بلدي نيوز - متابعات
ودّعت روسيا عام 2015 بشكل متوتر، بين عملياتها العسكرية في سوريا، وتعرّض طائرتها للسقوط في شبه جزيرة سيناء المصرية، وما تلا ذلك من إسقاط مقاتلتها فوق الأراضي التركية بعد اختراقها سيادة وأجواء تركيا، وتدهور علاقتها معها، إضافة لحالة التدهور والركود الاقتصادي التي تعيشها، وهبوط سعر النفط إلى أقل من 40 دولارا للبرميل، وانخفاض سعر العملة الروسية “الروبل”، مما أدى إلى ارتفاع معدلات التضخم إلى 13%.
وليس هذا العام هو الوحيد العصيب والمتوتر على الصعيد الروسي، فروسيا تعيش حالة من الفشل والتخبط الاقتصادي، إضافة إلى ديكتاتورية رئيسها، وهذا أدى إلى فشلها سياسيا، وانقسام السياسيين فيها بين مؤيد للحرب على سوريا، ومعارض لها، خصوصا أن لها سلبياتها على الاقتصاد الروسي، وتخوّف الشعب الروسي من عمليات إرهابية ضدّه، كرد فعل على قتلهم للسوريين.
وكعادته لم يغيّر الدب الروسي من سياسته، فهو على مر التاريخ يطلق التصريحات التي توصف بأنها غشيمة ومستهترة وغير متعقلة، إضافة لدعمه الدائم للأنظمة الفاشلة مثل يوغسلافيا ونظام القذافي في ليبيا، والسيسي في مصر، وحاليا نظام بشار الأسد في سوريا.
فشل اقتصادي
أنهى الاقتصاد الروسي عام 2015 بتراجع مؤشّراته، وتراجع الناتج المحلي إلى 4%، ووصول نسبة التضخم إلى 13%، وتراجع سعر صرف العملة الروسية “الروبل” أمام الدولار ليتجاوز الدولار الـ72 روبلا، كما زادت نسبة الفقراء بشكل ملحوظ أكثر مما كانت عليه قبل 15 عاما، حيث وصل عددهم إلى 22 مليوناً، أي حوالي 15% من نسبة السكان، كما أدى حظر التعامل اقتصاديا مع تركيا وأوكرانيا إلى ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية، التي تعتبر حصة الغذاء لذوي الدخل المحدود مثل الفواكه والخضر واللحوم.
وتقدّر قيمة الصادرات التركية المحظورة في روسيا بنحو 764 مليون دولار سنويا، وتشكّل 42% من عائدات صادرات تركيا، حيث تصدّر تركيا لروسيا البرتقال، والتفاح، والمشمش، والملفوف، والملح، والقرنبيط، والمندلينا (اليوسفي)، والخيار، والإجاص، والدراق، والخوخ، والعنب، والفراولة، والبصل، والقرنفل، ولحوم الدجاج والديك الرومي، والسمك، واللحم الأحمر، ومشتقات الحليب، والبندق، والليمون الحامض.
ومما سيؤثّر على الاقتصاد الروسي سلبا ويؤدي لفشله، تصاعد تكاليف العمليات العسكرية في سوريا يوما بعد يوم، حيث قدّرت في الفترة من سبتمبر وحتى أكتوبر من عام 2015، ما بين 80 و115 مليون دولار أمريكي، وهي تشمل الشهر الأول من بدء العمليات في سوريا، وزادت هذه القيمة تدريجيا مما شكّل ضغطا على اقتصاد البلاد.
وكانت تكلفة الغارات الجوية وحشدها العسكري في سوريا بين 2.4 وأربعة ملايين دولار يوميا، ووصلت التكلفة اليومية لتحليق المقاتلات الروسية بمعدل تسعين دقيقة، والمروحيات قرابة الساعة، إلى 710 آلاف دولار، كما أن الطائرات الحربية الروسية تلقي يوميا قنابل وقذائف تقدّر تكلفتها بنحو 750 ألف دولار.
كما بلغت النفقات اللوجستية اليومية لنحو 1500 عسكري روسي في سوريا نحو 440 ألف دولار، ووصلت التكلفة اليومية للوحدات الموجودة في قاعدة طرطوس على البحر المتوسط في سوريا، والقاعدة في بحر قزوين نحو مئتي ألف دولار، بينما ارتفعت كلفة النفقات اليومية للأنشطة الاستخباراتية والاتصالات والأمور اللوجستية الأخرى لروسيا في سوريا إلى 250 ألف دولار.
يتكلّم بوتين كثيرا ويعمل قليلا، فعلى سبيل المثال، تبني الصين وتعمل بصمت كبير وبذكاء منقطع النظير، وتكاد تتفوق على أميركا اقتصاديا، فعلى الرغم من وجود مشكلات صينية عالقة مع أميركا كقضية تايوان مثلا، وعلى الرغم من أنها تستطيع حسم الموقف عسكريا، إلا أنها آثرت بناء الدولة والاقتصاد بدل صرف الموارد على القوات العسكرية والتسلح.
وربما كان من أهم أسباب ذلك وجود قيادة جماعية براغماتية وغير عسكرية، على عكس الحال في روسيا، حيث يتولى القيادة فيها بوتين، الزعيم الأوحد ذو الخلفية العسكرية.
