بلدي نيوز
نشرت صحيفة "التايمز" البريطانية مقتطفات من كتاب سيصدر السنة القادمة بعنوان "عشرة أيام في آب"، يروي فيه الكاتب "السير أنتوني سيلدون"، كواليس المشاورات التي حصلت بين بريطانيا والولايات المتحدة، عقب الهجوم الكيماوي الذي نفذه نظام الأسد واستهدف الغوطة الشرقية، في 21 آب 2013، وأدى إلى مقتل أكثر من ألف مدني، غالبيتهم من الأطفال.
وأشار "سيلدون" إلى أن الأيام العشرة التي تلت الضربة الكيماوية، غيرت العالم، حيث اختبر النظام عزيمة الغرب في قضية يتضح فيها الخطأ من الصواب بشكل أعمى.
وكان "ديفيد كاميرون" في عطلة صيفية عندما رأى الصور على جهاز iPad الخاص به، وتحدث على وجه السرعة مع (أوباما) من مكان عطلته، إلا أن الاتصال كان صعباً، تم تأجيل الاتصال إلى 24 آب، بعد ثلاثة أيام من وقوع الهجوم.
لاحظ فريق رئيس الوزراء البريطاني، أن "أوباما" كان يهيمن على الحديث، بطريقة مختلفة تماماً عن أسلوب (جورج دبليو بوش) والذي كان يميل أكثر لطلب أفكار محاوره.
اقترح "أوباما" هجوما صاروخيا سريعا باستخدام صواريخ كروز، يكون "نافذة إغلاق سريعة" مع ذلك قال "لم اتخذ قرارا بعد، أكرر، لم اتخذ القرار".
بعد المكالمة، طلب "كاميرون" إجراء مكالمة جماعية مع الأعضاء الرئيسين في دائرته الداخلية. قدم ملخصا قصيرا لمحادثته مع "أوباما"، قائلاً إن النتيجة الأكثر ترجيحاً، هي هجوم صاروخي، مؤكداً أن المملكة المتحدة، ستلعب دوراً داعماً لهذه الضربة.
كان وزير الخارجية "وليم هيغ" أول من تدخل، قائلاً إنه يخشى من تلاعب "الأسد" والروس بالأمور، الأمر الذي يؤدي إلى تدهور الأدلة بسرعة التي تشير إلى استخدام السارين.
رأى نائب رئيس الوزراء "نيك كليج" أنه من الأفضل لو تم تجميع أطراف مختلفة في الهجوم، بما في ذلك الفرنسيون. أراد أن يثبت أن كل شيء ممكن قد تمت تجربته في الأمم المتحدة.
بعد عدة مشاورات داخلية، قرر "كاميرون" أن يكتب رسالة شخصية إلى "أوباما"، يوضح فيها أن يؤيد العمل العسكري، إلا أنه مع ذلك يحتاج للتأكيد على ثلاث نقاط: وجود أدلة لا جدال فيها حول ما حدث، الاستناد إلى أساس قانوني واضح للعمل العسكري تقف وراءه الأمم المتحدة، مع قيام الأمم المتحدة بدور مناسب.
طرح الكاتب سؤالاً قال إنه في صميم القصة، لماذا لم تحدث الضربة العسكرية التي تحدث عنها كل من "أوباما" و"كاميرون"؟
تلاعب بوتين بالطرح
بحلول يوم الاثنين، 26 آب، كانت الضغوط تتصاعد من أجل استدعاء البرلمان البريطاني. قاوم "كاميرون" لكنه قال إنه سيضطر إلى العودة إلى مجلس الأمن القومي ومجلس الوزراء.
كانت أولويته في ذلك اليوم التحدث إلى "بوتين". تم إنشاء الاتصال بين الطرفين الساعة 4 مساءاً، في 4:05، جاء الاعتذار من المترجم، ليقول إنه كانت هناك مشاكل في تعقب الرئيس لأنه لم يكن في موسكو، الفريق البريطاني المستمع علم إن القصة لعبة من "بوتين".
في 4:07، عاد المترجم مرة أخرى قائلاً "أعتقد أن الرئيس قادم من اجتماعه الأخير، يرجى التحلي بالصبر سيادة رئيس الوزراء". آخر تحديث كان في 4:09، بذل "كاميرون" قصارى جهده ليكون مهذباً.
وصل "بوتين" متأخراً بخمس دقائق، افتتح "كاميرون" المكالمة بالتحدث عن عمق العلاقة بينهم، وتابع "أردت أن أخذ بعضاً من وقتك للحديث حول هذه الهجمات المروعة بالأسلحة الكيماوية، إنه خط أحمر واضح نحدده نحن وروسيا. مهتماً جداً بالسماع لوجهة نظرك، ولكن لدينا مستوى عال من الثقة أن هجوم الأسلحة الكيميائية قد ارتكبه النظام. هذا الإجراء يجب أن يكون له عواقب".
كان هناك وقفة طويلة، قال "بوتين" بعدها "مرحبا؟" كما لو أن الخط كان مقفل، أضطر "كاميرون" حينها لتكرار كلامه.
قال حينها "بوتين" أنه أقنع سوريا بمنح حق الوصول للأمم المتحدة، مؤكداً أن أحداث 21 آب تبدو كذريعة لسحب العمل من المجتمع الدولي. أدرك "كاميرون" أنه لن يصل إلى أي مكان، قرر إنهاء المكالمة بحرارة وبسرعة.
فقدان التفوق الأخلاقي
عقد "كاميرون" اجتماعا مع كبار الضباط العسكريين والأمنيين، حيث تم كشف النقاب عن خطة عمل أمريكية ـ بريطانية محتملة من خلال أربع خطوات: الاستعداد، ضرب النظام، القيام بنشاط دبلوماسي، تنفيذ الضربة مرة الأخرى إذا لزم الأمر. محاكات الضربة على أجهزة الكومبيوتر أوضحت مدى تعقيدها، حيث يمكن قتل 30 شخصاً في هدف، و700 في هدف آخر. مع ذلك تم استبعاد المباني الحكومية العليا التابعة للنظام، في إشارة واضحة إلى مدى حاجة الولايات المتحدة إلى القيام بأي عمل عسكري.
رفض البرلمان البريطاني بعد ذلك عرض "كاميرون" بالتدخل بضربة عسكرية موجهة ضد النظام.
يشير الكاتب إلى أنه من سخرية القدر تأجيل عرض "بي بي سي" فيلماً عن قنبلة حارقة ألقتها قوات نظام "الأسد" على مدرسة في يوم الاثنين، حيث تم عرض الصور الساعة العاشرة مساءاً بعد انتهاء التصويت. يعتقد فريق "كاميرون"، أن نتيجة التصويب ربما كانت مختلقة لو تسنى لأعضاء البرلمان مشاهدة الصور قبل تصويتهم!
أخيراً، أشار الكاتب إلى فرصة القيادة الأخلاقية التي فوتها الغرب، حيث تراجعت القوى الديمقراطية في لندن وواشنطن تحت الضغط. في نهاية المطاف تحرك الغرب في نسيان 2018، إلا أن اللحظة الفارقة قد مرت بلا أدنى شك.
المصدر: التايمز + أورينت