بعد انكسار الغوطة.. هل امتلكت إيران مفاتيح دمشق؟ - It's Over 9000!

بعد انكسار الغوطة.. هل امتلكت إيران مفاتيح دمشق؟

بلدي نيوز – (تركي مصطفى)

أدركت لاحقا، لمَ كلفنا أستاذ الآثار في جامعة دمشق في عام 1990 بالبحث عن قصر الخضراء الذي بناه معاوية بن أبي سفيان في عاصمة دولته دمشق، فرحت وزملائي نستدل من الدمشقيين عن المكان، وبعد عناء وصلنا إلى محلة القيمرية، حيث وجدنا مكانا خربا يحوي قبر مؤسس الدولة الأموية معاوية بن أبي سفيان، ويمتلئ بالفضلات والأوساخ فيما الجدران تزخر بالشعارات الطائفية. وقتها، علمنا وأستاذنا أن دمشق باتت حديقة تلهو فيها إيران.

مقدمة

بصرف النظر عن اختلافنا أو اتفاقنا مع نهج وسياسة حقبة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، إلا أنه عطّل المشروع الإيراني في سوريا لمدة ربع قرن، وبعد إسقاط حكمه بالتعاون الإيراني مع "الشيطان الأكبر" بات الطريق أمام جحافل إيران مفتوحا اتجاه العاصمة دمشق بامتداداته نحو عمق المنطقة العربية لتصدير أفكار الخميني ولكن هذه المرة ليس بالأدوات والوسائل الناعمة، إنما بالقوة المفرطة من خلال مرتزقة يتحدرون من خلفيات شيعية، وعنصرية تعبد الولي الفقيه مقابل إغراءات مادية وأخرى مهدوية تضحك على جهالتهم باقتراب خروج المهدي من سردابه تارة من بغداد وأخرى من صنعاء، وفي دمشق نقلوا مشهدا مسرحيا يتقدمه المهدي يستل سيفه لقتل النواصب "السنة".

كانت دمشق لقمة سائغة كما اشتهاها ملالي طهران، فحافظ الأسد انتهج استراتيجية طائفية بالتحالف مع المحور الشيعي امتدادا من لبنان حتى حدود باكستان، بعدما هزت أركان نظامه أحداث السبعينات والثمانينات، حيث ارتمى في الحضن الإيراني لتعزيز حكمه مقابل اقتطاع مستوطنة لهم في ضاحية دمشق الجنوبية "السيدة زينب". ومنها بدأت عملية احتواء وتطويق دمشق تدريجيا وتقويض نسيجها الاجتماعي والنفاذ إلى داخل الأحياء الشيعية في دمشق القديمة "حي الأمين، والجورة، وزين العابدين".

تسارعت الأحداث مع انهيار بغداد، بوابة دمشق الشرقية واستيلاء إيران عليها، فكانت دمشق هي الأقرب للحاق بأختها لكونها بوابة مفتوحة في الأصل أمام الإيرانيين، لتشهد تحولات جذرية بعدما أنشبت إيران أظفارها في بنية نظام الأسد السياسية والعسكرية مؤذنة بطي صفحة حكم آل الأسد لتنطلق إيران بعد ذلك بثقلها في العاصمة، لصوغ الوضع السياسي الجديد فيها بما يخدم أهدافها ومصالحها، ولتربط سلسلة أخرى بسابقتها بغداد في إطار سلاسل التطويق الإيراني للأمصار العربية.

ومع بلوغ بشار الأسد السلطة بالتوارث، توغلت إيران في العاصمة، حتى باتت المستشارية الثقافية في حي المرجة مركزا للغزو الفكري، وسفارتها الكائنة في أوتستراد المزة مزارا لرجالات الأسد ليلا يتلقون منها التعليمات والترقيات ورسم السياسة العامة للبلاد. أما دمشق فقد انتزعت أثوابها الزاهية التي حوت اليهود والمسيحيين والمسلمين على حد سواء، واتشحت بالسواد بفنادقها وحاراتها العتيقة ومساجدها، وأضحت ميدانا للردح واللطم والتطبير حتى تخالها صورة مصغرة عن مدينة قم الإيرانية. حيث كان المطبرون يسيرون في شوارع دمشق ويرفعون في وجه الأهالي شعارات طائفية تنال من رموزهم الدينية بحماية الأجهزة الأمنية التابعة للأسد دون أن يجرؤ أحد على الاعتراض.

