ما في المحاكمات ضد نظام الأسد.

ورغم أن الولايات المتحدة قد أنشئت لجنة تحقيق لانتهاكات حقوق الإنسان في سوريا، ولكن سلطتها لم تمتد إلى المحاكمات، وبدلاً من التعامل مع الوثائق، اعتمدت الأمم المتحدة في الغالب على مقابلات مع الشهود في مخيمات اللاجئين والسكايب، وقد قال راب بأن جميع هذه الأدلة لن تكون متاحة للمحاكمة، لأن الشهود طلبوا السرية خوفاً على انفسهم وهذه المحاكمات علنية.

وعندما عاد النشطاء والمحامين  والذين أصبحوا محققين الآن إلى سورية، وضع وايلي خطة لإنشاء لجنة العدالة الدولية والمساءلة، ووضعت ميزانية، وعلى الرغم من أن بريطانيا واصلت دعمها، إلا أن إيجاد جهات مانحة أخرى كان امراً صعباً، وكان ردهم على طلبه: "ما تقترح القيام به هو شيء تقوم به الحكومات، الأمم المتحدة، والمحكمة الجنائية الدولية"، ولكن في نهاية المطاف ومع دعم "راب" استطاعت الوكالة تأمين 3 مليون يورو من الاتحاد الأوروبي، ومن ثم تعهدت كل من ألمانيا، سويسرا، النرويج والدانمارك بتقديم تمويل ثابت.

"ملفات الأسد 2": تقرير يثبت تورط الأسد المباشر في إبادة السوريين

مقالات ذات صلة

فورين أفيرز: انتصار "الأسد" سيزيد الفوضى

"محلي سقبا": العالم يشارك الأسد وروسيا في إبادة غوطة دمشق

"أم عبود" شهيدة على أسوار "أبو الظهور"

مقتل ضابطين للنظام وقائد ميليشيا في معارك ريف دمشق

إحباط محاولة تقدم لقوات النظام بريف حماة الشرقي

مغاوير الثورة: نعمل على تشكيل جيش وطني ونرفض التعامل مع "قسد"