بلدي نيوز - (تركي مصطفى)
تناقش هذه الورقة الخارطة السورية في شكلها النهائي لتحويلها إلى مناطق نفوذ دولية على طريق التقسيم الفعلي تحت مبررات مختلفة, تتعارض مع الأهداف المعلنة في أسباب التدخل والاحتلال سواء كان في دعم نظام الأسد, أو محاربة الإرهاب, أو مساندة المعارضة السورية.
تستعرض الورقة في سياق هذه المناقشة، بعض الملامح التاريخية والسياسية لسورية، وتوضح الأهمية التي تمثلها بالنسبة لأطراف الحرب في أبعادها المختلفة، كما تحلل الاستراتيجيات المتبعة لفرض التقسيم واقعا لا انفكاك عنه.
وتنظر الورقة، في سياق البحث مصير سورية، في ظل التجاذبات الراهنة، وهو -دون شك- مصير لا ينفصل عمَّا ينتظر المنطقة برمتها.
مقدمة
لا تزال سورية طوال ثمانية أعوام من الحرب, تتنازعها مراكز القوى الإقليمية والدولية، ولم تتمكن أية قوة من الاستحواذ على السلطة دون سواها من القوى الأخرى, رغم ما بلغه نظام الأسد من مساندة مادية وعسكرية, دولية وإقليمية. ولذلك، تتجسد التحالفات، بين آونة وأخرى، بين مراكز القوى تلك، على شكل تفاهمات ظرفية, لا تلبث أن تسقط فجأة, وتظهر بدلا منها أشكال جديدة من القوى المتحالفة, تحاول ترسيخ استراتيجيتها بقوة السلاح, والتشبث بالجغرافية التي تحتلها, وتثبيت نقاط ارتكازها, وتفريغ المناطق من أهلها, ما جعل من سورية منطقة نفوذ وجذب للميليشيات الأجنبية, لدعم القوى المختلفة بهدف الاستحواذ على الجزء الأكبر من الجغرافية السورية.
لفتت سورية انتباه أطراف الصراع الدولي والإقليمي لأهميتها الجيوسياسية, ووضعتها برمتها, كهدف للحلف الذي تقوده روسيا, وللتحالف الغربي بقيادة الولايات المتحدة. مما استدعى حشد كل طرف لقواته برّا وبحرا, في استعداد للمواجهة, لتتحول سورية إلى ثكنة عسكرية تنتظر لحظة الإعلان عن ساعة الصفر والدخول في معارك غير متكافئة بين الخصوم.
لم تكن كل هذه الأحداث التي تعصف بسورية سوى محصّلة للعبث الدولي في اتجاهات البحث عن تسوية سياسية, تضع حدا للحرب القذرة التي يشنها الأسد, وتغذيها كافة الأطراف المعنية, سواء في محادثات جنيف المعطّلة, أو نقل الملف السوري إلى آستانة وسوتشي ومحاولة موسكو التفرد بالحل, ثم الدفع بقوة لعودة الملف إلى الأمم المتحدة في ظلّ قرع طبول الحرب, وتلويح واشنطن بعصاها الغليظة, في وجه موسكو بعد الهجوم الكيماوي الذي نفذته قوات الأسد ضد المدنيين في دوما في السابع من شهر نيسان/أبريل الجاري.
من هنا, تمثل سوريا مركز تنافس بين مختلف القوى العسكرية المتصارعة، ومحط اهتمامها، وقد تجلى ذلك منذ إقرار الفرز الجغرافي إلى مناطق تحت النفوذ الروسي، وأخرى تحت النفوذ الأميركي، وما يتبع كل طرف من قوى إقليمية (تركيا وإيران), حيث اشتدّ التنافس على طريق التقسيم في أحداث شباط الماضي والصراع على حقول النفط التي هيمنت على أغلبيتها الولايات المتحدة. فيما كانت روسيا قبل الضربات المباشرة وغير المباشرة التي استهدفتها, تدفع إلى التمسك بوحدة الأرض السورية, لأن أي تقدم لقوات الأسد على مناطق جديدة, يعني بذلك اتساع مساحة النفوذ الروسي.