قيادة بوتين لروسيا كانت قوية وموحّدة، لكنها آثرت التعامل مع التهديد الخارجي عبر التركيز على إعادة بناء القوة العسكرية الروسية، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، بدل التركيز على الاقتصاد والتنمية كأولوية قصوى للدولة، ودخل بوتين في مغامرات شعبوية، تركّز على إثارة المشاعر القومية الروسية، وتوظيف الكنيسة الأرثودكسية، وإعادة الاعتبار لروسيا وريثة للاتحاد السوفياتي ثاني قوة عظمى على الأرض.
فمنذ انهيار الاتحاد السوفياتي، لم تستطع روسيا بناء اقتصاد قوي مكافئ للدول المجاورة، كالصين وألمانيا وفرنسا واليابان، ولا يزال اقتصادها يعتمد على البترول وتجارة السلاح كثاني دولة مصدّرة له، وبعض المنتوجات الزراعية كالقمح وغيره.
إلا أنه يبقى اقتصادا ضعيفا نسبيا مقارنة بأقطاب الاقتصاد العالمي، فأين مثلا مشاركة روسيا في الإنتاج الصناعي المدني في العالم؟ وما هو حجم حصّتها منه؟ فلا نكاد نرى منتوجا روسيا في الأسواق.
ولا يمكن مقارنة الاقتصاد الروسي بالاقتصاد الصيني مثلا، على الرغم من الموارد الهائلة لدى روسيا. فالدول عندما تركّز في صرف موازناتها على التسلح بدل التنمية تضعف وتتراجع، لذلك مكانة روسيا الدولية مرشّحة لمزيد من التراجع والانحدار، ولن تشفع لها قوتها العسكرية العملاقة لوحدها.
دعم الأنظمة الفاشلة
عبر التاريخ، لم تدعم روسيا نظاما إلا وكان سقوطه مدويّا، حيث دعمت النظام اليوغسلافي سابقا، ونظام القذافي في ليبيا، والآن مع سوريا ومصر، ورغم أن الدول تغيّر من سياساتها بشكل دائم، إلا أن روسيا بقيت كما هي لم تغير طريقة إدارتها للسياسة، ولم تفلح في جذب العالم العربي لا اقتصاديا ولاسياسيا، وها هي الآن تكرر نفس أخطائها في دعم نظام فاشل في سوريا، وتستهلك من أدواتها واقتصادها رغم عجزها الكبير.
وحتى تقوم بمناوئة الغرب، لم تجد فرصة جيدة لها إلا في الشرق الأوسط، وما وقوفها مع إيران، إلا لإثبات عدائها للسعودية ورفضها عاصفة الحزم في اليمن، ثم وقوفها مع السيسي وبشار، وكل نظام فاسد يقف ضد حرية شعبه، الأمر الذي جعل محللين يصفون التدخل العسكري الروسي في سوريا بمغامرة غير محسوبة العواقب، مثل تجربة أمريكا في أفغانستان سابقا.
وقد برّرت روسيا قرار التدخل في سوريا بنيّتها القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية، لكنها واجهت سيلا من الانتقادات من الولايات لمتحدة وحلفائها بأن الطيران الحربي الروسي شن في الفترة الماضية غارات على مدن سورية لا يوجد فيها تنظيم الدولة، واستهدف بدلا من ذلك مواقع تابعة للمعارضة السورية المسلحة، موقِعا قتلى وجرحى في صفوف المدنيين, في محاولة لإنقاذ نظام الرئيس بشار الأسد ومنعه من الانهيار.
وبيّن خبراء روس، أن الشعب الروسي يعارض التدخّل الروسي في سوريا، مستندين في ذلك إلى استطلاع للرأي أُجري في روسيا قبل نحو شهرين وأظهر أن ما يزيد على 69% من المشاركين في التصويت عارضوا التدخل العسكري بالشأن السوري وعارضوا إرسال قوات إلى الخارج تحت أي ذريعة كانت، لكن الإعلام الروسي مارس التضليل والكذب، ولم يقدم صورة حقيقية لما يفعله الطيران الروسي من جرائم بحق المدنيين السوريين العزّل، وأوصل صورة مغلوطة للشعب الروسي عن حقيقة الوضع المأساوي هناك.
ووصفت أستاذة الاقتصاد بجامعة موسكو “إيرينا فيليبفا”، قرار التدخل العسكري الروسي في سوريا بغير الصائب، لما تمر به البلاد من أزمة اقتصادية خانقة وعقوبات غربية مفروضة، والأزمة الأوكرانية التي استنزفت وما زالت تستنزف الخزينة الروسية، وأن التدخل العسكري يتطلب زيادة الإنفاق على المجهود الحربي الجديد، وتقليص الإنفاق على قطاعات أخرى كالصحة والتعليم، وخطط التحديث التي اتّخذتها الحكومة، وبرامج الاستغناء عن الاستيراد.
وأضافت أن كل هذا يؤدي إلى “تفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في المجتمع الروسي”، ونحن في غنى عن التورط في نزاعات خارجية، بل يجب العمل على النهوض باقتصاد بلادنا.
المصدر : تركيا بوست