بلدي نيوز – (ثابت عبّارة)
جسّدت المعارضة السورية في مؤتمر الرياض2 مؤخراً، انعكاساً حقيقياً لواقع السوريين بعد أكثر من نصف قرن على انعدام الحياة السياسية، الأمر الذي بدا جليّاً بضعف واضح في العمل السياسي، ويتوافق ذلك مع تعقيدات الوضع السوري الراهن، من حيث تعداد القوى الدولية المنخرطة في حلبة الصراع على كل المستويات فوق الأرض السورية، وهذا ما يجعل البحث في كل نقطة بين السوريين في "الرياض"، أمراً شاقاً وغاية في الصعوبة وهدراً للوقت، إذ يبدو للمتابع القريب من المشهد الداخلي، أن الكفاءة في تركيبة الوفد المفاوض الجديد غير كافية، مما يجعل الأمر بذهن الأغلبية، بأنه أمر تمثيلي أولاً، وتحاصصي ثانياً وثالثاً...! وربما يكون حِرفيّا!
إن السمة الأبرز التي يمكن أن نلمسها من مناقشة صيغة البيان الختامي لمؤتمر الرياض2، هي حرص معظم الحاضرين فيه على إرضاء الجمهور السوري على حساب الحرفية في الخطاب والتوجه، خصوصاً في مناقشة موضوع "رحيل الأسد".
وبمكاشفة مباشرة، لكيفية اختيار المدعوين لممثليهم في هيئة التفاوض التي بلغت عدداً كبيراً بسبب سيطرة هاجس التمثيل والمحاصصة، نستنتج كيف تراجع البحث عن هاجس ضرورة الخبرة! وهو الأمر عينه في محاولة اختراع مفهوم مجموعة من (36) عضواً كمرجعية للوفد التفاوضي من ضمن (50) عضواً في هيئة التفاوض السابقة، وهو الوفد الذي لن يتجاوز عدده بأي حال الخمسة عشر شخصاً!
يسجل لمؤتمر الرياض2، بأنه لم ينصاع لأي ضغوطات خارجية على مجرياته، وإن أراد بعض المؤتمرين بتصريحاته خاصة ممن لم تلبِ طموحاته أن يسوق أخباراً غير واقعية عن تلك الضغوط.
بالمقابل فإن ذلك لا يعني عدم وجود أساليب العمل (الشللية) والكواليس بين المجموعات السياسية المكونة للمعارضة السورية وممثليها في الهيئة العامة وكل تداعياتها.
ويرى البعض أن سبب اختيار هذه المجموعة التي تشكل منها الوفد المفاوض، هو لتمرير المقترح الروسي بتوافق روسي أمريكي.
ربما، من الأمور المهمة التي تجعل مؤتمر الرياض2، في منطقة التفاؤل الحذر، هي تأكيد الموقف من وجود الأسد، واعتماد مرجعية جنيف ووحدة المعارضة السورية بوفد واحد، إضافة إلى تقديم السوريين المعارضين لحكم الأسد، كشركاء المجتمع الدولي في مكافحة الإرهاب، ما دفع المعارضة السورية خطوة إلى الأمام، يحتاج نجاحها لملاقاة موقف إيجابي من المجتمع الدولي.
وفي قراءة لجملة العقبات التي تبرر الحذر من هذا التقدم على مستوى العمل السياسي في الثورة السورية، يمكن مقاربة عدة نقاط سلبية كان مؤتمر الرياض2، يعاني منها وظهرت في نتائجه واضحة ومنها أن غالبية النساء المشاركات في الوفد المفاوض لا يمتلكن خبرة سياسية، وكان الدافع التمثيلي لوضعهن لإرضاء رغبة أممية، ومن ناحية أخرى فإن الوفد لم يضم مختصين في العديد من المجالات، خصوصاً القانوني، وهكذا يجب الاستعانة بمختصين في جولات التفاوض، خصوصاً أن أعضاء الوفد المفاوض يجب أن يكونوا من ضمن أعضاء الهيئة، وبالتالي زيادة بالعدد ومزيد من التشتت.
