في إدلب تقرع طبول الحرب.. هل تشهد المنطقة الانفجار الكبير؟ - It's Over 9000!

في إدلب تقرع طبول الحرب.. هل تشهد المنطقة الانفجار الكبير؟

بلدي نيوز - (تركي المصطفى)
مقدمة
بلغ الصراع على إدلب ذروته في الآونة الأخيرة، متسما بالتعقيد الشديد، وتضارب استراتيجيات أطراف الصراع فيما بينها، ويبقى الثابت الوحيد هو الحل الروسي المقترح القائم دائما على مبدأ "القمع والتدمير" ضد الرافضين لنظام الأسد وقوى الاحتلال الأخرى، والثابت الآخر هو حرية "إسرائيل" في استهداف القواعد الإيرانية في سوريا، دون تحديد الزمان ولا المكان، بوصفها الطرف المؤتلف مع استراتيجيات قطبي الصراع (الولايات المتحدة وروسيا).
وبما أن الصراع الدولي على سوريا وصل ذروته؛ فإن قرع طبول الحرب وما يرافقه من جعجعة ولقاءات مرتقبة بين أطراف الصراع، لا تحمل أية نتائج ملموسة في اتجاه تسوية سياسية حقيقية، فقد اكتمل الفرز الديمغرافي ونتائج ما يلي، صراع طويل الأمد بين الشعب المتطلع لحريته وبين نظام الأسد، علاوة على حلقات مختلفة من التداخلات الإقليمية والدولية في الاحتلالين الروسي والايراني، وفي عملية إعادة تدوير نظام الأسد.
من هنا، تعتبر هذه الاستراتيجيات إدلب عاملًا مؤثرًا في المسار الختامي للصراع، لكنها تمثل أيضًا مصدرًا للاستقطاب والتنافس الإقليمي والدولي، ويتجسد ذلك على أجلى صورة في الصراع السياسي بين واشنطن وموسكو المتصل بانتشار عسكري في مياه المتوسط والخليج العربي والبحر الأحمر والداخل السوري، وما يتبع كلا الطرفين من مراكز النفوذ الإقليمي " أنقرة وتل أبيب وطهران"، حيث وصل الصراع مرحلة عض الأصابع (الروسية -الأميركية) لتتحول إدلب إلى ساحة عراك لاستنزاف المختلفين والمؤتلفين معا، وهي حال قد تطول فتزيد الوضع تعقيدا كلما زاد الشقاق بين طرفي الصراع الرئيسين (روسيا - الولايات المتحدة) اللتين تتفقان مع كامل الأطراف على الساحة السورية، لوأد الثورة بذريعة محاربة الإرهاب، وتتباينان عمليا في كيفية وشكل الاحتلال وتقاسم الغنائم.
يحلِّل هذا التقرير أهمية معركة إدلب الراهنة للأطراف الرئيسية في الصراع بسوريا، وتحولها إلى بؤرة للاستقطاب والاستنزاف والتنافس، ومساعي روسيا لتحويلها إلى غروزني ثانية، وتأثيرات كل ذلك على الصراع الدائر في سوريا.