وكان لأفول تنظيم "الدولة"، الأثر الأكبر في اختلال موازين حسابات ومصالح كافة القوى الدولية والإقليمية، فيما كسبت الميليشيات الشيعية الإيرانية المواجهات على مستويات مختلفة، عسكرية وأمنية وسياسية وجغرافية، لتبدو أقوى قوة مسلحة محتلة في البلاد، ثم يتبعها في النفوذ الإقليمي القوى التركية التي سيطرت مع درع الفرات "الجيش السوري الحر" على المناطق الشمالية الغربية من البلاد, وبقي شرق الفرات الغني بموارده من حصة الولايات المتحدة التي أوكلت حمايته لقوات سورية الديمقراطية "قسد", الذي تعرض فرعها القائد (pyd) لانتكاسة عسكرية في عفرين, وباتت دعوة واشنطن إدخال قوات عربية إلى المنطقة الشرقية خطوة جديدة باتجاه ترسيخ نفوذها, مما يشكل تهديدا للحلف الروسي في المنطقة, تجسّد ذلك بالحشد العسكري البري والبحري للتحالف الدولي لوضع حدّ للغطرسة الروسية, وإيقاف التمدد الإيراني في المنطقة مع إبقاء الحال كما هو عليه دون إحداث أي تقدم في الاتجاه السياسي على الرغم من التجاذبات الدولية الرامية لتحريك الملف السوري, وفق الاستراتيجيات المتضاربة.
في ظل هذه الأوضاع, يتضح جليّا, أن عملية تقسيم سوريا إلى دويلات وممالك على أسس طائفية وعرقية السيناريو المطروح في السراديب الاستخباراتية للدول الفاعلة لرسم مستقبل سوريا المقسمة فعليا إلى مناطق نفوذ دولي وإقليمي, وإقرار ذلك التقسيم وفق صيغة ترسم حدودها فوهات المدافع ومسارات الطيران.
تبقى الملاحظة الأهم في هذه الورقة, هل يمكن لروابط مكونات الدولة السورية بالسلطة المركزية الدفع إلى التمسك بالوطن الواحد, أم تنفيذ هذه المكونات منفردة أو مجتمعة لأجندات القوى الإقليمية والدولية في التفتيت الاستراتيجي تحت مسميات مختلفة (فيدرالية, كانتونات, دويلات طائفية).
استنطاق التاريخ
ارتبط التاريخ السوري الحديث, بموجات الغزو الأجنبي المتتابعة دون انقطاع, والطامعة في سورية، وهو ارتباط لازمها منذ الحملات الصليبية والغزوات المغولية, والاستعمار الأوربي الحديث, وكان من بين موجات الغزو, الاحتلال الفرنسي لسورية (1920- 1946), وكان أولى اقتراحات (الجنرال موريس ساراي) بعد إسقاط حكومة فيصل الملكية, تقسيم سورية لأربع دويلات, وفق أنموذج الدولة القومية الأوربية, القائم على أساس العرق والدين والتجانس القومي, وتلك الدول هي (دولة دمشق ودولة حلب ودولة الدروز ودولة العلويين), ومع فشل هذه الصيغة في التقسيم, أعلنت فرنسا عام 1922, قيام الاتحاد السوري, الذي جمع بين دولتي حلب ودمشق, وعادت الدويلات تباعا إلى الوطن الأم, وأصبحت في العام 1936م (الدولة السورية).
جاء التراجع الفرنسي بعد ثورات متلاحقة قامت بها المدن السورية ذات الأغلبية السنية الرافضة للتقسيم, فيما بينت الوثائق الفرنسية تمسك ممثلي الطائفة العلوية بصيغة التقسيم وعلى رأسهم جدّ رأس النظام الحالي في دمشق (سليمان الوحش).
وفي هذا الصدد فاجأ "لوران فابيوس" وزير خارجية فرنسا الأسبق، مندوب نظام الأسد لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري، أثناء مداولات مجلس الأمن بشأن اللاجئين السوريين، بوثيقة تعود إلى عهد الانتداب الفرنسي على سورية. وقال فابيوس مخاطباً الجعفري "كفاك إشباعنا آراء ونظريات.. وبما أنك تحدثت عن فترة الاحتلال الفرنسي، فمن واجبي أن أذكّرك بأن جد رئيسكم الأسد طالب فرنسا بعدم الرحيل عن سورية وعدم منحها الاستقلال، وذلك بموجب وثيقة رسمية وقّع عليها ومحفوظة في وزارة الخارجية الفرنسية، وإن أحببت أعطيك نسخة عنها".