أمام هذا التحول للعاصمة الأموية وغيره من أسباب، انتفض السوريون مطالبين بالحرية والكرامة، فيما كان محور "الممانعة والمقاومة" الاسم العلني  للأنظمة الشيعية (إيران سورية)، يستكمل استقبال حشده المافياوي في العاصمة دمشق مثل ميليشيا حزب الله اللبناني، والميليشيات الأفغانية والباكستانية التي يقودها الحرس الثوري الإيراني، برعاية أممية، لمواجهة السوريين المنتفضين على نظام آل الأسد، ولكن زعيم ميليشيا حزب الله بعد نزعه عباءة التقية، صرح بعد سبع سنوات من الموت والخراب، بأنه لم يقاتل لأجل الأسد ولا لبقاء جمهوريته المستورثة، إنما من أجل التشيع، حيث قال بصفاقة: "نحن لا نقاتل من أجل بشار الأسد، نحن نقاتل من أجل التشيع، ولولا حزب الله وإيران لسقطت سوريا، الشيعة اليوم في ذروة قوتهم بالمنطقة".

إذاً، لم يقاتل محور الممانعة والمقاومة السوريين تعبيرا عن موقف سياسي، بل كان قرارا إيرانيا لمنع بلوغ الأكثرية السورية السلطة في دمشق، وإذا ما أصروا على مطالبهم فيجب محاصرتهم بالموت والتشريد والتهجير. ولا أدل على ذلك من المشاهد القادمة في غوطة دمشق والتي تجسد القرار الإيراني الانتقامي الثأري.

في الغوطة المذبوحة استكمل الأسد بحماية مركبة إيرانية أممية على الأرض ومساندة روسية من الجو، تسليم دمشق ومحيطها للمحتلين، وبذلك باتت عاصمة السوريين تتشح بالسواد، وتتناهب جثتها الكلاب المتوحشة إيذانا ببدء مرحلة التهاوش بينهم على بلد مغتصب.  

أدوات إيران في تشييع دمشق

اتخذ نظام الخميني من العاصمة دمشق بالتواطؤ مع نظام الأسد منبرا لاستمالة الشعب العربي، ومنها دعا لإزالة الكيان الصهيوني عن الخارطة، واعتبره سرطانا يهدد العالم. وقد حافظ على لهجة معادية لإسرائيل لتكريس صورته في الذهنية العربية وأطلق ما عرف بيوم القدس، ووصف الولايات المتحدة بالشيطان الأكبر.

وبعد مرور ثلاثة عقود، تفاجأ السوريون وغيرهم من المخدوعين بخطاب ملالي طهران بأنهم المستهدفون بالإزالة والتهجير من مدنهم وبلداتهم، فيما تقيم طهران علاقات عميقة مع "الشيطان الأكبر" الولايات المتحدة، وربيبتها إسرائيل التي أظهرت الخلفية الأساسية لنظام الحكم الإيراني وتوجهات الملالي في التوسع إلى عمق سوريا عبر قتل وتهجير وتشريد أهلها، وعزلهم عن دورهم التاريخي القيادي، والتبشير بالدين الشيعي الفارسي وتعميمه على باقي المناطق السورية. وذلك بعلم نظام حافظ الأسد ومن بعده وريثه، الذي يشكل مع نظام الخميني "محور الممانعة والمقاومة" الذي لم يقدم للسوريين سوى الشعارات البراقة والخطابات الرنانة، ليسقط كل ذلك بالدعم الايراني العلني الذي قدمته إيران للولايات المتحدة في غزوها العراق باعتراف القادة الإيرانيين ومنهم (محمد أبطحي) نائب الرئيس الإيراني السابق، والذي قال: "لولا إيران لما استطاعت أمريكا غزو أفغانستان والعراق".

