بلدي نيوز - (عمر حاج حسين)
أعلن الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب"، سحب قواته من الأراضي السورية.
تصريحات ترامب فتحت عدداً كبيراً من التساؤلات حول هذا الإعلان المفاجئ من حيث التوقيت، والهدف من وراء ذلك، ومن سيسد الفراغ الذي سيحدثه الانسحاب الأمريكي، فضلاً عن مصير قوات سوريا الديمقراطية "قسد" عقب الانسحاب الأمريكي من "ديرالزور - الحسكة - الرقة - ريف حلب الشرقي".
وينتشر في الوقت الراهن قرابة 2000 جندي أمريكي في شرق سوريا، ويقاتل العدد الأكبر منهم إلى جانب قوّات سوريا الديمقراطية التي تتألّف من تجمّع لعدد من القوّات بقيادة كردية.
ماذا قال ترامب؟
غرد الرئيس الأميركي دونالد ترامب قبل ساعتين من الآن على تويتر، قائلا "لقد هزمنا تنظيم "داعش" في سوريا، وكان ذلك السبب الوحيد لوجود قواتنا هناك خلال فترة رئاستي"، لتتسارع التصريحات بعدها، ونقلت وكالة رويترز تصريحاً عن مسؤول أمريكي بارز، بقوله: "إن الإطار الزمني المتوقع لإنسحاب القوات الأمريكية من سوريا سيكون بين 60 إلى 100 يوم".
هذا القرار الامريكي المفاجئ جاء متزامناً مع التحضيرات التركية للمعركة الوشيكة ضد الوحدات الكردية في شمال شرقي سوريا، وإن حدث الانسحاب سيفتح تساؤلات عديدة عن مصير المنطقة ومصير مناطق قوات سوريا الديمقراطية التي تسيطر عليها في المحافظات الشرقية الثلاث.
مصير المنطقة الشرقية
يقول الناشط "محمد زين" وهو أحد أبناء مدينة ديرالزور ويقطن مخيم "هجين" لبلدي نيوز: "هنالك أربعة سيناريوهات تنتظر المنطقة إن حصل الإنسحاب الأمريكي، (أولاً) عودة الجيش السوري الحر بغطاء تركي، والمتابعة لما بعد المنطقة المحددة للعملية، والذريعة موجودة ألا وهي محاربة تنظيم "ي ب ك" و"ب ي د" الذي يهدد الأمن القومي التركي (حسب التصريحات التركية) وملاحقته حتى أخر أماكن يسيطر عليها، حتى ديرالزور والدافع موجود لدى الفصائل المقاتلة مع الجيش التركي كون أغلبها من تلك المحافظات الثلاث وعلى رأسهم أحرار الشرقية وقائدهم (حاتم ابو شقرا) الذي ذكر في أكثر من مناسبة أنهم سيواصلون حتى ديرالزور ويقاتلون النظام وداعش و "ب ي د" و"ي ب ك".
وأضاف "هناك خيار آخر وهو عودة نظام الأسد للمنطقة وهذا وارد جداً كون الإدارة الذاتية الكردية غازلت في أكثر من مرة النظام السوري ودعته لحماية أراضيه من تركيا (حسب تصريحاتها)؛ فنظام الأسد ومن خلفه الراعي الروسي والحليف الإيراني يضعون نصب أعينهم السيطرة على نفط ديرالزور وعبور الفرات، والسيطرة مجدداً على الرقة وكامل الحسكة، وحصول هذا الامر وارد جداً.
وتابع "من المتوقع تمدد تنظيم داعش من جديد وإعادة تجميع نفسه إذا ما حصل الإنسحاب الامريكي وتُركت "قسد" لوحدها أمام التنظيم، وبالتأكيد فإن "قسد" لن تبقى في ديرالزور وستواصل استنزاف قواتها في معارك طويلة ومتعبة ضد تنظيم "داعش" في منطقة بعيدة جداً عن مركز سلطتها، سيما أن الراعي الأكبر لمكافحة "داعش" هم الأمريكان، ممّا يفتح الخيار أمام داعش للعودة وهذا خيار صعب ربما، كون وجود قوة عشائرية لا ترغب بوجود التنظيم وستقاتله حتى النهاية.
توقيت إعلان الإنسحاب
يقول الصحفي والكاتب "فراس علاوي" لبلدي نيوز: "أعتقد تلك التصريحات هي مناورة سياسية الهدف منها خلط الأوراق في المنطقة والضغط على بعض الدول المستفيدة من الوجود الأمريكي الرامي لتحجيم دور إيران في المنطقة، وبالتالي ضغط سياسي عليها من أجل الوصول لصيغة أخرى للوجود الأمريكي تناسب تصريحات ترامب بأننا لا نقدم خدماتنا مجاناً وأعتقد الرسالة موجهة بالدرجة الأولى إلى دول الخليج ومن ثم الاتحاد الأوربي من أجل زيادة تواجده في المنطقة، وكذلك إلى روسيا وتركيا، لذلك فإن التصعيد السياسي الأمريكي الهدف منه هو خلط الأوراق في المنطقة".
