معركة إدلب: المنعطف الأخطر في الحرب السورية - It's Over 9000!

معركة إدلب: المنعطف الأخطر في الحرب السورية

بلدي نيوز - (تركي مصطفى) 

مقدمة

دخلت محافظة إدلب ومحيطها المحرر من جديد خط المواجهة المسلحة بين طرفي الحرب في سوريا: روسيا وحلفاؤها من جانب، وفصائل الثورة السورية من جانب آخر، ولا تزال الحرب في تصاعد مستمر على خريطة المنطقة، سواء في ريف حماة الشمالي، أو في جبل الزاوية والأرياف في حلب وجبال الساحل السوري، حقَّقت فيها قوات نظام الأسد والميليشيات الروسية والإيرانية بالتنسيق مع الطيران الروسي وذاك التابع للأسد، خرقا في جيب "كفر نبوذة وقلعة المضيق والحويز"؛ حيث تبادلت فصائل المعارضة وقوات نظام الأسد السيطرة على هذه المناطق مراراً. إلى ذلك، فإنه في ظل وجود عوامل كثيرة مرتبطة بميدان المعركة، وظروفها، وأطرافها، فإن الحديث عن الحسم العسكري، لا يزال بعيدًا، ولا ينبغي الانقياد للجلبة الإعلامية المرافقة للعدوان الروسي، التي تضخِّم المكاسب في المعركة الجارية، فيما الوقائع تشير إلى أن ما تحقق لا يتعدى مساحات محدودة، باستثناء ما يجري من قصف غير مسبوق يستهدف المراكز المدنية المكتظة بالسكان في جبل الزاوية وسهل الغاب وريفي حلب الجنوبي والغربي، فكانت حصيلته مقتل 950 مدنياً خلال شهر من التصعيد.  ورغم ذلك، من المتوقع على المدى القريب، تحقيق أمرين: محاولة مضاعفة نفوذ الروس في هذه المناطق، وتثبيت حدود جديدة، يقابله سعي فصائل معارضة إلى كسر الحدود التي يحاول الروس فرضها، مما يطيل أمد الصراع دون التوصل إلى وضع حدّ للحرب المستعرة منذ سنوات.

معركة كسر العظم

رغم تعارض أو توافق توجهات وأهداف أطراف أستانا فيما بينها حول منطقة "خفض التصعيد الرابعة"، إلا أن الطرف التركي يثابر، لإفشال أي مسعى روسي يجعل من إدلب ومحيطها المحرر نسخة أخرى لمحافظة حمص والغوطة والجنوب السوري، في الهيمنة على هذه المنطقة، ومن المبالغ القول: إن لروسيا استراتيجية طويلة الأمد لاستمرار التمدد داخل المنطقة المحررة بعد فشل العدوان؛ بل إن أحد أهداف التصعيد الروسي الكبير في القصف غير المسبوق لريفي حماة وإدلب، مع محاولات قوات النظام والميليشيات التابعة لإيران التقدم على الأرض، هو الضغط على أنقرة، كي تتوقف فصائل الثورة عن استهداف القواعد العسكرية الروسية وفقاً لاتفاق سوتشية وكي لا تتخلى، في اللحظة الأخيرة، عن صفقة الصواريخ الروسية.