وكرر ذلك الجنرال حسين همداني قائد الحرس الثوري الإيراني المقتول في سوريا عام 2015م: "لولا إيران لسقط نظام الأسد"، فلسان حالهم يردد لولا نظام آل الأسد لما استطاعوا احتلال دمشق والمباشرة بتشييعها عبر أدوات مختلفة، يمكن إجمالها بالتالي:

أولا: توظيف نظام الأسد

بدأت استراتيجية إيران في تشييع العاصمة دمشق في عهد الأسد الأب عبر التحالف والدعم لنظامه الذي تعرض لهزات كبيرة في ثمانينات القرن العشرين إثر الأحداث التي عصفت بسوريا، وتمكن الأسد الأب من قمع الاحتجاجات السورية بالتركيز على حركة الإخوان المسلمين، ليتفرد بالحكم المطلق في سورية، لذلك اعتمد استراتيجية جديدة في علاقته مع نظام الملالي بالحفاظ على توازن سياسي بالتحالف معهم. وتزامنا مع الأحداث التي جرت في سوريا بدءا من العام 1979م استغلت دولة الملالي الناشئة حديثا تلك الاضطرابات وتسللت بالاتفاق مع حافظ الأسد إلى عمق المناطق العلوية، وشكل حينها جميل الأسد جمعية الإمام المرتضى بتكليف من شقيقه الأسد ونشطت تلك الجمعية في كل المناطق السورية ومنها العاصمة دمشق، ولكن الأسد تمكن من قمع حركة الإخوان المسلمين وحينها أدرك خطر إيران بحكم تقارب استراتيجيته مع الإيرانيين، وخشي من ابتلاعهم لنظامه، فاتخذ عدة تدابير داخل الجغرافية العلوية وفي العاصمة دمشق لضمان عدم توغل دولة الملالي، وحصر أماكن تواجدهم في منطقة السيدة زينب بضواحي دمشق الجنوبية، ومنحهم حرية استملاك العقارات المحيطة بمنطقة السيدة زينب.

وبعد أن تولى الأسد الابن حكم سوريا، اكتشف الإيرانيون بخبرتهم السياسية هشاشة الحكم في سوريا، فاعتمدوا استراتيجية السيطرة التدريجية على العاصمة دمشق بعد أن استنجد بهم الأسد الذي بات نظامه على حافة الهاوية، فاستقدمت إيران قبيل انفجار الثورة السورية بأشهر قليلة خمسة آلاف من عناصر حرسها الثوري احتلت من خلالهم مطار دمشق الدولي ومحيطه، وكذلك القصر الجمهوري ليأخذ التواجد العسكري الإيراني أبعادا أكثر عنفاً ودموية بعيد انطلاق الثورة السورية من خلال مشاركتها في قمع المظاهرات السلمية والتواجد المكثف في مختلف المناطق سيما مناطق العاصمة، حيث بات الإيرانيون وميليشياتهم يتجولون بكثافة في دمشق القديمة والسيدة زينب والمقامات الشيعية الأخرى وهم يضعون علامات على بزاتهم العسكرية باللون الأصفر والأحمر والأخضر، مكتوب عليها "يا لثارات الحسين، ولن تسبى زينب مرتين"، وما إلى ذلك من إشارات وعلامات شيعية.

واتبعت إيران بالتواطؤ مع نظام الأسد أساليب مختلفة لتهجير أهلها وتغيير معالمها وتحويلها إلى مدينة شيعية ومن بين هذه الأساليب:

  • حرائق أسواق دمشق القديمة

أحكم الحرس الثوري الإيراني سيطرته على محيط العاصمة دمشق والمراكز الرئيسية لنظام الأسد، وكلف الميليشيات الشيعية بإشعال الجبهات على طول البلاد، ثم تفرغ لعملية تشييع العاصمة دمشق عبر أساليب مادية وقهرية، حيث بدأت حملتهم بحرق باب سريجة ثم البريد فسوق البزورية ثم العصرونية في دمشق القديمة الذي يجاور مقام السيدة رقية لتلتهم نيرانه ملامح دمشق، ويهيمن اللون الأسود على المنطقة كدلالة على التغلغل الإيراني داخل المدينة القديمة.

