The World Post – ترجمة بلدي نيوز
مع إصدار قرار مجلس الأمن رقم /2254/ المزين بعبارات الأسف الغربي والفزع على المذابح الجماعية في سورية، لا تزال إدارة أوباما تعرج نحو خط نهايتها في كانون الأول 2017 مع أمل بمستقبل أفضل.
فيما يبدو وزير الخارجية الأمريكي "جون كيري" ملتصقاً بشكل يائس بنظيره الروسي الواثق من نفسه، آملاً بصدق أن تتخلى روسيا وإيران عن مصالحهما ويقنعا موكلهم (بشار الأسد) للتنحي من أجل جبهة موحدة سورية ضد عدو (تجده روسيا وإيران مفيداً) وهو تنظيم "الدولة".
إن الأمل ليس بخطة ولا استراتيجية ، في الواقع إن رفضت روسيا وإيران وقف القتل الجماعي الآن في سورية، فإن الأمل يصبح شريكاً في الجريمة.
إن الثقة بالنفس والهدوء التي يظهرها وزير الخارجية الروسي "سيرغي لافروف" هي ليست بتمثيل، فلولا إصرار وعناد جون كيري على العملية السياسية التي أنتجت حتى الآن تواريخ عشوائية للمفاوضات، وقف إطلاق نار، اتفاقات، دساتير، وانتخابات، لكان من المرجح أن لا تعير روسيا أي انتباه لواشنطن، لماذا؟ لأن ذلك من شأنه أن يمنحها الوقت لتفعل ما تريد مع عواقب قليلة.
الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، دموي التفكير، ولكنه ليس بأصم ولا بأعمى، وهو يسمع تصريحات واشنطن حول عدم جواز إلقاء البراميل على المدنيين من قبل موكله "بشار الأسد"، وعن المجازر التي اقترفها وحصار التجويع بالإضافة إلى السجن الجماعي الذي يفرضه على الشعب السوري.
ولكنه يرى أيضاً إدارة أمريكية لم تحرك ساكناً لحماية أي شخص داخل سورية، كما شهد مراراً دعوات نظيره الامريكي "أوباما" لبشار الأسد بالتنحي، ولكنه يرى سياسة امريكية لا تفقه أن تكون أكثر من مجرد "ناصحة".
كما أن بوتين قد سمع الرئيس الأمريكي يعلن أن استخدام المواد الكيماوية في سورية خطاً أحمراً، وفي وقت لاحق وبعد أربعة عشر انتهاكاً للخط الاحمر، تنازل أوباما عن ذلك بسرية دون استشارة مسؤولي الأمن الوطني ودون كلمة تحذير للحلفاء.
روسيا الآن داخل سورية، لتحمي عسكرياً عميلها هناك "الأسد" والذي جعل أكثر من نصف البلاد ملاذاً آمناً لتنظيم "الدولة"، بسبب استراتيجية العقاب الجامعي التي انتهجها مع الشعب السوري، أما النصف الآخر فيمثل رجس الإنسانية وخطيئتها للقرن 21 ضد الشعب السوري.
بتدخل روسيا في سورية، عمقت من بؤس الإنسان السوري وأرهبته بقنابلها وقصفها مانعةً عنه مساعدات الإنسانية وإمدادات هو بأمس الحاجة إليها في فصل شتاء.
وعندما انتقد كيري الإدارة الروسية لقصفها جميع فصائل المعارضة ماعدا تنظيم "الدولة"، أجاب لافروف بازدراء أن ذلك هو خطأ أمريكا، وأن ذلك حصل بسبب ضعف التنسيق العسكري للإدارة الامريكية مع روسيا.
إذاً حقيقة أن روسيا لا تستطيع التمييز بين قرية تركمانية شمال غرب سورية وبين مواقع وتشكيلات تنظيم "الدولة الإسلامية"، هو على ما يبدو مسؤولية واشنطن!
إن ازدراء روسيا "البارد" للإدارة الأمريكية وثقتها بحصانتها للإفلات من أي عقاب على تجاوزاتها بحق سورية واضحة للجميع إلا لأولئك الذين يغمضوا أعينهم.
ولذلك، فإن القرار 2254 - هو مجرد نسخة (قص ولصق) عن البيانات الصادرة عن اجتماعات فيينا في 30 تشرين الاول و 14تشريت الثاني، وهو قرار يخلو من أي معنى كأي شيء آخر قد صدر عن مجلس الأمن فيما يتعلق بسورية.
إحدى وعشرون مرة، منذ أوائل 2014، صرح فيها الأمين العام للأمم المتحدة عن رفضه لما يسمى بـ "عدم سماح السلطات السورية بتقديم المساعدة الإنسانية دون عوائق للجائعين والمرضى من السوريين".