وتوضح الوثيقة, أن زعماء الطائفة العلوية وبينهم سليمان الوحش (قبل تغيير اسم العائلة) جد حافظ الأسد، ناشدوا رئيس الحكومة الفرنسية آنذاك "ليون بلوم"، عدم إلحاق "الشعب العلوي" بسورية المسلمة التي تعتبرهم كفاراً، محذرين من مصير مخيف وفظيع ينتظر العلويين في حالة إرغامهم على ذلك. ويضرب زعماء العلويين في هذا الصدد مثلاً بحالة اليهود الذين وصفوهم "بالطيبين " الذين يُذبحون مع أطفالهم في فلسطين – بحسب الوثيقة-.
وجد الأسد الذي عناه الوزير الفرنسي، هو سليمان الأسد من مواليد منتصف القرن التاسع عشر في القرداحة، وهو من عائلة الوحش أصلا، ثم تم تسجيله من عائلة الأسد تكريما له لفوزه في مباراة بالمصارعة على تركي في قرية القرداحة، بحسب ما ورد في كتاب الصحافي البريطاني باتريك سيل (الأسد والصراع على سورية).
وكتب الصحفي اللبناني أنطوان غطاس في صحيفة "النهار" يوم 23 أكتوبر/تشرين عام 2011م, مقالا نشر فيه نص الوثيقة الكامل مع صورة عن النص, وبيّن أن الوثيقة "رفعها زعماء الطائفة العلوية إلى رئيس الحكومة الفرنسية آنذاك ليون بلوم LEON Blum ومحفوظة تحت الرقم 3547 تاريخ 15/6/1936 في سجلات وزارة الخارجية الفرنسية، كما وفي سجلات الحزب الاشتراكي الفرنسي".
في ظرف تاريخي مشابه لما يجري اليوم في سورية، فإن نظام الأسد الأب قاد البِلاد إلى تقسيمات طائفية عميقة، وأسس لصراع طائفي حطم أركان الدولة السورية، وأما وريثه الابن, بعد أن دمّر البلاد, جذب كل طامع بها, ومنحه رخصة الاحتلال (الشرعي) ما دام يعمل لتثبيت حكمه ومساندته للقضاء على الأغيار وهم سواد الشعب السوري, في ظلّ انعدام أي أمل في وطن مستقبلي, وهذا ما يستثمره الغزاة في عملية تفكيك الدولة السورية وتحويلها إلى كانتونات متناحرة ومتنافسة.
استراتيجيات التقسيم
بات من الواضح أن الأطراف الإقليمية والدولية مختلفة في كل شيء, ولكنها متفقة على تقسيم سورية وفق استراتيجية كل طرف, وتشير التفاعلات بين الدول المعنية, البدء برسم ملامح التقسيم الذي تعمل عليه كل من الولايات المتحدة الأميركية وروسيا، ومعهما الأحلاف الإقليمية, فيما تبدو الدول العربية غير معنية بهذا المشروع.
لم تكن استراتيجية التقسيم في سياسة الولايات المتحدة الأميركية وليدة الوقت الحالي, فقد تحدث وزير خارجيتها السابق "جون كيري"، صراحةً عن تقسيم سورية، وأشار إلى إمكانية تقسيم سورية، وهو التصريح الذي شكل تحولاً في السياسة الأميركية التي كانت تشدد على ضرورة المحافظة على "وحدة سورية"، وقد شكك "كيري" في بقاء سورية موحدة في ظل استمرار الحرب "وما دام الأسد في السلطة"، أما مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه)، جون برينان، فعبر عن تشاؤمه من مستقبل سورية، مرجحًا بأنها لن "تعود موحدة كما كانت مرة أخرى".
ودخلت روسيا على خط الحديث عن احتمال تقسيم سورية، بإعلان نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، بأنه "من الممكن أن تصبح سورية دولة فيدرالية"، وهي الإشارة الأولى من مسؤول روسي رفيع المستوى، حول احتمال تقسيم سورية، ففي مارس/آذار 2016، أشار إلى فكرة "الدولة الفيدرالية أو الكونفيدرالية"، وقال: "إذا قرر السوريون أن تكون سوريا دولة فيدرالية، فلا أحد يمكنه منع ذلك، أنا أتمنى من الأطراف المشاركين في المفاوضات دراسة اقتراح الفيدرالية". وهذا ما عناه تماما وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في حديثه الأخير عن "فدرلة سورية".