  • شراء الفنادق والعقارات

بعد أن اشترت إيران منطقة السيدة زينب في ضواحي دمشق الجنوبية، انتقلت إلى قلب العاصمة دمشق، وبدأت بشراء الفنادق، ومن بينها فندق الشام الشهير الكائن في مدخل بوابة الصالحية والملاصق لنادي ضباط دمشق، بذريعة تأمين المنامة للحجاج الإيرانيين القادمين من إيران وباكستان ولبنان والعراق والبحرين، كما اشترت إيران أغلب فنادق منطقة البحصة في دمشق المجاورة لمستشاريتها الثقافية كفندق كالدة والأيوان وآسيا ودمشق الدولي وفينيسيا والبترا، واستملاكها مسبقا فندق سميراميس في جسر فكتوريا.

ثانيا: تحويل دمشق إلى ثكنة للحرس الثوري

منذ وصول الحرس الثوري الإيراني والميليشيات الشيعية الإيرانية إلى سوريا، أحاطوا العاصمة دمشق بشبكة من القواعد العسكرية، وتمددوا إلى داخلها، من خلال بناء ترسانة عسكرية بجوار المقامات الشيعية المزعومة بذريعة حمايتها، وبات واضحا أن الهدف الاستراتيجي إحكام السيطرة على العاصمة. ولا أدل على ذلك من العرض العسكري الذي أقيم في صحن مقام السيدة زينب في دمشق تأبيناً لأحد قادة حزب الله "مصطفى بدر الدين" المتهم باغتيال رئيس الحكومة اللبنانية رفيق الحريري حيث حضر العرض العسكري عددا كبيرا من ضباط الحرس الثوري وقادة من حزب الله، وأطلق خطباء العرض كلمات تهديد لأهالي دمشق خاصة، ولعموم السوريين. وتشير التقارير إلى أن هناك 24 فصيلا شيعيا يتخذ من العاصمة ومحيطها مركزا لعملياته العسكرية.

 واشتغل نظام الملالي سنوات طويلة لإنتاج هذه الأذرع لتحقيق أهدافه وأغراضه ومشروعه الطائفي بهدف تفكيك المجتمع السوري بغية التحكم بقضايا المنطقة الساخنة.

مرتكزات المشروع الايراني في دمشق

ارتكز المشروع الإيراني في دمشق على عدة دعائم اتخذ منها مرتكزات استراتيجية لمد نفوذه في أوساط الأقليات الشيعية الوافدة إليها من إيران والعراق ولبنان عبر مراحل تاريخية متلاحقة وأهم تلك المرتكزات:

أولا: السفارة الإيرانية في دمشق

لا يختلف أحد من المهتمين بالشأن السوري حول نشاط السفارة الإيرانية في دمشق، وتدخّلها بالشأن السوري، بالإضافة إلى ممارستها ما يُمكن تفسيره بـ"الوصاية السياسية والأمنية على البلاد"، وخلافاً للأعراف والتقاليد الدبلوماسية بين الدول في ما يتعلق بالسفارات والقنصليات أو الملحقيات الدبلوماسية وعملها، تحوّلت السفارة الإيرانية في دمشق إلى أشبه ما يكون بمؤسسة سورية، صاحبة قرار ونفوذ واسعين بالبلاد.

تقع هذه السفارة على أوتستراد المزة وقد سيطرت على منطقة بساتين الرازي المُطلّة على العاصمة دمشق من جهة الغرب، واتخذت مظاهر فاضحة كإغلاق الطرق المحيطة بالسفارة، وانتشار القوات الخاصة الإيرانية المُدجّجة بالأسلحة، والتحليق المستمرّ لطائرات المراقبة والتجسس، وصور المرشد الإيراني علي خامنئي.

