بلدي نيوز - (خاص)
شهدت أمريكا الشمالية كسوفاً كلياً للشمس البارحة 21 من شهر آب الحالي، ويعتبر أحد أطول كسوفات الشمس خلال المائة عام الماضية؛ والذي حول نهار أمريكا إلى ليل، واعتبر أحد أكثر الأحداث المتعلقة بكسوف الشمس خلال القرن الماضي أهمية، حيث نقله موقع فيسبوك على الهواء مباشرة، وتابعه الملايين سوء عبر الفيسبوك، أو في الهواء الطلق على امتداد خط سيره الذي غطى آلاف الكيلومترات.
كسوف الشمس حوّل النهار إلى ليل، مع إغلاق القمر لقرص الشمس بشكل كامل، في حدث نادر الحدوث، ولم يشاهد مثله منذ عقود.
قليلون من السوريين في أمريكا، من يتذكر كسوف 1999، الذي كان كسوفاً كلياً للشمس شهدته سوريا، والذي اعتبر يومها حدثاً فلكياً مهماً، فهو آخر كسوف للشمس في القرن العشرين، والذي تزامن مع انهيار الحالة الصحية لحافظ الأسد، والذي كان السرطان قد تمكن منه، ووصل لمرحلة نهش فيها عظامه قبل لحمه.
ما اعتبره الأسد ونظام حكمه شكلاً من أشكال نذر الشؤم، وتهديداً حقيقياً ومباشراً لحكم آل الأسد، فالأسد المنهك لن يكون قادراً على فعل أي شيء إذا ما تحول هذا الحدث إلى ثورة أخرى، تفسد عليه أمله في تولية ابنه الثاني وخياره الوحيد المتوفر للحكم، بعد أن فقد ابنه البكر في ظروف ما تزال مجهولة.
يقول (أبو محمد) وهو اسم مستعار لمدرس فيزياء من مدينة ديرالزور، وخريج "ر ف ك"، كان يدرس طلاب المرحلة الاعدادية خلال نهاية التسعينيات وحتى بداية الثورة في سوريا "قبل الكسوف بفترة بدأ النظام بالترويج لخطورة كسوف الشمس الصحية والانعكاسات المختلفة على بصر الإنسان، التي تحدث في حال مشاهدة الكسوف، والنظر إليه بشكل مباشر، حيث ظهرت العديد من البرامج التلفزيونية وخصوصاً برنامج كان يعرض في فترة الصباح يوم الجمعة اسمه (صباح الخير) على ما أذكر، وكان عرض أكثر من حلقة عن خطورة مشاهدة الكسوف مباشرة على العين وأنه قد يتسبب بالعمى في حال المشاهدة المباشرة، ونصح البرنامج أن أفضل حل لتجنب (الكارثة) التي كان يخوف الناس منها، هو البقاء في المنزل وإغلاق الستائر طوال فترة الكسوف".
ويتابع (أبو محمد) "الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل تعداه إلى مرحلة أن ظهر المدعو (دريد لحام)، ونشر العديد من الحلقات والفقرات القصيرة (التوعوية) التي تتحدث عن مخاطر كسوف الشمس، وأذكر أنه قص قصة امرأة خياطة فقدت النظر في إحدى عينيها بسبب نظرها مباشرة للكسوف، الأمر الذي تسبب بحالة رعب وصدمة لدى الأهالي الذين كانوا يصدقون في ذلك الوقت كل كلمة يقولها وخوفهم جدا، خصوصاً أن الانترنت لم تكن متوفرة في سوريا في ذلك التاريخ، وكان من الصعوبة حتى بالنسبة لي كشخص درس الفيزياء والكيمياء أن أقدم جواباً دقيقاً وعلميا، بعد الحملة الشنيعة التي استهدف بها النظام الشعب ككل، بهدف تخويفه من الكسوف، حتى أنه طلب منا كمدرسي فيزياء إعطاء توجيهات للطلاب بتجنب النظر للكسوف، أو الخروج من المنزل وقته، في مسعى لكي تصل هذه التعليمات إلى عائلاتهم".
النظام كان يخشى أن يتحول الكسوف من مجرد حدث فلكي، إلى حدث سياسي وثورة شعبية عارمة، فقد سعى جاهداً لمنع تجمهر المدنيين في الميادين والساحات العامة، فمثل هذه التجمعات لن يكون قادرا على ضبطها، أو التحكم بها، خصوصاً أن النظام ربط الحدث بشكل من أشكال الشؤم أو سوء الطالع، ما دفعه للاستثمار لأقصى قدر في الموضوع، ومنع حدوث تبعات له، خصوصاً أن بشار الأسد لم يكن قد حصل على الاعتماد الدولي بعد، وقد يسقط النظام بمجرد عدم وصوله للحكم.
فخشية النظام كانت متركزة في احتمالية حدوث شرارة لثورة جديدة، بين المدنيين المتجمهرين، الذين قد يعتقدون أن هذا الكسوف هو أحد "الإشارات"، التي تشير إلى سقوط النظام، والذي لم يكن لديه القدرة على مواجهة حدث بهذه الضخامة.
بعد قرابة ست سنوات على واحدة من أكبر خدع النظام للسوريين، ظهرت حلقة من مسلسل "بقعة ضوء"، تحكي قصة الكسوف بشكل ساخر، حيث أظهرت الشعب السوري بمظهر المخدوع والساذج، والذي "شرب المقلب"، واختبأ في المنازل في وقت الكسوف خشية من "الإشعاعات"، (بعد أن تقاتلوا على ربطات الخبز أمام المخابز، في مشهد يحاول ترسيخ فكرة أن السوريين همج ومعدومو التعليم ومتخلفون بناء على طبيعة لباسهم التقليدي والرث بالمجمل، وطبيعة الشخصيات غير المتعلمة التي جسدتها الحلقة، حيث تعمد المشهد إظهار حي دمشقي قديم، لضرب الدمشقيين الذين يمثلون نموذج الشخصية السورية ومثالها)، بينما الشعوب المتعلمة المثقفة الغربية، فقد كانت تشاهد الكسوف في الشوارع التي هرب منها السوريون، في مشهد يظهر تشفي وسخرية النظام من السوريين، والذي يسعى للقول أنه تمكن من الضحك عليهم، وحمى نفسه من ثورة كانت ستحصل، لو أنه ترك المجال لهم لمشاهدة الكسوف بأعينهم المجردة، لكن فعلياً كل ما استطاعه النظام، هو تأجيل هذه الثورة لقرابة 12 عاما، كانت كفيلة بكشف كل أكاذيبه والتي لم تكن كذبة "الكسوف" أكبرها.