بلدي نيوز
تعتبر شخصية "جحا" من الشخصيات المثيرة للجدل في التاريخ العربي والإسلامي، إذ يتراوح ما بين الحقيقة والأسطورة والخيال، في حين يصعب التأكيد بشكل دامغ على مصدر هذه الشخصية، من أين بدأت بالضبط ولمن تنسب، حيث تعددت المرويات حولها وتتناسل الحكايات.
لكن "جحا" ترك في المخيلة الشعبية صورة جلية للفيلسوف البسيط الذي يتراوح كلامه الممتزج بممارسته في الحياة، مع صور متناقضة ما بين الحكمة والبلاهة، حتى يكاد المرء يحار من أين يبدأ الذكاء الفطري الإنساني وأين ينتهي ليكون حد السذاجة.
يذهب الأديب المصري عباس محمود العقاد في كتابه "جحا الضاحك والمضحك" قائلًا عن نوادره، بأنها يستحيل أن تصدر عن شخصية واحدة لتباعد البيئات التي تُروى عنها.
بالتالي فإن شخصية جحا هي نتاج عقل جمعي على مدى عصور من فترة بواكير الإسلام إلى الزمن الراهن، كما أنها أيضاً أنتجت بأكثر من صورة في البيئات العربية والفارسية والتركية، بحيث كان لكل بيئة نموذجها الجحوي.
تلفت المصادر التراثية إلى أن الجاحظ هو أول من أشار في مؤلفاته إلى جحا أو ذكره، عندما أورد في كتاب "القول في البغال" نوادر بطلها جحا دون أن يترجم له، أو يحدد هويته بوضوح، وهذا قد يدل على أن هذه الشخصية كانت معروفة في زمانها على الأقل على مستوى المخيال الجمعي، إن لم تكن واقعية.
وتعود أقدم القصص المنسوبة إلى جحا في التراث العربي إلى القرن الأول الهجري، أي السابع الميلادي، بالتحديد إلى رجل يدعى دُجين بن ثابت الفزاري، وقد كان يلقب بجحا وكان ظريفاً، لكن يقال إن الكثير من القصص المنسوبة حوله هي مكذوبة في واقع الأمر.
وقد وصف أبو الغصن جحا بحسب الإمام الذهبي بأنه كان من العقّال، وقال عنه نقلاً عن عباد بن صهيب "ما رأيت أعقل منه"، ويروى أنه كان يمزح في أيام شبابه، وعندما كبر وشاخ أصبح مصدراً للحكمة والرسوخ العميق.
ولعل هذا قد يكشف أيضاً التدرج في هذه الشخصية بحسب مراحل عمرها، ما جعل طرائق جحا تُبنى على طبقات مختلفة من الوعي الجمالي والأخلاقي والمعرفي، يوازي تدرج الحكمة ومساراتها لدى الإنسان مع نمو الذات وتقدم السن.
من البديهي أن ما صدر عن جحا من تراث لا يمكن أن يكون قد أتى من شخص واحد، وبالتالي فهو تجميع لعصور مختلفة فطرائفه تحمل سمات العصر الأموي والعباسي والعثماني، من أبوجعفر المنصور إلى عصر تيمورلنك.
كذلك فإن تنوع القصص ومواقفها يعني أن الطرائف أنتجت من شخصيات متنوعة وفي ظروف متباينة، حسب الإطار الزماني والمكاني للنكتة أو الطرفة، وهذا ما يجعل جحا يبدو بأشكال مختلفة وصورة غير واحدة.
ويرى العقاد أن جحا يعبر عن جوهر فلسفة الضحك لدى الشعوب العربية والإسلامية، ليطرح سؤالاً بعد تتبع تاريخ الضحك في الكتب الدينية والتراث، ثم إيراد قصص لجحا، قائلاً: "أكانت شخصية حقيقية أم نسجاً من الخيال".
المصدر: وكالات