وشاعت ظاهرة مراجعة مواطنين سوريين ولبنانيين وعراقيين إلى السفارة الإيرانية نهارا، لحل مشاكلهم، وفي الليل توافد القادة العسكريين والسياسيين التابعين لنظام الأسد في مشهد اعتادت عليه دمشق منذ سنوات طويلة غير أنه اتسع مؤخرا مما جعل السفارة الإيرانية بمثابة حكومة انتداب إيراني على سوريا، حتى باتت تمتلك سلطة أقوى من سلطة الأسد. ولعل أخطر مهامها تتمثل في تأجيج الطائفية في دمشق على وجه الخصوص وفي سوريا عموما، وهي سبب رئيسي في أعمال العنف وما يجري من حرب طاحنة، يديرها رجال استخبارات إيرانيون، تمكنوا بميليشياتهم المدججة بالسلاح من تدمير محيط العاصمة، كما فككوا بنيتها الاجتماعية بالتشييع الذي يهدف قبل كل شيء إلى السيطرة على دمشق.

ثانيا: المستشارية الثقافية الإيرانية:

هي ملحقية ثقافية تتبع للسفارة الإيرانية، ومهمتها تصدير أفكار الخميني ونشر اللغة الفارسية، وإقامة معارض لكتب شيعية تثير الانقسامات الطائفية وتبشر بالمذهب الشيعي في مخالفة للأعراف والتقاليد الدبلوماسية بين الدول، وتخصص إيران ميزانية ضخمة لدعم أنشطتها. تقع المستشارية في حي المرجة وسط العاصمة دمشق، وقد جندت المئات من الموظفين السوريين من حراس وسائقين ومترجمين وكذلك كتبة التقارير، حتى باتوا أعضاء ينفذون ما تريده إيران بالتوافق مع نظام الأسد.

ومن أنشطة هذه المستشارية استقطاب شيوخ العشائر السورية والوجهاء، وأساتذة الجامعات بتوجيه بطاقات الدعوة في مناسبات الاحتفال بعاشوراء ومولد أئمتهم، ودفع مبالغ مادية كبيرة لهم تحت مسمى الهدية، وتوجيه دعوات لهم لزيارة إيران، حتى أن معظم شيوخ العشائر السورية زاروا إيران وشاركوا بكرنفالات قم التي تدعو إلى شتم الصحابة، والحط من شأن العرب وإظهار إيران كدولة ترعى قضايا العرب. كما تقوم المستشارية الإيرانية بتنظيم مسابقات، منها مسابقة الإمام الخميني للقصة القصيرة، وتوزيع الهدايا على القسم الأكبر من الفائزين.

وبذلك شكلت دورا أساسيا في نشر الفكر الشيعي الإيراني، عبر وسائل مختلفة مستغلة الظروف المعيشية الصعبة التي يرزح تحتها السكان، في الوقت الذي تقف فيه دول الخليج النفطية متفرجة على العبث الإيراني في المنطقة.

ثالثا: الهيمنة على المؤسسة الدينية في دمشق

عمدت إيران على نشر ما يسمى بالحوزات الدينية والمدارس التبشيرية للفكر الفارسي في دمشق، حيث تقوم هذه الحوزات والمدارس على نشر التعاليم والأفكار الشيعية الفارسية ومهمتها الأساسية اجتذاب الطلاب السنة إلى هذه الحوزات، وبعد إكمالهم التعاليم الأساسية للفكر الشيعي، يتم تزكيتهم من المعممين وإيفادهم في بعثات دراسية إلى حوزة قم في إيران لتتم عملية غسل أدمغتهم في أجهزة المخابرات الإيرانية، ومن ثم يتم تجنيدهم وإعادتهم إلى بلدانهم ليعملوا لصالح إيران بصفة جواسيس على أبناء جلدتهم.

وللهيمنة على المؤسسة الدينية في سوريا قامت بإنشاء "مكتب تنسيق" تحت مدعى التقريب بين المذاهب الإسلامية في دمشق، فيما هو بمثابة غرفة عمليات لتحديد مسار الخطاب الديني في سوريا.

يتألف المكتب من مندوبين عن عدد من المؤسسات الإسلامية السنية، أبرزها "معهد الشام العالي للدراسات الشرعية" وعلماء من الجامع الأموي وممثلين عن الطريقة الصوفية، إضافة إلى ممثلة عن "القبيسيات"، ومندوبين عن الحوزات الشيعية في دمشق. وكان يقع "مكتب التنسيق" في "المستشارية الثقافية الإيرانية" في منطقة المرجة وسط العاصمة دمشق، ثم تحول إلى حي الأمين ذي الغالبية الشيعية ضمن دمشق القديمة.