روسيا تقرع طبول الحرب
تنتهج روسيا، بوصفها قطب الصراع التي تحتل القسم المفيد من سوريا، وتتحكم فعليًّا في إدارة الحرب ضد فصائل الثورة السورية، استراتيجية عامة لإدارة معركة إدلب، تقوم على "مبدأ القمع والتدمير" من خلال الاستعدادات العسكرية الروسية للعدوان على إدلب، وتتمثل أبرز الاستعدادات العسكرية لإدارة معركة إدلب بالتالي:
ــ توجيه روسيا عملياتها في إدلب، حسب مبدأي الإنهاك وإراقة الدم في مواجهة فصائل المعارضة، لإضعافهم ماديًّا وبشريًّا في معظم جبهات إدلب، وهذا ما أشار إليه الوزير الروسي لافروف في نيته على هجوم شامل محتمل ضد إدلب، حيث قال: "من غير المقبول أن يستخدم هؤلاء الإرهابيون، وخاصة جبهة النصرة، منطقة خفض التصعيد في إدلب لمهاجمة "الجيش السوري"، وليهاجموا أيضاً بالطائرات المسيّرة قواعد الجيش الروسي في المنطقة"، وهذه ذرائع للعدوان على إدلب.
ــ بدء البحرية الروسية بتمرين عسكري كبير في البحر المتوسط في الأول من أيلول (سبتمبر) حتى الثامن من الشهر الجاري، استعداداً للعدوان على إدلب من خلال إجراء أكبر مناورات بحرية قرب الحدود البحرية السورية، التي سيمنع فيها تحليق الطائرات المدنية ومرور السفن، تشارك فيها قوة بحرية وجوية كبيرة (26 سفينة، وغواصتان و34 طائرة، حيث ستخوض المناورات حاملات الصواريخ الإستراتيجية "تو - 160" وطائرات مكافحة الغواصات "تو - 142" و"إيل - 38"، إضافة إلى مقاتلات "سو-33" و"سو- 30")، وهذه التمارين أيضا "تهدف إلى ردع الغرب عن توجيه ضربات لقوات نظام الأسد"، وفقاً لما ذكرته وكالة رويترز، وقال الناطق باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف أنه يجب القضاء على "مرتع الإرهابيين" في إدلب.
ــ إحكام السيطرة على المنافذ الواصلة إلى إدلب، بما فيها المعابر بين المناطق المحررة، وتلك الواقعة تحت نفوذ الأسد، وهذا ما صرح به وزير خارجية نظام الأسد في موسكو، يوم 30 آب (أغسطس)، حيث قال وليد المعلم: إن النظام مستعد "لقطع كل الطريق" في إدلب.
ــ الدفع التدريجي بفصائل المعارضة إلى العودة لنظام الأسد وفق الاستراتيجية الروسية، التي تعتبر في حال رفض أي فصيل الخضوع للقوة الروسية على أنه منظمة إرهابية، مهما تكن ايديولوجيات الفصائل في المناطق المحررة سواء أكانت جيش حر، أو فصائل إسلامية.
عسكريا: شنّت الطائرات الروسية عشرات الغارات الجوية، صباح الثلاثاء الفائت، على مدن وبلدات ريف إدلب الغربي. واستهدفت كلاً من: "جسر الشغور، محمبل، بيدر شمسو، كفريدين، حرش بسنقول، الجانودية، بشلامون، تل أعور، البدرية، الصحن، المنصورة، المشيك، السرمانية، الشغر، إنب، غانيا، صريريف، جدرايا، جفتلك حمود، جفتلك قطرون، الكفير"، ما تسبب بخسائر مادية ضخمة أبرزها مدرستي "البدرية وجفتلك حمود"، واستشهد أكثر من 17 مدنيا جراء تلك الغارات الجوية، وخلفت موجة نزوح واسعة باتجاه الشريط الحدودي مع تركيا.
التباين في مواقف دول الإقليم الفاعلة
رغم تعارض توجهات وأهداف دول الإقليم الفاعلة في الملف السوري، " تركيا وإيران"، إلا أنهما تعملان على اعتماد خطط كل منهما في إدلب، وفي التفاصيل:
أنقرة
