The Daily Beast - ترجمة بلدي نيوز
إن مقاتلي "حزب الله" قد ضاقوا ذرعاً بالقتال في "الحرب السورية"، حيث يعتمد النظام السوري على "حزب الله" اللبناني لدعم قواته الضعيفة، ولكن الآن يرفض الكثير من المقاتلين اللبنانيين هذه الحرب.
فقد جُند هؤلاء المقاتلين لمحاربة الاحتلال لإسرائيلي في لبنان، ولكن بعد استخدامهم في الاشتباكات القتالية المتعددة في المدن السورية مثل حلب وإدلب واللاذقية ودمشق وحولها، قال جنود الاحتياط في "حزب الله" لصحيفة "الديلي بيست" أنهم ليسوا على استعداد للموت في "الحرب الأهلية" الدامية في سورية والتي لا تبدو أنها ستنتهي.
ونتيجة لرفضهم الاستمرار في العمل التطوعي لدعم الحكومة المحاصرة لبشار الأسد، يقول هؤلاء الجنود أن حزب الله الشيعي قد قطع الأموال التي كانوا معتادين على تلقيها: رواتب الاحتياط وحزم الاستحقاقات العائلية الدائمة، أما ماهي العواقب الأخرى المترتبة عن رفضهم القتال، فسيكشف عنها المستقبل.
عماد، كما يحب أن يدعى، هو أحد مقاتلي "حزب الله"، يجلس بقرب موقد التدفئة في مزرعة صغيرة في وادي البقاع، تحيط به حقول جرداء حيث كان قد حصد محصوله مؤخراً من المار جوانا، وامتنع عن ذكر اسمه الحقيقي بسبب تجارته غير المشروعة والخوف من انتقام الحزب للتعبير عن رأيه، لكنه قال أنه قرر التوقف عن القتال في سورية بعد فقدان الثقة في الحرب السورية منذ ستة أشهر.
عندما تحدثنا إلى عماد في شهر نيسان، كان ملتزماً بدعم قوات الأسد، تغذيه رغبة الانتقام من الجهاديين الذين قطعوا رأس قريب له في الجيش اللبناني بعد أسر الجندي في بلدة "عرسال " اللبنانية، ورغم أنه ما يزال يريد الانتقام، إلا أنه سئم من الحرب وأحبط من التعامل مع القوات الحكومية السورية.
يقول عماد: "أرفض العودة لأنه كلما سيطرنا على منطقة أو قرية نقوم بتسليمها للجيش السوري، ومن ثم تستعيدها القوى الثورية المناهضة للأسد"، ولكن قراره هذا، والذي اتخذه في حزيران، قد كلفه غالياً منذ ذلك الحين، فقد تم قطع تمويل مدارس أطفاله، وأُخذت منه جميع الاستحقاقات والمزايا المتعلقة بأسرته، وتبخر دعم التدفئة.
آخر ست مهمات له في سورية، كانت في مدينة حلب، وعلى الرغم من أنه لا يزال على استعداد لقتال إسرائيل أو الخدمة على الحدود مع سورية، إلا ان الحزب قد أوقف أيضاً راتبه الاحتياطي.
ويقول عماد أن "حزب الله" تحت ضغوط متزايدة منذ الصيف الماضي، بسبب ارتفاع عدد الضحايا في جنوده إلى جانب ازدياد احتياجات النظام السوري، كما أن الحزب والذي هو عبارة عن ميليشيا موازية لجيش قوي في لبنان، لم يعلن رسمياً عن إحصائيات قتلاه، ولكن جنازات جنوده أصبحت شيئاً شائعاً على نحو متزايد في قاعدة الحزب في "الضاحية الجنوبية"، كما أن هناك استياء كبير من أسر المقاتلين لوجود أبناءهم في سورية.
وقد وصف ثلاثة من جنود الاحتياط في حزب الله "لصحيفة الديلي" المشهد الدموي للقتال في العركة حيث التقدم تارة والتراجع تارة أخرى وحيث تتصاعد الخسائر ولا يتحقق إلا القليل.
فقدان عماد للمزايا المالية، خصوصاً بالنسبة لتعليم أطفال قد أثر على عائلته كثيراً ولكنه يقول أنه قادر على الاعتماد على استقرار تجارة الحشيش، وأنه "بفضل الله" كان محصوله جيد هذا العام، مع أن مبيعاته لسورية قد تأثرت بانخفاض طفيف في خريف هذا العام.
كما قال عماد أنه يوجد ما لا يقل عن 60 جندياً من احتياطات أخرى قد قرروا عدم العودة لسورية، الأمر الذي قد أثر على مستحقاتهم المالية والميزات التي كانوا يحصلون عليها من الحزب، وأضاف: "أنا أعرف الكثير من الجنود الذين عادوا للقتال في سورية بسبب الضغوط المالية، وفقط من تواجد لديه بديل مالي استطاع أن يقول ... يكفي".
وفي قرية صغيرة في جبال لبنان تطل على وادي البقاع، يعيش "جعفر" في شقة متواضعة في الطابق الثاني، وقد أخبر الصحيفة أنه تعرض لإصابة شديدة عندما سقط جدار عليه في دمشق حيث كان يتحصن به أثناء مهمته الأخيرة هناك في تموز، وقد قتل سبعة مقاتلين من حزب الله كانوا معه وجرح أربعة آخرين.
جعفر، الذي يرفض أيضاً استخدام اسمه الحقيقي بسبب الخوف من الانتقام، أبلغ قادته بعدم رغبته بالقتال في سورية، وقال أنهم قد طلبوا منه القيام بهذه المهمة الأخيرة حتى تتم إجراءات الاستبدال بجندي آخر، وإن رفض مواصلة القتال حتى يتم الاستبدال سيتم تحويله للتحقيق ومن شأن ذلك أن يخلق علاقة عدائية مع الحزب.
