بلدي نيوز- (فراس عزالدين)
نقلت قناة "سي إن إن" عن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قوله؛ "لا نتطلع لإيذاء إيران"، عبارةٌ تختزل طبيعة العلاقة الثنائية بين الطرفين، رغم ارتفاع وتيرة التصعيد منذ دخول ترامب البيت الأبيض، وتبنيه شعاراتٍ مناهضة لطهران في حملته الانتخابية.
وتأتي هذه التصريحات عقب التوتر الأخير بين الطرفين على خلفية التصعيد الملحوظ خلال الأسبوع الفائت، الذي شهد إرسال واشنطن حاملة الطائرات "أبراهام لينكولن" مع عدد من القاذفات إلى الخليج، قبل أن تزرع منظومة صواريخ باتريوت الدفاعية في المنطقة.
لماذا التصعيد؟
ﻻ تسعى واشنطن إلى كسر "فزاعتها" التي استخدمتها لابتزاز ونهب المال الخليجي، وهذا اتضح في كثيرٍ من المحطات الدبلوماسية، بالمقابل تدرك طهران حجمها ودورها في المنطقة، لكن ذلك لم يمنع طموحاتها من التمدد لإعادة أمجاد إمبراطوريتها الفارسية، مستغلةً مكانتها الدينية "المذهبية"، بالتالي محاولاتها تلك تكسبها دائماً هامشاً من القوة وتعطيها القدرة التفاوضية على طاولة السياسة.
الواضح أنّ ارتكاز السياسة الأمريكية إزاء الإيرانية تسير بتناغمٍ دقيق يقطع الطريق على حدوث صدام مباشر، لكنه ﻻ يمنع من تقليم واشنطن أظافر طهران.
بازار سياسي
يجمع المراقبون أنّ الطرفين يجمعان المواقف المتناقضة، في حالةٍ من المزاوجة بين التهديد والتهدئة، ويمكن أن نلمس ذلك في تصريحاتٍ لكلا الجانبين، فقد قال وزير الخارجية الإيراني، جواد ظريف، إن "ترامب لا يريد مواجهة عسكرية مع بلاده، لكن بعض المحيطين به هم من يدفعونه إلى الحرب”.
ترامب نفسه قال يوم الخميس الفائت، رداً على سؤال حول ما إذا كان خيار الحرب مع إيران قائماً؛ "ما أريده هو أن أراهم يتصلون بي".
ويمتاز الإيراني والأمريكي بالقدرة الهائلة على التفاوض والمقايضة، ولا يمكن أن نغفل أنّ ترامب يجمع في شخصيته بين السلطة والمرونة باعتباره رجل أعمال، وهو من وصف بـ "رجل الصفقات والضغط على الخصوم وابتزاز الحلفاء".
بالنتيجة؛ يلعب الطرفان على حبالٍ سياسية متماسكة قد ﻻ يعني الوصول إلى الصدام بقدر ما تهدف إلى تحصيل مزيدٍ من المكاسب أو التنازلات.
كما أنّ واشنطن تمتلك مفاتيح القوة، ولديها باعٌ طويل في تحصيل الربح بأقل تكلفة ممكنة، وأقرب مثال ملف كوريا الشمالية، وبالتالي؛ المنتصر في عقد الصفقة من يستطيع التحمل أكثر في لعبة "عض الأصابع"، والتراشق العنيف إذ يفضي في النهاية إلى الدخول في مسارات التفاوض السياسي، ويدرك الطرفان هذه الحقيقة.
تتقاطع المصالح الأمريكية والإيرانية؛ فالأولى تحتاج إلى سطوة طهران التي تستحوذ على الملف الطائفي في المنطقة العربية، ما يجعل إمكانية إشعاله وإخماده سهلاً فضلاً عن كونه شماعةً وحاجةً بين الحين والآخر، بعد أنْ صار اللعب الأمريكي على المكشوف، وتدرك طهران جوهر دورها.
بالتالي؛ ﻻ يوجد ما يؤكد قيام حربٍ مباشرة ولا ينفي حدوث تقليم مخالب بالوكالة، بل ثمة ما يرسم ملمحاً واضحاً أنها لغة التنافس على توزيع المكاسب والعوائد بين التجار.
من جهة أخرى، طهران تعي تماماً خطورة استعداء واشنطن ولا تملك القدرة على خوض حربٍ عسكرية، على الأقل لأنّ الشارع الإيراني يعيش اضطراباً في الفترة الأخيرة، بسبب تردي الوضع الاقتصادي، نتيجة العقوبات المفروضة على حكومته، وإنهاك قدراته العسكرية في سوريا، التي كشفت عن ضعف التخطيط والحنكة القتالية لدى الإيرانيين.
أريدهم أقوياء
"أريدهم أن يكونوا أقوياء وعظماء، وأن يمتلكوا اقتصاداً عظيماً، ولكن عليهم الاتصال، وإذا فعلوا فنحن جاهزون للتفاوض معهم"، تلك العبارة التي قالها الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، تختصر جملة طويلة من البحث في ثنائية العلاقة السياسية بين الجانبين، فالرجل واضحٌ تماماً على عكس الثعالب التي سبقته إلى البيت الأبيض.
وبحسب قناة (CNN) فإنّ مقربين من الإدارة الأمريكية، يعتقدون أن هناك اختلافا ً في الرؤى بين ترامب ومستشاريه حول طريقة التعامل مع إيران، إذ يعارض الأول فكرة التدخل العسكري خارجياً، ويعمل على تخفيف حدة تصريحات مستشار الأمن القومي الأمريكي، جون بولتون، في حين أنّ الأخير يريد الحرب.
إذاً؛ واشنطن تسعى جادةً لجعل طهران تمتلك القوة، لكن ضمن حظيرتها ووفق سياساتها باعتبارها "فزاعةً" تستطيع تحقيق الكثير من المكاسب للولايات المتحدة الأمريكية إقليمياً، وهذا هامش القوة الذي يجعل الإيرانيين يلعبون بحرية ضمنه، ويجعلهم يثقون بأنّ محاربتهم لن تفيد الطرف الأخر.
ترامب ترك رقم هاتفه مع السويسريين، الذين يمثلون إيران في علاقتها الدبلوماسية مع أمريكا، ليكون صلة التواصل في حال رغبت طهران بالتفاوض مع واشنطن.