بلدي نيوز - (المحرر العسكري)
أعلن رئيس قسم الطب الشرعي في كلية الطب بجامعة دمشق (الموالي للنظام) حسين نوفل، خلال مقابلة مع قناة الجديد اللبنانية بتاريخ 9 آب، عدداً تقريبياً للضحايا الذين خلفتهم الحرب في سوريا منذ سنوات.
الغريب أن (نوفل) والذي ادعى أنه عمل على إحصاء عدد الضحايا المسجلين في مستشفيات النظام في مناطق النظام، وصل "بموجب هذا التعداد" إلى العدد 400 ألف ضحية!
كما أضاف إلى ادعائه أن مستشفيات دمشق وريفها توثق يومياً 40 إلى 50 قتيلاً، وحوالي 150 مصابا، معطياً نسبة عدد المصابين حوالي 10 أضعاف الضحايا ما يعني حسب قوله، أن عدد مصابي مناطق النظام يتجاوز 4 مليون شخصاً!
(نوفل) يستمر في قصته، ويضيف عليها (بهدف التأكيد غير المباشر) أن هذا الرقم "تقريبي"، معللاً الأمر بصعوبة تحديد الرقم الدقيق، لصعوبة الوصول إلى أرقام موثوقة من المناطق "الخارجة عن سيطرة الحكومة"، حسب زعمه!
يبدو أن الإعلان الغريب الذي أطلقه رئيس قسم الطب الشرعي في كلية الطب بجامعة دمشق (حسين نوفل)، هو واحد من أحدث الضربات والهجمات الإعلامية على الثورة السورية وعلى الشعب السوري، فقد ادعى هذا الشخص أن عدد الضحايا الذين خلفتهم الحرب في سوريا و"المسجلين في مستشفيات النظام" في مناطق النظام بشكل رسمي، وصل إلى 400 ألف ضحية! وأنهم سقطوا في مناطق النظام فقط!
هذا التصريح قد يكون أحد أكثر التصريحات كارثية منذ بداية الحرب في سوريا، فهو يعاكس النظرية التي عمل عليها النظام منذ بداية الحرب، ويعكس أسلوبا جديداً وأكثر شراسة في الحرب النفسية والإعلامية التي ينتهجها، حيث يأتي إعلان مقتل 400 ألف شخص (موالين وفي مناطق النظام) بمثابة عملية سرقة لموت المدنيين بنيران النظام، والادعاء أن شهداء الثورة ككل هم من الموالين الذين قتلهم "الإرهابيون" المعادون للنظام.
تصريح من مصدر طبي مثل هذا وفي هذا التوقيت، يعني عملياً أن النظام يخضع لعملية إعادة تأهيل وصلت لمرحلة متقدمة، وهذه المرحلة تتمثل في شطب ماضيه الإجرامي (المعروف للسوريين ولكن المعدوم الأدلة الجنائية)، وتحويل جرائمه إلى "الإرهابيين" الذين كان يقاتلهم.
ففعلياً لو حللنا معظم الأخبار في الصحافة الغربية، سنجد أن نسبة معتبرة منها تتحدث عن قرابة 400 ألف قتيل في سوريا، ولكن بدون تحديد دقيق للطرف المسؤول عن مقتلهم (رغم أن بعض الوكالات تتحدث عن مسؤولية النظام)، إضافة للحملة الإعلامية المنظمة ضد "الارهاب"، والتي تستطيع بسهولة احتواء هذه الأرقام وتجييرها لصالح النظام (الذي يعمل جاهداً لقبوله في حلف مكافحي الإرهاب)، والحديث أن القتلى هم من الموالين للنظام، وقتلوا بيد "الارهابيين" الذين يحاربهم العالم، وبخاصة أن رهاب التنظيمات الاصولية يضرب بقوة حالياً في أوروبا، وقد ينجح الأمر ويتحول ضحاياً النظام إلى أضاحي على مذبح بقائه وتلميع صورته.
إذا بعد أن قتلهم، نظام الأسد يسرق موت السوريين، ويسرق جثثهم، فالنظام يريد القول أنه وثق 400 ألف قتيل في مناطقه، يمكن بسهولة تحليل هذا الرقم، والقول أنهم يمثل 200 ألف خسائر في عناصره، وقرابة 200 ألف معتقل تعرضوا للإعدام في سجونه، وهذا هو الأسلوب الوحيد لتفسير مثل هذه الأعداد، حيث لا تفسيرات منطقة أخرى، فلا يوجد أي سجلات أو إثباتات أن الثوار ارتكبوا أي جرائم ضد المدنيين في مناطق النظام (خصوصاً أنه لم يتحدث عن فئات عمرية أو نسب من الذكور والنساء والاطفال)، وليس لديهم طائرات ولا براميل، وليس لديهم أي وسيلة لقتل 400 ألف شخص مثل ما يتحدث النظام، ونسبة الانفجارات في مناطقه منخفضة جداً لتتسبب بقتل 400 ألف شخص، ولا يوجد بأي شكل أو حالة إمكانية لدى الثوار للتسبب بمثل هذا العدد من القتلى في مناطق النظام.
فالنظام سوف يدعي أن هؤلاء عسكريون قتلوا أثناء الدفاع عن المدنيين (بالنسبة للجنود)، أما المدنيون الذين قتلوا في سجونه تحت التعذيب فهم (قتلوا بضربات الارهابيين وهجماتهم وخلال سيطرتهم على المدن)، ما يعني أن النظام سوف يستخدم هذه التصريحات للتهرب من الكثير من الأمور، من بينها موضوع المعتقلين الذي سوف يحمل نسبة كبيرة للمفقودين فيه إلى قوائم الأشخاص الذين قتلوا بيد الثوار.
المتحدث (والذي يمكن اعتباره مصدراً رسميا لكلام) قال أن القتلى ليسوا فقط من المدنيين، لكنها تشكل أيضاً عدداً ممن سماهم "مسلحين"، الأمر الذي يؤكد النية المبيتة للنظام لاستخدام هذه السجلات لتنظيف يديه من جريمة قتل السوريين، والادعاء أنهم إرهابيون فجروا أنفسهم، حسب ادعاء "نوفل".
ما يجعل من هذا الإعلان بمثابة سرقة علنية لدماء المدنيين السوريين، الذين قتلوا بيد النظام وتحت قصف طائراته، الأمر الذي يعتبر بداية تهربه من أي مخرجات لأي عملية سياسية، فهو يجهز كل أسلحته للالتفاف على الوضع، فهو مازال يمثل القانون، وهو الجهة الوحيدة التي تعطي وثائق قانونية "لها قيمة".
لن نستغرب إذاً بعد فترة أن نسمع أموراً أكثر غرابة ووحشية من طرف النظام، فهو يجهز نفسه "للحل السياسي"، ويعد أوراقه كلها للالتفاف على كل ما سوف يتفق عليه، والبداية بسرقة دماء شهداء الثورة، الذين ماتوا تحت الشمس، فكيف بما خفي من الأمور.