Foreign Policy - ترجمة بلدي نيوز
بعد ما يقرب من خمس سنوات على الحرب، تقترب القوى العالمية من فتح باب المفاوضات لإنهاء الأزمة السورية، حيث أقر مجلس الأمن الدولي محادثات السلام في كانون الأول، وكان من المقرر أن يجتمع النظام السوري والمعارضة في 25 كانون الثاني، ومن ثم تأجل عقد المحادثات التي من المرجح أن تبدأ في 29 كانون الثاني.
التأجيل كان بسبب وجود أوجه عديدة للخلاف بدايةً من لائحة المدعوين (من الذي سيحضر الاجتماع ومن سوف يستبعد)، وعدم وجود أي إشارة على بناء الثقة من دمشق، وحتى قبل وصول الطرفين إلى جنيف، هناك أسئلة مصيرية وصعبة حول إنهاء الحرب لم تجد جواباً حتى الآن، فمثل كل المحاولات السابقة في التوصل إلى اتفاق سلام، مرة أخرى هناك صمت دولي واضح على القضية المركزية على المحك وهي مستقبل الرئيس الأسد.
صحيح، أن احتمالات السلام تراجعت أكثر نظراً لتصاعد النزاع بين المملكة العربية السعودية وإيران، واللتان تقاتلان حرباً بالوكالة في سوريا، ولكن الولايات المتحدة وحلفاءها يعتقدون أن الأمر مختلف هذه المرة، وربما، ربما هذه المرة يكون النظام السوري جدياً في نيته بإنهاء الحرب، ولكن لسوء الحظ السيناريو الأكثر احتمالاً هو خداع الأسد للعالم، وواشنطن بالذات، مرة أخرى.
ومنذ آب 2011، عندما دعا الرئيس الأمريكي باراك أوباما لأول مرة للأسد للتنحي، كانت الولايات المتحدة في الغالب متفرج فقط على الأحداث الجارية في سورية، واعتباراً من الخريف الماضي تعدلت مواقف أمريكا الرسمية من الديكتاتور السوري، حيث قال وزير الخارجية الأميركية جون كيري في أيلول : "إن رحيل الأسد لن يحدث في يوم واحد أو شهر واحد" وهذا يعني أن الأسد يستطيع الآن لعب دور في عملية الانتقال السياسي والبقاء في السلطة مؤقتاً، ومع هذا البيان، استسلمت واشنطن على نحو فعال لروسيا وإيران من أجل لا شيء في المقابل ما عدا، بالطبع، وجود اثنين من أهم رعاة الأسد على طاولة المفاوضات.
كما وبرفض الغرب جعل رحيل الأسد جزءاً أساسياً من خطة السلام، وبذلك ضمن الغرب فشل عملية التفاوض في نهاية المطاف، واستمرار احتراق سورية بالحرب، فالرجل الجالس على كرسي الرئاسة ليس لدية نية أبداُ للتفاوض على رحيله، وهدفه الوحيد هو الحفاظ على سيطرة عائلته على سورية لأجل غير مسمى، مهما كان الثمن.
وكانت قبضة عائلة الأسد على السلطة دائماً مختلفة عن حكام الدول الأخرى التي شهدت ثورات خلال الربيع العربي، فعلى عكس الحكام المستبدين الذين سقطوا في تونس ومصر، وليبيا، بنى الأسد الأب والابن الدولة السورية العلوية حرفياً، فقبل اندلاع الثورة الاحتجاجات، سيطرت عشيرة الأسد عملياً على الاقتصاد السوري بأكمله؛ وعينت قادة الأجهزة الأمنية والاستخبارات إما من العلويين، الطائفة الأقلية التي تنتمي إليها عائلة الأسد، أو لمن يقدمون ولاء شخصياً لبشار.
وبنى الأسد نظاماً واسعاً مبني على التعذيب، والذي استجاب بسرعة وبطريقة وحشية لأدنى مطالب التغيير، وعندما أعرب الشعب السوري في 2011 عن مطالبه من أجل الإصلاح أولاً وفي وقت لاحق من أجل الديمقراطية، أطلق جنود الأسد وعصاباته الطائفية النار على المتظاهرين.
ولم يكن هناك شيء قادر على وقف عنف النظام، وارتفع عدد القتلى إلى مئات الآلاف، على الرغم من الإدانة العالمية لجرائم نظام الأسد، وأعلن أوباما عن "الخط الأحمر" لمنع الأسد من استخدام الأسلحة الكيماوية، وهو خط تجاوزه الأسد دون عقاب واستخدم غاز السارين في منطقة الغوطة الشرقية.
ومع استخدام الأسد للقصف الهمجي والبراميل المتفجرة، تحول الملايين من السوريين إلى لاجئين، وحاصر مناطق كمضايا في ريف دمشق، وجعل أهلها يقتاتون العشب والمياه المملحة للبقاء على قيد الحياة، وفي معضمية الشام إحدى المناطق المحاصرة في ريف دمشق منذ سنوات، والتي كانت أحد الأهداف بهجوم من الأسد بالأسلحة الكيماوية عام 2013، هدد المدينة "إما الاستلام أو الإبادة بالكيماوي".
وذلك فمصطلح "عقلاني" لا ينطبق ابداً على شخص الأسد، فالقائد العقلاني كان ليوافق على انتقال للسلطة منذ زمن، ولكن الأسد عوضاً عن ذلك تعامل مع الأزمة بشكل غير عقلاني، وقتل أكثر من 180.000 ألف سوري للحفاظ على السلطة، ووفقاً للشبكة السورية لحقوق الإنسان، ارتكب الأسد المجزرة تلو الأخرى وجرائم حرب تغاضى عنها المجتمع الدولي وادعى الغرب بأنه يدفع الأسد نحو التنوير، وسكت عن مصير الديكتاتور الفاشي الذي أباد بلده.