والفيدرالية في السياق المحلي السوري، مرادفة للتقسيم والمحاصصة الطائفية، وانهيار الدولة الوطنية، وصناعة حالة انقسام اجتماعي، ينتج دولة فاشلة، كالأنموذج العراقي الذي صاغته واشنطن لتفكيك الدولة العراقية.
وبعد بلوغ الحالة السورية مرحلة التعقيد والتأزم, نتيجة الصراع الروسي - الأميركي, والعواصف الخارجية المتعددة التي ألمت بالبلاد، بات الحديث السياسي الدولي والإقليمي ينحو إلى التقسيم باعتباره الحل الأمثل للقضية السورية, وذلك بحسب وجهة نظر القوى المتصارعة, والذي يعود إلى الأسباب التالية:
1 - استحالة التفاهم الروسي- الأميركي مما أدى لتأجيج الصراع, إثر محاولة روسيا توسيع الرقعة الجغرافية لصالح ربيبها الأسد, فيما تعمل الولايات المتحدة على ترسيخ مناطق نفوذها شرقي الفرات وفي منطقة البادية السورية، وفق استراتيجيات مختلفة، ومحاولات حثيثة لتقوية نفوذ كل منهما، في مشهد تنافسي وصل في بعض الأحيان إلى المواجهة المسلحة كما حصل في شباط فبراير الماضي في منطقة وادي الفرات .
2 - تعاظم التنافس الإقليمي التركي- الإيراني, بهدف السيطرة على الجزء الأكبر من سورية في إطار المظلة الروسية, وقد حققت تركيا العديد من أهدافها في معركتي (درع الفرات وغصن الزيتون) على الحدود السورية – التركية، وسيطرت على منطقة واسعة تمتد من جرابلس مرورا بإعزاز وعفرين وصولا إلى بوابة محافظة إدلب. وتحاول إيران الحفاظ على تواجدها العسكري في سورية المفيدة وضمان تشغيل شريانها الحيوي الواصل بين طهران والبحر المتوسط عبر البادية السورية.
3 - التراشق الإعلامي المتعاظم بين واشنطن وموسكو, يرسم ملامح التقسيم, الذي جاء على شكل تصريح لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، "من وجود محاولات تهدف إلى تدمير سوريا وتقسيمها، وإبقاء وجود قوات أجنبية في أراضيها إلى الأبد، وشدد على رفض موسكو لها، في إشارة إلى الوجود الأمريكي شرقي الفرات", وهو اعتراف ضمني من الروس أنهم فشلوا في تحديد شكل سورية المستقبلي بعد العودة الأميركية للملف السوري.
التقسيم في بُعده الشعبي
أثبتت الحرب السورية في بعدها المحلي, وَهْمَ الوطنية السورية وكذبة (الشعب الواحد)، قطعًا لا يعني هذا الطرح إهمال أهمية الحالة الوطنية عند بعض الأشخاص الذين ينتمون إلى الأقليات المتواجدة في المشهد السوري, إلا أنه بالإمكان تجاهل تأثيرها على أرض الواقع, تجسد ذلك منذ بداية انطلاق الثورة السورية, في حالة الاصطفاف الأقلوي خلف نظام الأسد الطائفي, وفي حالة الاحتقان الاجتماعي التي أسس لها نظام الأسد الأب, واستثمرها الأسد الابن استثمارا ذكيا في دفع السوريين بأغلبية طائفية لمواجهة الاحتجاجات السورية, التي نجم عنها صدامات دامية, وأثارت انقساما حادا في بنية المجتمع السوري, وأعادته إلى أيام (داحس والغبراء) مما أدى إلى حالة انقسام بيني وفرز طائفي, تحوّل لورقة دائمة الغليان على طريق التفتيت بين قوى موالية للأسد ذات صبغة طائفية تملك القوة, واستخدمتها بشكل مفرط على شكل إبادة جماعية, مسنودة من دولة عظمى ومجاميع شيعية إيرانية ولبنانية وعراقية وأفغانية, أعلنت أن هدفها الضمني من دخول الحرب السورية هو قتل النواصب (السنة), وبين قوى أهلية معارضة تمثل سواد الشعب السوري, منزوعة القوة تتصدر واجهتها العسكرية فصائل متنافرة أفرغت من مضمونها الوطني بفعل ولاءات وأجندات خارجية.