وعن توقيت الانسحاب، قال علاوي: "التوقيت مهم حيث يأتي في المراحل النهائية لمعركة هجين ضد التنظيم، وفي وقت يحتاج فيه الأكراد لدعم أمريكي. أعتقد أنها رسالة لجميع الأطراف بأن التواجد الأمريكي مرتبط باستقرار المنطقة لكن الأمريكان لن يتحملوا تكاليف بقاءهم فيها
الأمر مرتبط بتفاهمات أخرى مع روسيا. وأعتقد أيضاً أن الوجود الأمريكي في شرق الفرات هو وجود طويل الأمد".
المحلل السياسي "قحطان الشرقي"، يقول لبلدي نيوز "أعتقد أن هذه التصريحات الأمريكية، هي جس نبض للقوى الدولية المتصارعة على الأراضي السورية، ولا تبتعد عن هدف منع نشوء طريق يمر من طهران إلى بيروت، وتأتي في سياق هندسة الصراعات الدولية القادمة، وأعتقد أنه لا يوجد انسحاب كامل، إنما سوف يقتصر الانسحاب على بعض النقاط، وتبديل القوات من مواقعها، سواء المتواجدة في شرق الفرات أو في التنف، وكنا قد سمعنا هذا التصريح سابقاً، وتبين فيما بعد أن التصريح بهدف إلى تمويل هذه الخطوات من الدول الخليجية".
وأضاف: "تلك التصريحات تأتي أيضاً في سياق اختبار حلفاء واشنطن بالشرق الأوسط وإرسال رسالة تركية مفادها (إن هذه القوات سوف تنسحب)
في مؤشر على إعطاءها ضوء أخضر، في حال صح هذا التصريح، وذلك لتطهير المنطقة من الميليشيات الكردية بالإضافة إلى أن السياسة الأمريكية في المنطقة من خلال التطورات السابقة، أنه لا يوجد استراتيجية حقيقية في سوريا، ويبدو أنها تتفاعل مع الحدث دون وجود فعل على الأرض، حيث رأينا في وقت سابق عدّة تصاريح في الإدارة الأمريكية، وهي متناقضة، ويوم أمس صدر بيان من الإدارة الأمريكية تأييداً لسير أنقرة في سوريا، وفي المجمل أعتقد أن السياسة الأمريكية غير منسجمة في خطة استراتيجية واضحة وتحاول إطلاق بالونات اختبار لكافة القوى الدولية المتصارعة على الأراضي السورية".
يقول حسن مصطفى، وهو عضو مجلس منبج العسكري بريف حلب لبلدي نيوز "إن الولايات المتحدة الأمريكية صرّحت في أكثر من مناسبة بشأن انسحاب قواتها من سوريا منذ بداية مطالبة تركيا والجيش السوري الحر، في المناطق المحتلة من قبل قوات "قسد"، كان آخرها اليوم والتي سبقها بساعات زيارة وفود من القوات الأمريكية في مدينة منبج ولقائهم مع الأتراك، وتجول المدرعات التركية في شوارع المدينة.
وأضاف إن قوات "قسد" بقيت فترة طويلة متمركزة في "سد تشرين" قبيل دخولها مدينة "منبج" بسبب رفض تركيا لذلك الأمر وبعد تنسيق الأمريكان مع تركيا وتلقي الأخيرة وعود بانسحاب "قسد" بعد شهور بعد تحرير منبج من "داعش"، بيد أن أمريكا ماطلت في ذلك الوعد لحين ما سمعناه اليوم على لسان الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" بالإنسحاب من سوريا.
وتابع "ختاماً؛ فإن الولايات المتحدة الأمريكية هدفها تركز مؤخراً التوسّط في الصراع بين تركيا وقوات سوريا الديمقراطية "قسد" كان آخر توسط لها وهو مشروع (خطة الجربا والذي يتمثل في نشر قوات "النخبة" على الحدود السورية التركية)، حيث ما زالت تركيا الشريك الإقليمي الأصلح في حرب لا تتاح للولايات المتحدة فيها الكثير من الخيارات، على الرغم من تدهور علاقاتها مؤخراً مع الغرب، وستؤدّي مساهمات تركيا في قيام جهود احتوائية في سوريا دوراً كبيراً في إحداث استقرار في البلاد وتأمين مصالح الولايات المتحدة وحلفائها والمساعدة على تشريع الانخراط الأمريكي في سوريا.