بلدي نيوز-(كنان سلطان)
ليس من قبيل المصادفة أن تدار محاكم "الإدارة الذاتية" بعقلية المحاكم العسكرية، منظورا إليها بوصفها واجهة قانونية، تشرعن وجود إدارة يهيمن على قراراتها بكليتها؛ فكر حزبي يعتنق إيديولوجيا "القائد الأوحد"، في ظل ما تشهده من قرارات تعسفية، تفتقر إلى أدنى شروط المحاكمات العادلة، والمستندة إلى جملة القوانين والتشريعات المستمدة من قيم المجتمع والتشريعات الإنسانية.
تثير القرارات الصادرة عن من يسمون "قضاة" المحاكم لدى الإدارة الذاتية التابعة لميليشيا "ب ي د" الذراع السوري لحزب العمال الكردستاني، المعلنة في الشمال السوري، الفزع لدى المدنيين، حيث يحتكر حزب الاتحاد الديمقراطي القرار، ويصادر الحياة والحريات العامة، وخاصة بعد جملة من القرارات والأحكام التي أصدرها في قضايا مختلفة، أبسط ما توصف به هو الظلم والتعسف وحتى "الجنون".
في هذا السياق؛ أحدث القرار الصادر عن إحدى "محاكم الشعب" وهو المصطلح الذي يطلقه على محاكمه، في مدينة (الدرباسية) شمالي مدينة الحسكة، أحدث رد فعل عنيف لجهة الجور الذي يحمله في ثناياه، إذ جُرم عريسان وحكم عليهما بالحبس لمدة عام كامل، لمخالفتهما "قانون الزواج" وفق عرف هذه الإدارة!، ولم يقتصر القرار على المعنيين فقط، إنما امتد ليشمل كل من شارك في هذا "الجرم" من الكاتب الذي عقد القران إلى عائلتي العريسين.
وتقول مصادرنا الخاصة إن ثمة قوانين وأعراف تدار بها محاكم الإدارة الذاتية، التي يهمين عليها حزب الاتحاد الديمقراطي، هذه القوانين يقرها أشخاص عاشوا تجربة طويلة من حياة التوحش في الجبال، ولا صلة لهم بالحياة المدنية ولا بالتجمعات البشرية، فهم يعيشون خارج المدينة وحتى القرية، يتنقلون من كهف لأخر، لعشرات الأعوام، ما يمنعهم من استيعاب أو قبول أي شيء له علاقة بالحياة والمجتمعات، ويحول تجربتهم في الجبال إلى قانون يجب أن يطبق على الجميع قهراً.
ووفقا لمصادرنا؛ فإن الاجتماعات التي عقدت مع بدايات تشكيل المؤسسات القانونية والقضائية، بهدف إيجاد هياكل تدير المؤسسات القضائية والمحاكم، يقرر "الكادرو" وهو أعلى سلطة عسكرية، تدير المؤسسات المدينة، بأن لا حاجة لمن درس القانون واختص به، إذ يكفي أن يكون القاضي أو المحامي يجيد القراءة والكتابة، حيث يخضع هؤلاء لدورات تمتد لستة أشهر، ليجاري كبار القضاة في العالم!، بشرط أن يكون منتمياً لحزب "ب ي د" أو موالياً له.
من هنا نجد بأن المحاكم التي تتصدى للفصل في قضايا مختلفة، يكون على رأسها أشخاص يفتقدون للمقدرة والكفاءة، وكثير منهم لا يحمل أي شهادة جامعية، سوى أنه موغل في ولاءه للحزب و"القائد"، بحسب تأكيدات مصادر متطابقة من المنطقة.
وعن هذا الموضوع، يقول (مضر الأسعد) المتحدث الرسمي باسم تجمع الحسكة الوطني لقوى الثورة،" منذ البداية عملت "الإدارة الذاتية" الكردية والمتمثلة بجناحها العسكري "ي ب ك " والأسايش، عملت على إبعاد كل القيادات الثورية السياسية والإعلامية والاجتماعية، واستقطبت بدلا عنهم عناصر أعلنوا الولاء المطلق لها".
ونوه إلى رفض العمل معهم من قبل المجلس الوطني الكردي، والقيادات والتجمعات العربية الكبيرة والأكاديميين، ولهذا وبسبب حاجتهم لكوادر تملأ الفراغ، في الإدارات التابعة لها، نجد بأنهم قبلوا بكل من يعمل معهم.
ويضيف (الأسعد) لبلدي نيوز" تم تعين العشرات من الأشخاص (الأميين) في مراكز قيادية وحساسة، وخاصة في مجال "القضاء" بحيث عين العشرات من الرجال والنساء، في ( دور قضاء الشعب التابعة للإدارة الذاتية).
وهنا يشير (الأسعد) بأن هؤلاء الأشخاص يصدرون قرارات حاسمة ومصيرية، وفقا للتوجيهات والأهواء والمصالح، بعيدا عن الشرعية المستمدة من القانون، من هذه القضايا ما يتصل بالزواج والطلاق والميراث ونقل الملكيات وحقوق الطفل والمرأة وحرية التعبير والإعلام والسكن والنقل والإقامة، وجهلهم في عواقب مثل هذه القرارات يخلق حالة من الفوضى ويأسس هذا الفشل لإشعال حالة الثأر في بيئة عشائرية.
وعن تجربة مؤسسات "الإدارة الذاتية" وخاصة القضائية؛ يقول المحامي والناشط الحقوقي (رديف مصطفى) "بالنسبة لي تجربة الإدارة الذاتية برمتها، هي تجربة تفتقر إلى الشرعية السياسية والقانونية، ومعلوم أن الدور الأساسي في هذه التجربة بشكل عام للعسكر، وبالتالي فالسلطة التنفيذية المؤقتة المتمثلة بهؤلاء هي الآمر الناهي، والسلطة القضائية مجرد تابع لها، فضلا عن كونها موالية سياسيا".
وأردف (مصطفى) "تأسيسا على ما أسلفت لا يمكننا الحديث عن تجربة "قضائية" بالمعنى القانوني، بل عن بعض المحاكم التي تعاني من الخلل، سواء من جهة القانون الواجب التطبيق، أو من حيث تعيين القضاة ومؤهلاتهم، أو من حيث الإجراءات المتبعة، وبالتالي نحن أمام مهازل قضائية أن جاز التعبير".
يشار إلى أن "الإدارة الذاتية" أقرت جملة من القوانين، بهدف خلع مشروعية من نوع ما على تجربتها، في وقت يرى فيه مراقبون أنها مجرد ميليشيات محكومة بذهنية عنصرية عسكرية، بعيدا عن التجربة المدنية، وتسعى لفرض قيم غريبة على المجتمع.