بلدي نيوز – (تركي مصطفى)
فيما تواصل قوات نظام الأسد وروسيا وإيران تدمير قرى ومدن محافظة دير الزور, وتنهمك الدول الضامنة بتنفيذ مخرجات آستانة 6, أطلقت "هيئة تحرير الشام" معركة ريف حماة.
تلك المعركة التي تبدو معقدة استراتيجيا سواء من حيث توقيتها وحيويتها أو الظروف السياسية المتفاعلة دوليا وإقليميا.
فروسيا ترى في معركة تحرير الشام فرصة جديدة لارتكابها المزيد من الجرائم ضد السوريين برخصة دولية شرعنتها في آستانة, ورسالة تشير على أن يدها في سورية فوق أيدي الجميع, وأن حصتها من الكعكة السورية لا تقل عن حصة واشنطن.
ويناقش هذا الملف المعركة الدائرة في ريف حماة الشمالي، بين هيئة تحرير الشام من جهة، وبين قوات نظام الأسد والميليشيات الطائفية والروس من جهة أخرى، في إطار المعارك الناشبة في وادي الفرات والبادية السورية.
ونوطىء لهذا الملف باستعراض تحليلي موجز للأسباب الدافعة لهذه المعركة في بعدها العسكري المتصل بمحركاتها السياسية وأهدافها.
ثم يتناول الملف بالتحليل جوانب هذه المعركة، خططا وتفاعلات ونتائج، كما يقف على آفاقها المحتملة اعتمادا على توجه عجلة المعارك في مناطق أخرى، وما يترتب عليها من رهانات عسكرية وسياسية.
مقدمة:
لا يزال ريف حماة الشمالي مسرحا للعمليات العسكرية منذ انطلاقة الثورة السورية في العام 2011م, إذ ارتكبت قوات نظام الأسد والميليشيات الشيعية مجازر كبيرة ضد المدنيين في مدينة حماة وريفها, "مجازر القبير، والتريمسة، واللطامنة، ومعرزاف"، وكان أكثرها شناعة ما قام به نظام الأسد في المجزرة الكيماوية بمدينة خان شيخون المحاذية للحدود الإدارية لريف حماة الشمالي, وسط صمت العالم المتمدن وغياب العدالة الدولية بعد تعطيل القانون الدولي نتيجة هيمنة الولايات المتحدة وروسيا على مجلس الأمن الدولي, الساعيتان إلى تحقيق مصالحهما دون أن تقيما وزنا لحياة البشر في سورية.
وبعد نقل الملف من أدراج الأمم المتحدة إلى آستانة التي أسفرت جولاتها المتتالية عن آستانة بنسخته السادسة, ضمت مناطق جديدة في إطار خفض التصعيد, منها محافظة ادلب, وما رشح عن ذلك من رسائل تهديد مباشرة ومبطنة تستهدف بغالبيتها اجتثاث هيئة تحرير الشام القوة الضاربة في ادلب, سواء عن طريق التهديدات التركية وحشد قواتها على الحدود مع ادلب, أو خرائط آستانة التي قسمت جغرافيا المناطق الشمالية المحررة إلى ثلاثة أقسام, لذلك جاءت المعركة الحالية في إطار مخرجات آستانة دون البحث عن خيارات سياسية جدية بديلة للحسم العسكري.
- آستانة 6 ومعارك ريف حماة:
بعد الانتهاء من اجتماعات آستانة 6, بدأ الثلاثي الضامن ( الروسي والإيراني والتركي) عبر اللجان التقنية العد للتنازلي لتنفيذ ما أقروه في آستانة من إدخال المناطق المحررة في الشمال الغربي من سورية في اطار اتفاق مناطق خفض التصعيد والتي تضم محافظة ادلب وأجزاء محررة من أرياف محافظات حماة وحلب واللاذقية, وتقسيم المنطقة الجديدة إلى ثلاثة أقسام, الأول: شرق سكة حديد الحجاز يمتد من مشارف جبل الحص جنوب حلب وحتى مشارف بلدة الحمرة في ريف حماة الشرقي وإلى محاذاة طريق خناصر حماة, يكون منطقة خالية من السلاح يديرها مجلس قبلي وشرطة مدنية بإشراف روسي, والقسم الثاني بين سكة حديد الحجاز, والطريق الدولي امتدادا من مشارف حلب عند نقطة الراشدين وانتهاء بمشارف ريف حماة الشمالي, وهو منطقة عمليات عسكرية روسية ضد هيئة تحرير الشام, والثالث غرب الطريق الدولي يدخل في خفض التصعيد, ويكون لتركيا النفوذ العسكري فيه.
وفي تسريبات متضاربة, فالتنفيذ العملي لهذا الاتفاق يقتضي انتشار نحو 1500 من المراقبين العسكريين الروس والأتراك والإيرانيين، فجاءت الحشود العسكرية التركية على الحدود مع ادلب في إطار اتفاق التفاهم في آستانة, فيما أنكرت تركيا نيتها القيام بعمليات عسكرية في ادلب وأن حشودها حالة طبيعية لانتشار عسكرها الدوري على الحدود, وهناك من يذهب إلى أن القيام بعمل عسكري تركي يحتاج إلى تفاهمات عسكرية وأمنية تركية وموافقة واشنطن, واستصدار قرار من مجلس الأمن يمنح مخرجات آستانة رخصة التدخل العسكري دون انتقاد أو معارضة أطراف أخرى.