هذا وقد حاولت روسيا تغيير وجهة الصراع، تكتيكياً، لزج الأتراك في عملية إسقاط منطقة "خفض التصعيد الرابعة"، واستثمار ذلك لمصلحتها، واضعة اتفاق سوتشي في مهب الريح لدفع سيناريو العمل العسكري إلى الواجهة رغم الكوارث الإنسانية جراء القصف الجوي الروسي, ولكن فشل الميليشيات المدعومة روسياً أمام الفصائل المدعومة من تركيا، حيث تكبدت القوات المهاجمة خسائر كبيرة، وتحدثت التقارير الإعلامية عن دعم جدي تلقته تلك الفصائل من تركيا بالسلاح والذخائر. مما حدا بالجانب الروسي تحميل تركيا مسؤولية وقف إطلاق النار في إدلب، واعتبر المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، في تصريحاته أن منع من وصفهم بـ"المتشددين" في إدلب من قصف أهداف مدنية وروسية، يقع على عاتق تركيا"  من هنا يمكن القول، إن التقارب الأمريكي ـ التركي الذي ظهرت ملامحه الأولية، يقابله تباعد روسي ـ تركي، بصورة أوتوماتيكية. وكانت الصورة الأوضح لهذا التباعد ما أعلنه بيان رئاسة الجمهورية التركية حول اتصال الرئيس التركي أردوغان بنظيرة الروسي بوتين،  حيث طالبه بضرورة تطبيق وقف إطلاق النار في إدلب للحيلولة دون مقتل المزيد من المدنيين وتدفق اللاجئين على تركيا، لكن الكرملين واجه المطالب التركية بالتوضيح أنه يرى أن بعض القتال ينبغي أن يستمر مما يدلل على التوتر بين موسكو وأنقرة. وقد تمظهر الخلاف الروسي التركي بالتصعيد العسكري الروسي وكذلك بالأسلحة النوعية التي ظهرت بيد الفصائل التي تتصدى للعدوان الروسي بالتوازي مع وصول تعزيزات ومؤازرات من فصائل في درع الفرات إلى ريف حماة الشمالي الغربي. ولأسباب كثيرة تنظر روسيا إلى منطقة "خفض التصعيد الرابعة"، باعتبارها تهدد وجودها كدولة احتلال، هدفا استراتيجيا، ولا مجال لأي عملية سلام تبقيها تحت سيطرة فصائل المعارضة، أو رفع سطوة الطيران جزئيا أو شكليا عنها؛ وذلك لما تمثله من قيمة متنوعة الثقل في ميزان هذه الحرب، وللمعاناة الكبيرة، التي يقاسيها الروس جراء تعرض قاعدة حميميم للاستهداف المتكرر بالطائرات المسيرة وبالقذائف الصاروخية. وعليه سيظل الخيار العسكري قائماً، مهما كان حجم الضغوط الدولية، الشيء الوحيد الذي سيردع روسيا وحلفائها هو القوة العسكرية، ولعل مؤشر ذلك، توقف تقدم الميليشيات نتيجة المقاومة التي تبديها فصائل المعارضة.  وكانت وسائل إعلام روسية نشرت صوراً لمقاتلين من القوات الخاصة الروسية، على جبهات القتال ضد فصائل المعارضة في ريف حماة الشمالي. ومع كل هذا فإن الجانب الروسي "لم يحقق نتائج ملموسة" من الحملة في المعارك الجارية.

 أجندات متضاربة

أجندات متضاربة لدى أطراف الصراع، وجميعها يقوم على ما تمثله منطقة "خفض التصعيد الرابعة" من أهمية استراتيجية بالنسبة لكل طرف؛ ويمكن رصدها بالتالي:

روسياً، تساق إدلب ومحيطها المحرر بكل ذريعة ممكنة إلى مصير أخواتها في حمص والغوطة والجنوب السوري، وما بعد ذلك من الاستغلال الجائر والممنهج، لفصائل المصالحات على نحو ما تقوم به من زجهم في معركة إدلب لتشكيل ثقل لوجستي ذو أهمية كبرى في ترسيخ احتلالها لسورية وتحويلها إلى مشروع استثماري طويل الأجل مقابل استيفاء القيمة الضخمة لفاتورة الحرب.

النظرة الإيرانية تجاه ادلب، مرتبطة بفحوى اتفاق سوتشي، وتبحث إيران عن ذرائع لتجاوز الاتفاق الذي أبرمته أنقرة وموسكو من دون أن يكون لطهران أي دور فيه، وهو ما اعتبر خطوة متقدمة في طريق تحييد الإيرانيين في سوريا. وانخرطت إيران في العمليات العسكرية مع قوات نظام الأسد وداعميه بهدف الضغط على المعارضة وتركيا للقبول بما تطرحه روسيا من حلول، وفي مقدمتها، الحل العسكري للقضية السورية لذلك تقوم بتخريب أي حل، وتعمل على خلط الأوراق لإحراج تركيا في إدلب بعد إعلان إغلاق الموانئ التركية أمام نفط إيران امتثالاً للعقوبات الأميركية. وأمام فشل روسيا عسكريا زجت بمنظمات إرهابية كــ "الحرس الثوري" الإيراني و"حزب الله" اللبناني في المعارك الدائرة في ريف حماة الشمالي مما يعني انهيار مسار "آستانا" واتفاق "سوتشي"، وكذلك هو تحدّ روسي للتوجه الدولي وبالأخص الأميركي لمواجهة الإرهاب المتمثل بالميليشيات الإيرانية التي تقاتل في ريف حماة الشمالي تحت المظلة الروسية.