تسعى أنقرة لإفشال التوجه الروسي الداعم للنظام وإيران الذي يجعل من إدلب نسخة أخرى من الجنوب السوري في الهيمنة المطلقة على المناطق المحررة، وبما أن الغموض يكتنف المخطط الذي يستهدف إدلب، إلا أن اقتراب الانفجار العسكري على حساب الحلول الأخرى هو المطروح على الطاولة، لذلك يواصل الجيش التركي منذ أيام وبشكل متسارع ومتصاعد إرسال تعزيزات عسكرية كبيرة إلى مناطق تواجده داخل الأراضي السورية، لا سيما نقاط المراقبة المنتشرة داخل حدود محافظة إدلب، وفي مناطق انتشاره على طول الحدود التركية مع إدلب، وشملت التعزيزات التركية دبابات وناقلات جند وعربات مصفحة وعربات دعم لوجيستي عبر جزء منها إلى إدلب ومحيطها.
وكانت تركيا قبل أيام صنّفت "هيئة تحرير الشام" كـ"منظمة إرهابية"، وهو بمثابة إعلان رسمي عن استعدادها لمواجهة الهيئة عسكريا، وعلى خلفية العدوان الروسي الذي استهدف الثلاثاء الماضي، ريف إدلب الغربي، ذكر وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، أمس الأربعاء، أن قصف محافظة إدلب أمر خاطئ ويجب أن يتوقف، مضيفا أن أنقرة ستضغط في قمة مقررة يوم الجمعة في طهران من أجل الخروج بقرار لوقف مثل هذه الهجمات.
وكانت صحيفة حرييت التركية، نقلت عن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، قوله: إن الهجوم على منطقة إدلب، التي تسيطر عليها المعارضة سيكون مجزرة، وإن القمة القادمة في طهران التي ستشارك فيها إيران وروسيا وتركيا ستخرج بنتائج إيجابية.
وشدد على أن الوضع في إدلب مهم، وكذلك الشراكة مع روسيا، وأضاف، "إنه يأمل في عرقلة النزعة المتطرفة لنظام الأسد في المنطقة في قمة طهران".
وقال مولود جاويش أوغلو، متحدثا في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الألماني هايكو ماس في أنقرة؛ إن من الضروري وضع استراتيجية مشتركة للقضاء على من وصفها بـ "الجماعات المتطرفة" في إدلب، لكن استمرار الهجمات قد يكون كارثيا.
ولكن الروس يصنفون جميع الفصائل المعارضة للأسد تحت بند "الإرهاب"، والسؤال المطروح هو، هل ستنجح الجهود الدبلوماسية التركية في إقناع الروس بحل ملف إدلب سلميا؟ فروسيا المتعطشة لدماء السوريين يقوم احتلالها على مبدأ "القمع والتدمير" لإخضاع كل المناطق السورية بالقوة الغاشمة، ومن هنا يتأهب الجيش التركي لجميع السيناريوهات المتوقعة، والتي يطغى عليها الخيار العسكري بشكل كبير.
وتبدو تصفية آخر "مناطق خفض التوتر" الأصعب والأكثر تعقيداً، فلن تقبل أنقرة بانتزاع مناطق نفوذها في شمال سورية بعد كل ما قدمت وبذلت وتحملت، لذلك بادرت إلى مد كل فصائل الثورة بما تحتاج إليه من عتاد للتصدي لعدوان قوات نظام الأسد، ومع كل هذا وذاك تبدو مؤشرات العدوان الروسي على إدلب قائمة بصرف النظر عن الموقف التركي.
إيران:
يستعجل الطرف الإيراني العدوان على إدلب بتناغم واضح مع الروس، قبيل القمة المرتقبة في طهران غدا الجمعة، بين ضامني "آستانا"، وقال الناطق باسم الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي: إن القمة (الإيرانية- التركية- الروسية) تهدف إلى "إعادة الهدوء إلى سورية والقضاء على الإرهاب فيها"، مشدداً على أن "من حق الحكومة السورية مواجهة الجماعات الإرهابية في إدلب"، وزار وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف دمشق فجأة، وأجرى محادثات مع الأسد، وشدد ظريف على ضرورة "تطهير إدلب من الإرهابيين، وأن تعود تحت سيطرة الشعب السوري"، ونقلت الوكالة الإيرانية للأنباء (إرنا) عن ظريف قوله عقب وصوله دمشق؛ إن "سورية تقوم بتطهير كل أراضيها من الإرهاب، وبقية الإرهابيين، بمن فيهم "هيئة تحرير الشام"، يجب أن تغادر إدلب"، وأوضح أن "القمة التي ستعقد في طهران الجمعة، ستبحث في كيفية التصدي للجماعات الإرهابية، بمن فيها تحرير الشام".