هيئة تحرير الشام استبقت تنفيذ تفاهمات آستانة 6 بإطلاق معركة ريف حماة, وفق خطة تفرضها الأحداث العسكرية على كل طرف, ولا يمكن فصلها عن مسار آستانة , بمعنى تصعيد عسكري من الهيئة, واستماتة لكسب مزيد من الأرض يقابله تصعيد جوي روسي يستهدف المنطقة المحررة، دون تمييز بين الفصائل أو المدنيين, وفي جانب التكتيك المتبع في معركة ريف حماة, فالملاحظ أن هيئة تحرير الشام طورت هجوما مباغتا في منطقة جغرافية أفضت في يومها الأول إلى السيطرة على منطقة واسعة بعد أن كسرت خطوط دفاع قوات النظام والميليشيات المساندة لها المتمركزة في قرى "الشعثة والقاهرة وتلة السودة, وقصر أبو سمرة".
وباتت قوات النظام وميليشياته تعتمد بشكل رئيسي على سلاح الطيران الروسي الذي كثف قصفه على البلدات والمدن المحررة في ريفي إدلب الجنوبي وحماة الشمالي والشرقي, مما أدخل عمليا جيش النصر في المعركة, حيث استهدف بصواريخه تجمعات قوات الأسد وميليشيات الشبيحة في السقيلبية وسلحب، بالإضافة لاستهدافه مطار حماة العسكري بعشرات الصواريخ, وهذا بدوره سيوسع من دوائر المعركة يمينا وشمالا ما يعني دخول مناطق أخرى ضمن المعركة بما فيها جبهتي ريف حلب الجنوبي وسهل الغاب, اللتان تشهدان اشتباكات مستمرة, ما يضطر نظام الأسد لاستقدام أعداد كبيرة من التعزيزات عدا عن تشتت سلاح الطيران المنشغل بالسباق إلى السيطرة على وادي الفرات, مما يضخم حجم حاجات نظام الأسد وحلفائه إلى جنودهم على خطوط الإمداد، وشبكة اتصالات، مع التركيز على التقدم باتجاه قواعد قوات الأسد العسكرية في جبل زين العابدين كما يتضح من خط سير العمليات, فاتساع مساحات المواجهة في ظل هذه الحرب تدخل في حسابات معارك المصائر.
-تفاعلات المعركة:
وفي تفاعلات المعركة في جانبها السياسي، تمكنت روسيا من انتزاع الملف السوري من أدراج الأمم المتحدة وتحويله برمته إلى آستانة، وفرض استراتيجيتها على أطراف الصراع بعد إحداث مناطق خفض التصعيد بالتفاهم مع الإيرانيين والأتراك, والاستعداد لعقاب كل من يرفض أو يعترض على مخرجات آستانة, وبعد إطلاق معركة هيئة تحرير الشام استهدف الطيران الروسي كل معارضي الأسد، بما فيهم خصوم الهيئة, متل أحمد عيسى الشيخ قائد صقور الشام, وحسام سلامة القيادي البارز في حركة أحرار الشام.
معركة "تحرير الشام" في حماة ستعجل من تنفيذ مقررات آستانة في التدخل العسكري التركي الذي يحشد قواته على الحدود مع محافظة ادلب باعتباره طرفا ضامنا له أجندات تتعلق بالتواجد الكردي في الشمال السوري, وتحرك الميليشيات الإيرانية بغطاء روسي باتجاه المناطق المحررة بذريعة الحفاظ على مخرجات آستانة, وبالتالي اقتطاع ما يمكن اقتطاعه من آراض محررة لصالح نظام الأسد كونهما حليفين له.
ويدرك الجميع, ما يدور في المنطقة من خطط تحاول استثمارها الأطراف الضامنة لاتفاق خفض التصعيد، والتي استثنيت منها هيئة تحرير الشام, لتنشب المعارك وتتحرك عجلة الحرب التي يستكمل الروس فصولها سعيا لتثبيت نظام الأسد في موقف قوة داخلية يجري استثماره في خدمة مصالحهم.
ولعل المصالح الدولية المتضاربة التي تحرك وتراقب ما يجري في سورية, والتي كانت تعمل على وقف واستئناف المعارك, توافقت أخيرا على شكل الصيغة السياسية للنظام الجديد في سورية، والذي لا يرقى إلى طموحات أهداف الثورة التي انطلقت لأجلها بعد أن عبث فيها الجميع, وبانتظار قادم الأيام وما تحمله من معارك كبيرة بين هيئة تحرير الشام من جهة, والدول الضامنة لاتفاق خفض التصعيد من جهة ثانية, فصل دام جديد يضاف إلى مآسي السوريين.