في المقابل، فإن تركيا وفق التطورات الجارية والمستقبلية, تعمل على إعادة تموضعها السياسي، وبالأخص بعد التصعيد العسكري الروسي الجاري في منطقة إدلب ومحيطها، فالخلافات بينهما عميقة تتجسد  بابتعاد أنقرة عن موسكو والاقتراب من واشنطن. ويقترن هذا التحول بنشاط الإدارة الأميركية على إيجاد صيغة تفاهم بين حليفيها التركي والكردي بشأن مصير شرقي نهر الفرات، للوصول إلى اتفاق يلبي مصالح هذين الطرفين. الهدف الأمريكي من ذلك هو حشد الحلفاء لمواصلة الضغط على إيران وصولاً لطرد ميليشياتها من الأراضي السورية. وللضغط المستمر  على روسيا لكي لا تستفرد بتقرير مصير سوريا بما يناسبها. لأنّ إصرار روسيا على استمرار النهج العدواني يعني التأثير السلبي على العلاقة مع تركيا، أي وضع عثرة جديدة بين البلدين أمام الرغبة في تعزيز وتطوير العلاقات الثنائية ونقلها إلى الإطار الاستراتيجي، بالإضافة إلى الانزلاق نحو مزيد من التعثّر في مسار أستانة والتشكيك بمدى قدرته على أن يكون مستنداً للحل، وبالتالي تكريس انسداد الأفق الذي يواجه ملفاته. وهذا يعني إخفاقاً في مقاربة روسيا إزاء دعواها في إعادة الإعمار واللاجئين واللجنة الدستورية وغيرها. ورغم التطورات التي تشهدها محافظة إدلب لم تسحب تركيا نقاط المراقبة الـ12 التي نشرتها بموجب اتفاق آستانة، واستمرت بتعزيزها خصوصاً نقطة شير المغار في جبل شحشبو التي قصفتها قوات النظام ومحيطها أكثر من مرة ما أدى إلى إصابة جنديين تركيين. وأكد وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، "أن الجيش التركي لن يسحب عناصره من نقطة شير المغار أو من أي مكان آخر".

خلاصة

الواضح في المشهد الآن، أن روسيا وحلفائها من جهة، وفصائل المعارضة ومعها تركيا من جهة أخرى، يدركون قيمة إدلب ومحيطها، وما تشكله من ثقل في معادلة الصراع السوري، وأن الاستراتيجية الروسية المتبعة في إدارة المعركة الجارية، بشقيها السياسي والعسكري، هي استراتيجية "الخطوة خطوة" أي التفاوض مع محاولة التقدم على الأرض، فيما تناور فصائل الثورة سياسيا مع تشبثها المستميت بالأرض، ومحاولة إحداث اختراقات في المناطق، التي خسرتها. وإن ما تواجهه تركيا من تحديات، وما يدور بينها وبين روسيا من تنافس قد يفضي إلى اتساع الفجوة بينهما، ويؤدي إلى تصدّع تحالفهما، سيما مع استمرار التصعيد العسكري، ولا أدل على ذلك من زج روسيا بالميليشيات الإيرانية في المعركة الجارية ولعل هذا ما سيجعل الحديث عن العودة لاتفاق سوتشي ضربا من الأماني, ويشكل المنعطف الأخطر في الحرب السورية.

مقالات ذات صلة

الشرع وفيدان يناقشان تعزيز العلاقات بين سوريا وتركيا

أردوغان: لدينا تواصل مستمر مع الإدارة الجديدة في سوريا

تجار هولنديون يبدون رغبتهم لتجديد تجارتهم في سوريا

قسد تقترح حلا لمدينة عين العرب شمال شرق حلب

مشروع خط غاز "قطر - تركيا" يعود إلى الواجهة من جديد

أزمة حادة في اليد العاملة بتركيا بعد عودة عدد كبير من العمال السوريين إلى بلدهم

//