بلدي نيوز - (لانا عبد الحميد)
يتم تعريف مصطلح "عمالة الأطفال" حسب منظمة "اليونيسيف" "بأنه كل جهدٍ يقوم به الطفل يؤثر على صحته الجسدية والعصبية والعقلية، ويتعارض مع تعليمه الأساسي، وهو العمل الذي يضع أعباء ثقيلة على الطفل، ويستغله اقتصادياً مؤدياً إلى تهديد سلامته وصحته.
ظاهرة "عمالة الأطفال" ليست جديدة في سوريا، ولكن ازدادت بشكل كبير في السنوات الثمان الماضية، والشريحة العمرية التي يجب عليها أن تكون في مرحلة التعليم الأساسي، هي المتضرر الأكبر من هذه تفشي هذه الظاهرة، وخاصة الأطفال الذكور حيث يعمل أغلبهم في (الورشات الفنية لإصلاح السيارات، وأعمال صيانة الميكانيك، والحدادة، والدهان، والبلاط، وجني المحاصيل الزراعية).
أسباب انتشار الظاهرة
تبلغ نسبة الأطفال السوريين العاملين ٢٠% من إجمالي نسبة العاملين مقارنة بـ قبل الثورة، حيث كانت الإحصائيات تشير إلى نسبة ١٠٪، مما يعني أنَّ عدد الأطفال الذين انخرطوا ودخلوا في سوق العمل تضاعف في الحرب.
ويرى مختصون أن ما دفع إلى ازدياد ظاهرة عمالة الأطفال هي "الحرب الطاحنة"، وغياب المعيل الرئيسي، وانخفاض مستوى الدخل الشهري للأسرة، والنزوح المتكرر بين المناطق بحثاً عن الأمان مما يدفعهم لعدم الاستقرار وازدياد أعباء الحياة.
ظاهرة عمالة الأطفال، التي باتت منتشرة بشكل كبير، تدعو لدق ناقوس الخطر؛ فهي سوف تنتج جيلاً من الأطفال لا يقرأ ولا يكتب ولا آفاق لمستقبله، وجهلاً يدعو للخوف.
الطفل "سعيد" ١٤ عاماً، يعمل "عتالا" بسوق الهال في مدينة إدلب، عبر عن أمنيته بالعودة إلى المدرسة، وقال لمراسل بلدي نيوز "لا أحب العمل، ولكن والدي يجبرني على العمل لأحضر له النقود، أريداً أن أتعلم وأن أصبح أستاذاً".
أما الطفل "محمود العمر" ١٢ عاماً، قال لبلدي نيوز إن ما أجبره على العمل هو استشهاد والده؛ فهو المعيل الأكبر للعائلة لامه ولأخوته الثلاثة، ويضيف "لا يوجد معيل لنا، أعمل بورشة النجارة كي أساعد والدتي بمصروف البيت وإيجاره، المدرسة حلم لي صعب المنال ليتني أذهب للمدرسة كباقي الأطفال.
المخاطر والحلول
الكثير من المعتقدات الخاطئة التي سيطرت على مجتمعنا، كعدم جدوى الاستمرار في التَّعليم في ظل هذه الظروف الصعبة؛ فمهنة تؤمن لهم مستقبلا آمنا أفضل بكثير من المدارس.
ثقافة المجتمع وقلَّة الوعي والمستوى الثقافي للأهل يؤثر بشكل كبير على توسُّع ظاهرة عمالة الأطفال وتفاقمها.
يقول "محمد المصطفى"، وهو أستاذ في إحدى مدارس ريف إدلب، لبلدي نيوز إن فقدان آلاف الأسر السورية للمعيل، يترتب عليه، دخول طفل أو أكثر في سوق العمل، ما يعني أننا أمام ظاهرة مخيفة، تهدد بحرمان أجيال سورية قادمة من حقها بالتعلم.
الكثير من المنظمات تحاول جاهدة التصدي لخطر ظاهرة عمالة الأطفال، وتؤمن برامج توعوية في سبيل الحد منها سواء بالتواصل مع رب العمل او مع الأهل بشكل مباشر.
"أسمهان قصاب" تعمل في قسم "إدارة الحالات" في "منظمة شفق"، تقول لبلدي نيوز إن الطفل الذي يمارس عمالة بمستوى خطورة عالي، ستؤثر على صحته وحياته الاجتماعية، نستطيع أن ندرجه بمراكز تعليم مكثفة تعوضه عن المراحل النفسية الصعبة التي مر بها بالتعاون مع الشخص الذي يعمل معه لتخفيف عدد ساعات العمل، وذلك بعد الوصول لحالة الرضا والاقتناع من قبل صاحب العمل بأن هذا لمصلحة الطفل".
وتضيف قصاب "من جهة ثانية عندما يكون العمل يسبب الجهد الكبير للطفل، ويؤثر على صحته، نستطيع أن نربط الطفل بمراكز مهنية لنغير العمل، كمركز لتعليم تصليح أجهزة الكترونية أو تقديم مبادرات بمبالغ صغيرة لتعليم الأطفال المهن كالحلاقة وتأمين مستلزماتها؛ فهي مهنة آمنة؛ وتحقق فائدة اقتصادية في حال تدني مستواه التعليمي".
أما بالنسبة للأهالي، تقول قصاب "نقوم بزيارة الأهل عدة زيارات وندعوهم لحضور جلسات توعية في المركز المجتمعي تتكلم هذه الجلسات عن الآثار السلبية على الأطفال ونحاول توجيه الأهالي لمراكز إغاثية لمساعدتهن اقتصادياً وتأمين الاحتياجات الأساسية وتوعية الأهل عن أهمية التعليم في تحديد مستقبل أطفالهم والمخاطر التي سوف تنشئ نتيجة عدم تعليمه والتحاقه بالعمالة".
وتعتزم جامعة الدول العربية إطلاق أول وثيقة عربية للتصدي لظاهرة عمالة الأطفال ودراسة إقليمية بعنوان "عمل الأطفال في الدول العربية"، الخميس المقبل، بالتعاون مع منظمة العمل الدولية ومنظمة العمل العربية والمجلس العربي للطفولة والتنمية ومنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة الفاو. تأتي هذه الدراسة، التي شارك في إعدادها خمس منظمات عربية ودولية، إدراكاً لخطورة هذه القضية في ظل المتغيرات والمستجدات الراهنة التي تواجهها المنطقة العربية، وما شهدته من تزايد في الاستخدام المباشر وغير المباشر للأطفال، التي تمثل أسوأ أشكال عمل الأطفال في قطاعات العمل، وفي الأنشطة غير المشروعة بما في ذلك الاتجار بهم واستخدامهم في الأعمال الخطرة.
وتمثل خطوة أساسية لحث الدول الأعضاء على التدخل الفعال لدرء تفاقم هذه الآفة، من خلال تطبيق الأطر القانونية والتشريعية، والعمل على وضع سياسات لتوفير الحماية الاجتماعية والحد من الفقر.