وأصبح التهديد الذي يشكله تنظيم "الدولة الإسلامية"، وليس مصير الأسد، هو الأولوية بالنسبة للدبلوماسيين الغربيين، ولكن التنظيم لم يكن السبب الجذري للأزمة السورية بل هو عرض من أعراض مرض اسمه "حكم الأسد".
كما أن الأسد قد أفرج عن الإسلاميين المتعصبين من سجونه ليزيد من ادعاءاته الكاذبة بأن المتظاهرين هم إرهابيين، لقد أراد أن يسيطر تنظيم الدولة على المعارضة حتى يأتي الغرب لنصرته، بسام بربندي، منشق عن وزارة الخارجية السورية، قال عن ذلك: "إن خوف النظام من الثورة السلمية هو سبب الإفراج عن هؤلاء الإسلاميين".
فالأجهزة الأمنية السورية ليست بعيدة عن اللعبة المزدوجة الاستراتيجية لاستخدام الإرهابيين، فخلال حرب العراق سمح الأسد للجهاديين بالعبور من سورية إلى العراق لقتل الجنود الأمريكيين والمدنيين العراقيين، وقال موفق الربيعي مستشار الأمن القومي العراقي السابق مؤخراً أنه قبل الثورة السورية، قدم أدلة مادية وصور فضائية واعترافات تثبت أن الأجهزة الأمنية السورية كانت تدعم الجهاديين بشكل مباشرة في العراق.
ولذلك ولجميع من يأمل إنهاء الحرب السورية، الواقع هو أن هذه الحرب سوف لن تنتهي طالما بقي الأسد على رأس الدولة، وهو الشيء الوحيد الذي تتفق عليه المعارضة، وكان برنامج التدريب الأمريكي للثوار السوريين كارثة بحد ذاته، فهو يطلب من المقاتلين محاربة التنظيم وليس الأسد، ولكن ما يوحد السوريين هو الرغبة في تجاوز المجازر والفوضى التي اجتاحت بلادهم منذ خمس سنوات تقريباً، ولذلك فالحل السياسي الذي ينطوي على الأسد هو ليس مجرد تهدئة، بل انتحار سياسي.
وتعتقد المعارضة السورية أن الولايات المتحدة قد خففت من موقفها من أجل الحصول على أي صفقة سياسية، بغض النظر عن الشروط، ولكن المعارضة تعرف وواشنطن تعرف كذلك أنه إذا بقي الأسد فإنه سيخطف العملية الانتقالية خلال المشاورات في جنيف، ولن يجرؤ الوفد السوري المعارض على استخدام كلمة "انتقال" وإلا ستقوم الأجهزة الأمنية التابعة له بتطبيق الإصلاح الأسدي حتى يستعيد الحكم.
ولذا بدلاً من التنازل للمطالب الروسية والإيرانية والسماح للأسد التمسك بالسلطة، يتعين على الولايات المتحدة وحلفائها فرض سياستهم الخاصة في سوريا، والتي كان منها "تغيير النظام"، ورغم أن هذا المصطلح يثير القلق خصوصاً فيما يتعلق بالعراق، ولكن لا ينبغي ذلك، ففي العراق كان يمكن استخدام الدبلوماسية لتجنب الحرب، أما سورية فاحتاجت للحرب لتدفع العالم نحو الدبلوماسية، في العراق لم يكن هناك ثورة ديمقراطية تسعى لتغيير النظام، أما في سورية فتظاهرت المدن والقرى على حد سواء على وحشية الأسد، مطالبين بحقوقهم كمواطنين، وفي عالم من الخيارات الغير كاملة والوقائع الدموية، فبقاء النظام يعني استمرار الوضع الراهن وتقطيع أوصال سورية لنهاية المطاف.
ويتم تحديد شروط الدبلوماسية الآن من قبل روسيا وإيران، وهي القوى الضعيفة التي جعلت من استمرار حكم الأسد أمراً غير قابل للتفاوض، وربما يكون بوتين الأقرب للقبول بتنحي الأسد حيث يقال أنه طلب من طبيب العيون التنحي في نهاية 2015 ولكن الأسد رفض ذلك.
وكل من روسيا وإيران يجب أن يكونوا على علم بأن بقاء الأسد خلال فترة انتقالية غير وارد على الإطلاق، لأنه بالإضافة للسماح لمجرم حرب بالبقاء في منصبه، فإن ذلك سيطيل الحرب، وبالتالي سيمتد الارهاب ويستمر.
إن هناك خيار أفضل أمام الولايات المتحدة يتمثل بالحفاظ على مؤسسات الدولة السورية مع استخراج الجوهر الفاسد منها، وإزالة الأسد وعائلته بالإضافة إلى الطبقة الثانية من النظام وتشمل الضباط العلويين المسؤولين عن المجازر بحق الشعب السوري، وأي شيء أقل من تغيير النظام سيقوي الإرهابيين، ويترك ملايين السوريين في البلاد تحت رحمة القنابل والبراميل المتفجرة، فطاغية دمشق يعتقد أن سورية ملك له ولأسرته، وهي المشكلة التي حولت البلاد لجحيم في المقام الأول، وكانت هذه الاستراتيجية واضحة عندما كتب الموالون للأسد ذلك على الجدران في جميع أنحاء دمشق، "الأسد أو نحرق البلد"، وهو شعار تحول لواقع عندما دفن سورية منذ فترة طويلة قبل حرقها الآن.