إلى ذلك، فإنه في ظل وجود هذا الشرخ الكبير, المرتبط بالصراع الأهلي وظروفه وأطرافه, فالحديث عن قرب انتهاء الحرب، والتأسيس لعقد اجتماعي ناظم للمكونات الاجتماعية السورية لا يزال بعيدًا، ولا ينبغي الانقياد للجلبة الإعلامية المدوية, التي تبشر بسورية جديدة, سواء أطلقها الموالون للأسد, أو المعارضون له, في ظلّ استمراره على رأس السلطة أو زواله.
ما يجب أن يشار إليه؛ لفهم ما دار ويدور في سورية, هو استمرار نظام الأسد باستدعاء الروح الطائفية والتعبئة الدينية المعلنة لمواجهة الشعب السوري, وفي حال وضعت الحرب أوزارها, فالجميع سيخرجون من هذه الحرب بأحقاد وضغائن وجروح عميقة أشدها إيلاما, تلك الجرائم الكيماوية التي أمر بها الأسد ونفذها ضباط طائفيون، يستعصي على الذاكرة الجمعية طيها ونسيانها, لذلك, لا يمكن البناء على وحدة جغرافية سكانية, حتى في مناخ غير حربي, وهذا ما أسس له الأسد على طريق التقسيم في حال واجهته قوى كبيرة وضعت حدّا لعدوانه على الشعب السوري.
إجراءات التقسيم
باتت إجراءات التقسيم بعد تنفيذها عمليا, أقرب إلى تجسيدها على أرض الواقع من أي وقت آخر, فالمشهد السوري يضم عمليا أربعة كانتونات علنية, في شرق سورية, وشمالها, وجنوبها, وفي قلبها, ويمكن رصدها بالتالي:
- كانتون الجنوب: الذي بدأ تنفيذه عمليا, يتمثل في جنوب غرب سوريا، وبالتحديد في محافظات درعا والقنيطرة والسويداء، ويكون تحت نفوذ المعارضة السورية تدعمه الولايات المتحدة والأردن, وتوافق عليه "إسرائيل" باعتباره يشكل حاجزا بينها وبين الميليشيات الإيرانية القريبة من الحدود الشطرية لفلسطين التي تحتلها إسرائيل.
- الكانتون الكردي: تعرض لصفعة مؤلمة في منطقة عفرين بعد عملية "غصن الزيتون" التي وضعت حدّا لتطلعات حزب (ب ي د) الكردي الذي ارتكب انتهاكات متعددة ضد السكان المحليين, ليقتصر الحديث عن كانتون كردي يمتد من القامشلي إلى عين العرب بحماية أميركية ودعم مالي أوروبي, ولكن الحديث اليوم يدور عن استدعاء قوات عربية إلى منطقة الجزيرة, ومنح القبائل العربية في تلك المنطقة امتيازات متنوعة، مما سيحد من النزوع الانفصالي للأحزاب الكردية وبالأخص الفرع السوري من حزب العمال الكردستاني.
- الكانتون الشمالي: يضم محافظة إدلب والأرياف المحررة من محافظات حلب وحماة واللاذقية, يكون النفوذ فيه للأتراك, وتديره مجالس محلية, وجيش "وطني".
- سورية المفيدة: وتضم باقي المناطق السورية الخاضعة لنظام الأسد, يكون النفوذ فيها للروس والإيرانيين, تضم محافظة دمشق وريفها وحمص وحماة والساحل.
ولعل رؤية وأمنية وزير الخارجية الأميركي الأسبق "هنري كيسنجر" فيما يتعلق بالحالة السورية تنطوي على حقائق فيما قاله قبل أعوام: "إنّ قبول مختلف القوميات السورية بالتعايش معًا، في مناطق مستقلة ذاتيًا على نحو أو آخر، بحيث لا تقمع بعضها البعض هي النتيجة التي أفضل رؤيتها تتحقق". وبين هذا وذاك, فالتفاعلات الدولية على الساحة السورية ستحدد مصير ومستقبل سورية في الأيام القريبة القادمة.