كما لم تكن آلية توجيه الدعوات للكيانات والشخصيات المعارضة بالمستوى المطلوب، ثمة استثناء شخصيات على حساب شخصيات أخرى، ولم يكن ظاهراً بأن تنظيم المؤتمر كان موفقاً، إلى جانب اختيار المشاركين الذي جاء وفق آليات ضعيفة واجهت انتقادات واسعة.
وبالنتيجة فإن عدد الوفد المفاوض الجديد (36) عضواً، الكبير نسبياً، يوحي بالتشتت الذي لازال يهيمن على تمثيل المعارضة السورية، إضافة إلى ذلك، يدور في الأروقة انتقادات واسعة حول مأزق المعارضة في مؤتمر الرياض2 وهو ظهور أسماء ناشطة سياسية لا تفقه بالعمل السياسي والتفاوضي شيئاً، ناهيك عن ردود الأفعال المتمثلة بالرفض من الداخل السوري التي ظهر في بيانات لهيئات سياسية، احتدت بموقفها من مخرجات الرياض2 لقبول الوفد المفاوض بالذهاب إلى مؤتمر سوتشي الذي ترعاه روسيا حليفة النظام.
وتسجل في ردود الأفعال السلبية حول نتائج الرياض2، التوقف عند جدل عبارة "رحيل الأسد هو موضوع تفاوضي" من قبل معظم السوريين المعارضين للنظام، إذ تحول أمر "رحيل الأسد" إلى بند قابل للنقاش بعد أن كان مطلباً أساسياً للثورة السورية في إسقاط النظام.
كما أنه يوجد هناك تلميحات دولية في مقدمة تحديات الرياض2 هي مسعى روسيا، لاستبدال مسار جنيف باجتماع سوتشي، وسط ضغوط قوية على المعارضة للقبول بهذا التحول. ويبقى التحدي الأكبر الذي ستواجهه المعارضة هو عدم امتلاكها نقاط قوة يمكن طرحها خلال المفاوضات.
ولكن رغم ما سبق ربما، نستطيع التوقف عند بعض الجوانب الإيجابية البارزة التي من شأنها جعلنا نترقب بشيء من التحفظ على نتائج الرياض2، إذ استطاعت المعارضة السورية التوافق لتشكيل وفد واحد، ما يعنيه ذلك من طي مشكلة المنصات التي يعتبرها النظام ذريعة للتنصل من المفاوضات مع المعارضة.
من جهة أخرى، يمتلك الوفد المفاوض الجديد غطاء إقليمياً ودولياً لم تكن تملكه الهيئة العليا السابقة، وهو ما يصب لصالح بدء تفاوض جدي في الجولة الثامنة لجنيف.
فيما يضاف إلى مؤتمر الرياض 2، أنه أنتج وفداً مفاوضاً استطاع الحفاظ على خطاب لا يزال يرفض وجود بشار الأسد ضمن المرحلة الانتقالية. وانتقد حلفاءه الأبرز والأقرب في المنطقة، حيث ركز المؤتمر على الدور الذي تلعبه إيران، وميليشياتها الطائفية المسلحة، في تصعيد حدة الصراع في سوريا وضرورة وضع حد لها، مع التأكيد على إخراج كافة القوات والميليشيات الأجنبية من سوريا.
وأخيراً... فإن المبادئ التي وصلت إليها المعارضة السورية في بيان الرياض2، تشكل جسراً للتفاوض، في وجه النظام، وهي ورقة قوة بلا شك، فيما لو تم استثمارها بدعم المجتمع الدولي، في الوقت الذي تلعب الدول الكبرى دوراً يهيمن على طموح الشعب السوري في تحقيق أهداف ثورته، ويجعل تلك الدول تتحكم في الصراع حسب غاياتها دون مراعاة مصالح السوريين في كل مكان.