فهل سيوقف القرار 2254 هذه العرقلة، وهل سيوقف القنابل المتفجرة والاشكال الأخرى من الذخائر التي تمطر المناطق السكنية حتى دون وجود هدف عسكري فيها؟
هل سيتم إطلاق سراح سجين سياسي واحد من بين عشرات آلاف المعتقلين الذين يخضعون للتعذيب والتجويع، والاغتصاب؟
إن لم يفعل المجتمع الدولي أي شيء بعد كل هذه الانتهاكات، وبعد ممارسات تنظيم الدولة التعسفية والمنتجة لللاجئين، فماذا ستفعل ورقة جديدة أو قرار جديد وما الفرق الذي سيحدثه؟
وقد أشار جون كيري أن وقف اطلاق النار الذي سيتم مع السنة الجديدة، من شأنه أن يضع حداً للقتل الجماعي للمدنيين، ولكن وقف إطلاق النار هو ترتيب بين المقاتلين، فلنترك جانباً للحظة التعقيدات الشيطانية لوقف إطلاق النار عبر المشهد الأمني السوري المعقد، متى يتم أخذ الاعتبار بالنساء والأطفال - والرجال العزل في هذه المسألة – هل نعتبرهم مقاتلين؟
ما هي المصطلحات التي من المتوقع لهم أخذها بالاعتبار، حتى يتمكنوا من البقاء دون أذى كلما اصطفوا أمام مخبز، أو للدراسة في مدرسة، للصلاة في مسجد، أو للمعالجة في مستشفى مؤقت؟
ما الذي يسمح في القانون الدولي بالقتل الجماعي للمدنيين، في حين تتم ترتيبات لوقف إطلاق النار من قبل الدبلوماسيين والأطراف المسلحة؟
في أعقاب القرار 2254، تحدث وزير الخارجية الأمريكي "جون كيري" وبعض وزراء الخارجية الآخرين - بالتأكيد ليس السيد لافروف، عن الأزمة الإنسانية السورية بفصاحة، ولكن سورية تغرق في بحر من السياسة الهامدة، الخالية من أي عمل.
وفي المؤتمر الصحفي للرئيس أوباما في 18 كانون الأول، قال الرئيس الأمريكي: "بالنسبة لسورية، أعتقد أنه من المناسب والسليم للولايات المتحدة ان تتكلم عن قيمها"، وبمقارنة ذلك مع ما قاله الكاتب الفرنسي فولتير: "كل رجل مذنب بحق الأفعال الجيدة التي لم يقم بها"، فإن أوباما لم يفشل فقط بفعل الأشياء الجيدة تجاه سورية بل وبالحديث عنها أيضاً.
أن تتكلم، أن تقف إل الجانب الصحيح من التاريخ، أن لا يصبح الخطاب السياسي مجرد تلاعب بالألفاظ السياسية باسم الاتصالات الاستراتيجية_ كل ذلك لم يحمي سورياً واحداً من جرائم الحكومة السورية، فقد فشل الغرب بحماية السوريين داخل سورية من الأسد، والعوامل التي ساعدته مخجلة أخلاقياً وكارثية سياسياً.
الابتعاد عن المسعى الدبلوماسي المبارك الذي قام به مجلس الأمن بالتأكيد ليس خياراً على المدى القريب، ومع ذلك، ليس هناك مفر من حقيقتين بارزتين:
أولاً، لن يكون هناك تقدم سياسي نحو توافق سياسي سوري وتشكيل جبهة موحدة ضد التنظيم، طالما المدنيين هم نقطة استهداف، ولن يتفاوض أحد بحسن نية، ويظهر مرونة واستعداد لإيجاد حل وسط، في حين أن شعبه يفرون خوفاً على حياتهم؟
كيف يمكن تشكيل جبهة موحدة لمكافحة تنظيم الدولة، فيما يوظف أحد الطرفين "روسيا والأسد" التكتيكات لتعزيز استخدام "التنظيم" على حساب المدنيين؟
إذا كان أي شخص يريد لهذه العملية الدبلوماسية أن تنجح، فإنه يجب إيقاف ذبح المدنيين على الفور، ومن يريدها أن تفشل فسوف يسمح للقتل والفوضى أن تستمر.
ثانياً، روسيا وإيران تستطيعان، لو أرادتا إيقاف رجحان الذبح في الوقت الحالي، فوفقاً لتوثيق الشبكة السورية لحقوق الإنسان، ما يقدر بنحو 190.000 مدني سوري قد قتل منذ أذار 2011، وما يقرب من 180.000 ألف منهم يتحمل مسؤوليتهم النظام السوري الذي يعتمد كلياً على موسكو وطهران لإبقائه على قيد الحياة.
لذا _ إذا تحركت إيران وروسيا الآن لإيقاف عميلهم، فإنهم سيشبتون أن عملية فيينا ليست حبراً على ورق، ولكن إن واصلوا السماح للأسد بمواصلة جرائمه ومجازره بحق الشعب السوري بدعمهم المستمر، فذلك سيؤكد عدم جدوى أي قرار حالي.
أما آن الآوان لفرض ذلك بالقوة، بحيث ينتهي القصف، ويُرفع الحصار، وتبدأ عملية إطلاق سراح السجناء خلال 72 ساعة، هل يوجد أحد قد يطلب منهم ذلك؟
في عام 2013 نجح سعي جون كيري المتهور في اصطياد الفريسة "روسيا" وكانت جائزته الفشل الدبلوماسي في مؤتمر جنيف.
لذلك، فإن أي شخص يهتم بسورية، يأمل بشيء مختلف هذه المرة، ولا ضرورة لانتظار العام الجديد حتى تتكشف الحقيقة، فإن استمرت البراميل المتفجرة وغيرها من أساليب الترهيب والحصار والتعذيب في السجون، سيكون ذلك لأن روسيا وإيران أرادتا ذلك في حين سيبقى الغرب أجوفاً يغمغم بالنصائح فقط.
وإن كان هذا هو الوضع، فإن القرار /2254/ سيكون قرار آخر يدخل موسوعة "الخير الذي تحدثنا عنه ولم نفعله".
