بلدي نيوز- (ليلى حامد)
نهار دمشق مثل ليلها، ومن عاش تجربة المسير في شوارعها قبل الحرب وبعدها أدرك أنه يمشي بين حاراتٍ أخرى في مكانٍ ﻻ يعرفه. وجوهٌ غريبة وعتمةٌ مريبة. ثمة شبه إجماع على ذلك الرأي، وإن تنوعت اﻻتهامات للفساد في المفصل اﻻقتصادي واﻹداري أو حتى سوء اﻷخلاق.
"أم محمد" موظفة حكومية، تعيش في العاصمة السورية دمشق، تقول لبلدي نيوز؛ "أخاف على أبنائي الثلاثة، عودتهم من الجامعة ومدارسهم والتي كلفتني إصابةً بمرض السكر؛ تأخّر أكبرهم سناً قبل نحو شهر، تعرضنا لحالة ابتزاز، فديناه بألف دوﻻر".
حالات الخطف ليست جديدةً، إنما بدأ مسلسلها مع أولى سنوات الحراك الشعبي ضد نظام اﻷسد؛ إﻻ أنّ إحكام سيطرة ميليشيات اﻷسد على دمشق ومحيطها، أفرز أشكاﻻً جديدةً لتلك الحلقات التراجيدية.
تستطرد أم محمد؛ "قد ﻻ يكون المبلغ كبيراً أمام أرقامٍ خيالية سمعنا عنها، لكن المؤسف أن تعلم بعدها وقوف أحد معارفك خلف القصة، والفدية تناسبت مع وضعنا المالي".
المحامي أحمد خلف "اسم مستعار"، من أبناء دمشق، يؤكد أنّ كثيراً من حالات الخطف المنتشرة ﻻ يعلن عنها، وتحل بعيداً عن أعين أجهزة اﻷمن، والسبب بحسب قوله؛ خشية الناس أن يصار إلى دفع مبلغٍ للخاطف، وهديةٍ بمبلغٍ يحدد مسبقاً للضابط المكلف في التحقيق بالقضية، وإنما يتم توسيط شخصٍ ما يتفق عليه بين الجاني وأهل المخطوف، وتبقى بعض تلك القصص طي الذاكرة، وفي أدراج المحامين إن تم توسيط أحدهم.
تحوّلت شوارع العاصمة إلى شبه ثكنةٍ عسكريةٍ تنوعت فيها جنسيات أولئك الذين يرتدون الزي العسكري، تعرف انتماءهم من عصبةٍ وضعت على أيديهم، عصائب وألوية وغيرها من المسميات، لكن وجودهم المستمر لم يمنع بل فاقم اﻷزمة، حسب الكثيرين ممن يعيشون اليوم داخل حدود العاصمة.
"مهند" شاب فرّ من دمشق إلى ألمانيا، ليكمل دراسة الطب البشري، حاله كحال الكثير من الشباب، ورغم أنه وحيد وغير مطلوبٍ للخدمة العسكرية، لكنه تعرض لمواقف وابتزازاتٍ مالية مرتين، فضل على إثرها توديع "شام الياسمين والحلم" كما يصف مدينته.
مضيفاً، "أغادرها وقلبي يتفطر، لدي من اليقين بأني سأعود، ولكن ليس قريباً، على اﻷقل حتى تختلف الظروف السياسية، ويزاح بشار اﻷسد".
على عكسه قرر عماد الفارس "اسم مستعار"، من الطائفة الدرزية، ويعيش في حي جرمانا قريباً من دمشق، البقاء، مؤكداً لبلدي نيوز، أنّ الهروب ليس حلاً، ومضيفاً، "التركيبة الطائفية التي غلبت وجه سوريا اليوم أعانتني على بقائي في بلدي، ربما أكتوي بنار الفساد وعدم اﻻستقرار، لكنه خيارٌ يعصم من الغربة".
مضيفاً بسخريةٍ تؤكدها كلماته، "لن يفكر أحدٌ ما بخطفي، ﻻ قريبٍ وﻻ بعيد، جيوبنا فارغة، خطفي سيكون تكلفةً مؤلمةً وباهظةً للخاطف، إذ عليه إطعامي وتهيئة بعض الظروف المناسبة لي، ثم ينتهي إلى ﻻ شيء". مستطرداً، "الفقراء ليسوا هدفاً للخاطفين".
القصة التي عاشتها "أم محمد" الموظفة الحكومية، تخالف رأي "عماد فارس"، وإن لم تصل إلى مرحلة تعميمها كظاهرة في المجتمع، لكن حكايات أخفتها جدران بعض البيوت وفضلت عدم الكشف عن تفاصيلها كأسرة "أبا فهد" التي سكنت دمشق هرباً من دير الزور تشي بوجود خللٍ وخشيةٍ وانفلاتٍ أمني تعيشه العاصمة السورية.
البحث عن اﻻستقرار داخل دمشق يبدو أنه تحول حلماً في ظل الظروف التي تعيشها حكومة اﻷسد المتهالكة كما يصفها كثيرٌ من الموالين، فما بين الابتزاز والفساد مطرقةٌ فوق رؤوس الذين اختاروا وفضلوا عدم مغادرتها، جميعهم يسأل إلى متى؟ وإجابةٌ تحمل يقيناً بأنّ "الشجرة مهما طالت لم ولن تصل إلى السماء"، وحتى ذلك اليوم كل أحباب دمشق يحاولون تحويل ليلها إلى نهار.