ما يعني هيمنة إضافية لإيران على جميع المؤسسات الدينية في سوريا، والتدخل في معالجتها للقضايا المذهبية، وصياغة خطاب يتوافق مع سياسة إيران المعتمدة.

ويعتبر وزير الأوقاف محمد عبد الستار السيد، ومفتي الأسد أحمد حسون من أهم منفذي سياسة التشيّع في سوريا.

 رابعا: المستوطنات الإيرانية في دمشق

منذ استيلاء نظام الملالي على السلطة في طهران، نشطت حركة الإيرانيين ورجال دينهم في مقابر دمشق سيما مع بداية توريث بشار الأسد الحكم، حيث ينقبون في المقابر أو في الأحياء القديمة عن أي مقام لأحد الصالحين ثم تتبناه طهران وترصد له موازنة خاصة من أجل بنائه وإلصاق اسم أحد أهل البيت من أبناء أو بنات الإمام علي بن أبي طالب وسلالتهم وجعله مزارا كبيرا، ثم يتجه "الحجيج الإيراني" بالمئات والآلاف إلى هذا القبر، لإثارة جلبة عن المكان، وتثبيت أنّه قبر لأحد أهل بيت علي ثم بعد ذلك يتم شراء الأراضي والبيوت المحيطة بالقبر، ليتم إنشاء حسينية كبيرة على القبر، وتشييد فنادق وأسواق وأماكن سكن محيطة بالقبر، بحيث تكون مستوطنة إيرانية، ومن أشهر تلك المستوطنات الإيرانية السيدة زينب ورقية وسكينة.

مظاهر تشيع دمشق

تشهد دمشق استنفاراً أمنياً غير مسبوق مع إحياء الميليشيات الشيعية والدفاع الوطني التابع لنظام الأسد في "ذكرى عاشوراء". حيث يتم تبليغ سكان الأحياء المحيطة بالمقامات الشيعية بحظر حركة السير لإحياء الأيام الأخيرة من طقوس عاشوراء. والملاحظ أن الاحتفالات بيوم عاشوراء باتت ظاهرة جديدة على مدينة دمشق من حيث اتساعها، حيث كانت سابقاً تنحصر في أحياء الأمين وعند مقام "السيدة رقية" و"السيدة زينب"، فيما انتقلت تدريجيا إلى مناطق جديدة واتسعت لتسمع اللطميات في عدة أحياء من العاصمة.

ولأجل لفت الانتباه، نصبت الميليشيات الشيعية حواجز مؤقتة لتفتيش المشاة في أحياء دمشق القديمة، حيث تنتشر ميليشيات لبنانية وعراقية شيعية فيها، ويتم تغطية جميع جدران المنازل بمحيط مقام السيدة رقية في دمشق القديمة بأقمشة سوداء كبيرة تعبيراً عن حزنهم في هذه المناسبة. وتتجسد أكثر المظاهر العلنية الشيعية الطاغية في اللطميات، وفيما كانت قبل الثورة تمارس بشكل خجول وعلى نطاق محدود في بعض الاحياء والحسينيات، أصبحت تمارس اليوم بشكل علني بحماية الميليشيات الشيعية، وبترحيب من نظام الأسد الذي لم يعد يمتلك شيئا في دمشق.