والحقيقة، لم يعد لإيران استراتيجية طويلة الأمد لاستمرار الهيمنة على سوريا، بعد الاتفاقات "الإسرائيلية" الروسية، وكذلك الأميركية التي قيدت حركتها في الجنوب السوري، وتلاحقها إلى أماكن أخرى؛ بل كل ما لديها أنها تتبنى خططًا متفرقة قصيرة المدى، تقوم على أشكال متعددة من الاندساس تحت العباءة الروسية، وتغذية الخلافات الإقليمية والدولية في إطار خطة أوسع نسبيًّا، تقوم على إطالة أمد الحرب، للوصول إلى وضع قد تحدثه تحولات داخلية وإقليمية، تخدم موقفها، وتُعلِي من رصيدها الشحيح في ما تبقى من نفوذ لها في سوريا.
واشنطن.. البحث عن اللقمة الكبيرة
معركة إدلب أعادت المائدة السورية الدسمة إلى طاولة المتصارعين، وانفتاح شهيتهم لاقتسام الذبيحة قبل بدء المعركة، ولعل واشنطن العائدة بقوة إلى الملف السوري تتأهب إلى رسم حدود نفوذها النهائي في المنطقة، وبالأخص "العراق وسوريا".
من هنا جاءت التصريحات الأميركية المتوعدة نظام الأسد بالرد العسكري في حال استخدم السلاح الكيماوي، ولكن دعوات واشنطن لم تلق صدى فاعلاً في خطط موسكو ومشروعها السوري، فغياب الحضور العسكري الأميركي الفاعل والمباشر، والحديث عن انسحاب القوات من سورية، لا يسمحان لواشنطن بتكبير لقمتها، وعلى الأرجح ستنفذ مخططها العدواني بصرف النظر عن موقف تركيا أو الولايات المتحدة في الرفض أو القبول.
خلاصة
تؤكّد شواهد التدخل العسكري الروسي، لأكثر من ثلاثة أعوام من عمر الحرب السورية؛ أنّ خيار الحسم العسكري هو ما تذهب إليه موسكو، لتعزيز قبضتها واحتلالها لسوريا، وتمكين عميلها الأسد من استرداد السلطة، وعادةً ما يعمد الروس إلى هذا الخيار، بواسطة قصف هستيري عنيف ضد المدنيين، ترافقها حالات نهبٍ ومصادرة للحقوق بالقوة الغاشمة، ومن أبرز الوقائع المؤكدة على هذا المذهب، ما حصل في غوطة دمشق، وريف حمص الشمالي، والجنوب السوري، وفي هذا السياق؛ اعترفت وزارة الدفاع الروسية أمس الأربعاء، أن 4 طائرات من قاعدة حميميم وجهت، الثلاثاء الماضي، ضربات على مناطق في إدلب، زاعمة أنها "ضربات بذخيرة فائقة الدقة" على منشآت لـ"جبهة النصرة" في محافظة إدلب.
وتتالت الهجمات الجوية الروسية، صباح اليوم الخميس، مستهدفة قرى وبلدات ريف إدلب الجنوبي مع تصاعد التهديدات الروسية والإيرانية ومعهما نظام الأسد ببدء هجوم واسع على المحافظة، قبل يوم من قمة "ثلاثي أستانة" في طهران، والتي ستكون الكلمة الفصل فيها للرؤية الروسية القائمة دائما على مبدأ القمع والتدمير ضد الرافضين لنظام الأسد وقوى الاحتلال الأخرى.
فلا حل سياسي جدي بالأفق، وبالتالي سوريا ستبقى على حالة من الصراع الدائم المديد، بغض النظر إن كان كامنا او ظاهرا.

مقالات ذات صلة

النظام يفرق بين الأقارب مستغلاً عامل الخوف من الاعتقال

"جعجع" يكشف سبب طلب نظام الأسد من لبنان تفكيك أبراج المراقبة على الحدود

كيف أحيا الشمال السوري ذكرى الثورة

تصريح جديد لهيئة التفاوض بخصوص الحل الساسي في سوريا

منسق الأمم المتحدة الإقليمي يكشف نتائج زيارته إلى إدلب

أول اتحاد للمصممين في الشمال السوري