Business Insider – ترجمة بلدي نيوز
فاجأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين العالم الأسبوع الماضي عندما أعلن أن موسكو سوف تسحب "الجزء الرئيسي" من وجودها العسكري في سوريا، والذي بقي لمدة أربعة أشهر بعد دخول الحرب نيابة عن الرئيس السوري المحاصر بشار الأسد.
وحاول المحللون السياسيون جاهدين معرفة السبب وراء قرار بوتين المفاجئ، ولا سيما في ضوء فعالية الحملة الروسية في دعم الجيش السوري واستعادة الأراضي من الثوار نيابة عن النظام.
"جيف وايت"، الخبير بالشؤون الدفاعية في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، قال لصحيفة "بزنس إنسايدر": "أجد من المثير للاهتمام أن بوتين ترك بعض المهام العسكرية المهمة التي لم تنته في سورية، فمهمة تطويق حلب لم تكتمل، كما أن الثوار ما زالوا يحتفظون بموطئ قدم في اللاذقية، وسيطرة المعارضة على مدينة إدلب لم تتعرض لمواجهة عسكرية حقيقية، كما أن موقف النظام السوري في درعا صعب جداً".
وفي الواقع، أعقب تدخل روسيا في أواخر أيلول، هجوماً من النظام السوري لاستعادة أكبر المدن السورية، حلب، من قوى المعارضة، ومنذ اواخر تشرين الثاني، كانت الضربات الجوية الروسية تحول بؤرة الحرب باتجاه الممر الشمالي لحلب من تركيا، عبر بلدة "إعزاز"، وحققت القوات الموالية للحكومة انتصاراً كبيراً في كانون الثاني، عندما كسروا حصار الثوار على قريتين شمال غرب حلب "نبل والزهراء" وقطعوا إمداد تركيا إلى المعارضة السورية.
ولكن، كما يشير "وايت"، بقيت حلب خارج قبضة النظام، ولم يكن التحدي الأخير الأخطر للأراضي التي يسيطر عليها الثوار في إدلب، النظام السوري، بل فرع تنظيم القاعدة في سورية، وهي جبهة النصرة.
وقد حققت القوات الموالية للنظام بعض المكاسب ضد الثوار في شمال اللاذقية، ولكن إلى حد كبير لا تزال تخوض في طريق مسدود، كما أن السيطرة على محافظة درعا الجنوبية لا تزال منقسمة بين تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة التابعة للقاعدة، ومختلف جماعات المعارضة المسلحة.
جوليان بارنز داسي، وهو زميل بارز في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، قال لـ"فوكس نيوز" الأسبوع الماضي، "في حين سمحت روسيا للنظام السوري بترسيخ سيطرته على جوهر سورية، إلا أنها لم تفعل ما يكفي لتحقيق فوز واضح له في الأفق".
ومن غير الواضح ما إذا كان بوتين يهدف في أي وقت مضى إلى "نصر كامل" في سوريا، أو ما يمكن أن يبدو عليه هذا النصر لزعيم روسي معروف بتحركاته التكتيكية أكثر من تفكيره الاستراتيجي على المدى الطويل.
في الواقع، وكما يقول "مارك غالوتي"، وهو خبير في الشؤون الأمنية الروسية وأستاذ الشؤون الدولية في جامعة نيويورك في رسالة بالبريد الالكتروني بأن "النصر العسكري الأسطوري" في سوريا لم يكن أبداً جزءاً من خطة روسيا".
ولكن الحقيقة أن بوتين أمر روسيا بالتصعيد في لحظة حاسمة قبل انهيار الأسد -من دون إنهاء ما بدأه- وهي في الواقع جزء من سياسة روسية أوسع للحفاظ على نفوذ موسكو في محادثات السلام في جنيف.
فبواسطة تصعيد الوجود العسكري الروسي في سوريا، يهدف بوتين إلى نقل المسؤولية لوضع حد للعنف بعيداً عن موسكو... إلى واشنطن، في حين يبين للمجتمع الدولي -والأسد– أن له الفضل لبقاء نظام الأسد الحالي، يقول "وايت": "بوتين يعتقد أن الأهم الآن هو التركيز على المعركة الدبلوماسية في جنيف بدلاً من ساحات المعركة السورية، وروسيا بارعة في تحويل تركيزها بين الأمرين"، وأضاف: "ولكن من المهم أيضاً أن ندرك أن من السهل على بوتين تحويل التركيز إلى ساحة المعركة مجدداً إذا اعتقد ان محادثات جنيف لا تسير بشكل جيد بما فيه الكفاية".
ويتفق الكثير من الخبراء أن وجود روسيا المستمر في طرطوس واللاذقية –والإبقاء على قواعد جوية وبحرية في سوريا- يعني أن "الانسحاب" ليس أكثر من مسرحية، وفي الواقع، يقول "وايت": "روسيا قد أظهرت أنها قادرة على تحريك قواتها الجوية مجدداً، وبسرعة إلى سورية، حسب الحاجة".
لكن مارك كريمر، مدير مشروع دراسات الحرب الباردة في مركز ديفيس للدراسات الأوروبية الآسيوية الروسية وجامعة هارفارد، يقول بأن قرار بوتين لسحب جزء من قواته دون تأمين نصر حاسم للأسد.. هو باختصار خطته من البداية، وأن القوات الروسية قد أنجزت ما تم إرسالها من أجله وهو بالتحديد: تحقيق الاستقرار لقبضة الأسد على السلطة، ودعم نظامه، وبأن لا تكون الحرب هزيمة مهينة للنظام السوري"، وأضاف: "وكانت للعمليات الجوية فائدة إضافية لروسيا من ناحية إعطاء سلاح الجو الروسي "المنقذ" دعاية جيدة".
وكتب "غالوتي" في إيميل لبزنس إنسايدر أن إعلان الانسحاب من بوتين هو "ضربة معلم" في السياسة، فبهذه الطريقة يطمئن بوتين جمهوره الروسي بحرصه على روسيا، ويقلل من الضعف الروسي عند الهجمات الكارثية، ويظهر نفسه كرجل دولة، فبعد الخطأ الكارثي في "دونباس" ورغم إهماله للسياسة الداخلية، يبدو بوتين كزعيم مخضرم في السياسة الخارجية على أعلى المستويات".