 باتت ظاهرة مراسم "اللطميات" مستمرة على مدار العام يقوم بها الشيعة في شوارع دمشق وبالأخص في مناسباتهم الدينية المتعلقة بقتل وولادة آل البيت، حيث يبدأ الموكب الشيعي بالتجمع عند بوابة سوق الحميدية ويتجه نحو مقام السيدة رقية وسط أصوات الحشد الكبير الذي يتقدمه رادود أي عريف حفل يغني بلكنة عراقية أو فارسية، أغاني تمجد بآل البيت وأتباعهم، وتهاجم النواصب أي السنة وأتباعهم، وتتعمد الوقوف أمام محلات الدمشقيين لأجل استثارتهم دون أن يجرؤ أحد على الاعتراض، وعندما يبلغون الجامع الأموي تتشح جدرانه الخارجية والداخلية بالرايات السوداء وهم يهتفون بالموت لمعاوية ويزيد، ثم يتابع الموكب مساره نحو مقام السيدة رقية في حي العمارة، وهنا تعلو أصوات النحيب وقرع الطبول ويبدأ اللطم والصراخ والبكاء المفتعل ويخرج من بين الموكب العديد من الرجال يحملون سلاسل من حديد وسكاكين وسيوف، وتبدأ حفلة تعذيب النفس بالضرب على أجسادهم حتى يغرقون بالدماء في مشهد يدلل على ندمهم بالتوقف عن نصرة الحسين وسط ذهول الدمشقيين الذين لم يعتادوا على هذه المظاهر.

وما يثير الدهشة ذاك المشهد المسرحي الذي يظهر خروج المهدي من سردابه ووصوله إلى العاصمة دمشق، مما يدفع أهالي دمشق إلى السؤال هل باتت مدينتهم شيعية المظهر يعيث بها الايرانيون؟

خلاصة

مع انكسار آخر أسوار دمشق إثر مذبحة الغوطة، تستكمل إيران مشروعها في تحويل دمشق عاصمة الأمويين إلى مدينة شيعية تتشح بالسواد، والانتقال بها من مدينة مفتوحة على الثقافات العالمية إلى مدينة يحاول الإيرانيون العودة بها إلى القرن السابع الهجري، فالصور المتناقلة من دمشق ليست تعبيرا عن طقوس وشعائر دينية فحسب، إنما هي غزو ثقافي إيراني تحميه ديكتاتورية فكرية وعسكرية، بهدف ثأري انتقامي من التاريخ والجغرافية، حيث كانت دمشق عاصمة الأمويين تعج بثقافات متنوعة تحوي بين بساتينها وداخل أسوارها اليهود والمسيحيين والمسلمين على حد سواء. 

ولا يمكن لها تحقيق مشروعها دون التواطؤ مع نظام الأسد في نشر التشيع السياسي والذي يصب في خدمة الطرفين، فالأسد رمى نفسه كليا في حضن إيران منذ اندلاع الثورة السورية لتثبيت بقائه والدفاع عن حكمه، ضارباً بعرض الحائط حجم المخاطر الجمّة التي تهدد النسيج السوري، فقدّم تسهيلات كبيرة لدخول الشيعة وتوطينهم وانتشارهم وتمكينهم بحجة حماية المقدسات الشيعية الموجودة في مناطق السنة، واستثمرت التسهيلات من حليفها الأسد لتنفيذ مشروعها السياسي التوسعي في ظروف الحرب الراهنة، وبالإضافة إلى إنشائها غرف عمليات عسكرية في سوريا، أنشأت غرفا أخرى للتشيع، ونشرت مذهبها في الوسط الدمشقي، وبات الأسد مع طائفته يفقدون تدريجيا مكانتهم السياسية والعسكرية لصالح الإيرانيين، تزامنا مع استصدار سلّة قوانين تستبيح من خلالها العاصمة دمشق يتصدرها الإبادة اليومية في الغوطة الشرقية على أيدي مجرمي محور الممانعة، باستراتيجية لا تقبل الجدل تقوم على تفريغ العاصمة ومحيطها من السوريين الرافضين لمشروع التشيع.

مقالات ذات صلة

تعيين مرهف أبو قصرة وزيرا للدفاع في الحكومة السورية الجديدة

"التعاون الخليجي" يدعم وحدة واستقرار سوريا

أمريكا تطالب لبنان بالقبض على مدير مخابرات النظام السابق جميل الحسن

فلسطينيو سوريا يدعون للكشف عن مصير معتقليهم وضرورة المحاسبة

أنقرة: فيدان سيزور دمشق قريباً

الاتحاد الأوروبي يعتمد نهجًا جديدًا بعد سقوط النظام في سوريا

//