جعفر هو مسلم سني في منتصف الثلاثينات من عمره، وهو ليس عضواً نموذجياً لحركة المدافعين عن حقوق الشيعة، ففي عام 2000 انضم إلى كتائب المقاومة في "حزب الله"، للمتطوعين الغير شيعة لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان، منذ تلك الأيام تابع الخدمة مع الحزب بما في ذلك في 15 منطقة منتشرة في سورية، لكنه لم يعد يريد خوض حرب لا مخرج منها.
يقول جعفر: "لقد انضممت للحزب لمحاربة اسرائيل! لماذا يجب أن نموت في سورية؟ إنها معركة خاسرة لقد فقدنا الآلاف"، كما لام الجيش السوري على فقدانه الأراضي التي استولى عليها الحزب من الثوار، ويرى التدخل الروسي لدعم الأسد كعلامة نهائية على أنه ليس هناك قدرة عسكرية تستطيع حسم المعركة في سورية والتي تضخمت لتصبح صراع دولي بالوكالة.
ويضيف: "اذا كان الأمريكيون والروس، والحكومة السورية يريدون حلاً، فسوف يجدون واحداً، ولكنها لعبة كبيرة في سورية وبؤس حقيقي".
وفيما يعرج جعفر حول شقته باحثاً عن رشاش الكلاشينكوف الذي حوله إلى قاذف قنابل يدوية، يبدو من الواضح أن جعفر ليس في أي حالة تسمح له بالقتال، حتى لو أراد ذلك، ومع ذلك، ولأنه أعلن عن نيته التوقف عن الذهاب الى سورية، فقد جعفر كل المزايا المالية لعائلته، وقال أنه منذ عودته لم يحصل إلا على رعاية طبية محددة للإصابة التي جلبته للمنزل.
ويصف جعفر بحزن موقف "حزب الله" منه ومن غيره من جنود الاحتياط الرافضين للعودة لسورية: "يجعلني ذلك أشعر أننا مرتزقة"، ويوضح: "هناك مشكلة بذلك فلقد اعتقدنا أنها ستكون حرب قصيرة ولكنها تستمر والجنود لا يرغبون بالاستمرار بالقتال".
من جهته، زعم قائد للقوات الخاصة لحزب الله، أنه لا وجود لأوامر بإلغاء المستحقات المالية والمزايا لجنود الاحتياط ممن يختارون عدم القتال في سورية، وقال عن ذلك: "حزب الله أكبر من هذه الأشياء"، كما ورفض الكشف عن اسمه لأنه غير مخول بالتحدث إلى وسائل الإعلام، ونفى أي ضغوط من قبل الحزب لتقديم مزيد من القوات على الأرض بالإضافة إلى أنه رفض مناقشة عدد الإصابات أو التعليق على ما إذا كانت تتزايد.
في الضاحية الجنوبية في بيروت "الشيعية إلى حد كبير"، تتواجد أعلام حزب الله وصور زعيمه "حسن نصر الله" بجوار ملصقات لصور الشهداء الذين سقطوا في سورية، فالمجتمع المكون من الطبقة العاملة هو ما يمثل قاعدة الحزب، ولكن في الوقت الذي يعتبر السكان حزب الله والي أمورهم وحاميهم إلى أن هنالك شعور متزايد بينهم بالإحباط.
أبو أحمد، الذي يخشى الانتقام إذا عرف اسمه، أحضر ابنه الصغير معه في لقاءه مع صحيفة "الديلي بيست" في حي الضاحية، وقال الوالد عن ابنه الخجول أنه كان يصرخ ويبكي كل يوم عندما كان والده يذهب في مهمات إلى سورية، ولذلك وتحت ضغط من عائلته لوقف القتال وبسبب الاستياء المتزايد من الحرب، قرر الوالد عدم الذهاب إلى سوريا العام الماضي.
"أنا أحب زوجتي وأطفالي أكثر مما أحب سورية وفلسطين"، يقول المخضرم بالقتال ضد الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان وحرب 2006 مع إسرائيل، فقد انضم أبو أحمد إلى حزب الله في منتصف التسعينيات، والآن هو في الأربعينات من عمره، وقد فقد وظيفته وكل مستحقات الأسرة منذ أن رفض العودة إلى سوريا.
ويضيف أبو أحمد محاولاً التحكم بغضبه: "لقد اعتادوا أن يوفروا لي عملاً، والآن لم يعودوا يفعلوا ذلك، أشعر وكأنني قد فقدت كل شيء".
وقال أن أمله لم يخب فقط بالحرب التي وصفها بأنها "مسابقة القوى العظمى"، ولكنه توصل أيضاً إلى نظرة طائفية ساخرة للمنطقة بقوله "دع السنة يحرروا فلسطين"، ورفض التضامن العربي الذي ألهمه حمل السلاح في المقام الأول.
بدلاً من ذلك، يقول أنه ساعد أبناء أخيه بالفرار من لبنان إلى ألمانيا بعد أن هربوا من وحداتهم في سوريا، وقال أنه قريباً سيفر بعائلته إلى ألمانيا.
وتعتبر إحدى حجج حزب الله الرئيسية لدعم نظام الأسد الوحشي هو أن قواته تقوم بحماية لبنان من الجهاديين السنة بحيث لا تصل الحرب لقعر دارهم، وعندما طرحت الصحيفة هذا الموقف على أبو أحمد على بعد بضعة كيلومترات من المكان الذي فجر فيه انتحاريان 43 شخصاً في تشرين الثاني، كان رده قوياً وقال : "دعهم يأتون إلى هنا، فأنا سأغادر".