بلدي نيوز – (منى علي)
بدا اتفاق الجنوب، الذي أنجزته الولايات المتحدة وروسيا والأردن، وسرى اعتبارا من التاسع من شهر تموز الجاري، مفاجئاً للأوساط السياسية إقليميا ودوليا، إذ أنه جاء بعد أيام فقط من فشل مفاوضات "أستانا" التي استهلكت خمس جولات دون الوصول إلى تلك النتيجة في الجنوب أو "مناطق خفض التوتر" الأخرى التي تواضعت عليها "الدول الضامنة" (روسيا وتركيا وإيران)، ليأتي الاتفاق بعيدا عن الضامنين الإقليميين (تركيا وإيران) ومتجاهلا مصلحة الأخيرة لمصلحة الأردن و"إسرائيل"، ما جعل طهران تصرح بأنها لن تلتزم به، إلا أن ذلك يبقى من باب الاستهلاك الإعلامي طالما أن الاتفاق تم برعاية وإرادة روسيا.
أما المفاجأة الأكبر والأثقل، فكانت الإعلان المفاجئ للجميع بمن فيهم السوريون، عن التوصل لاتفاق هدنة في منطقة خفض التوتر الأخرى، في غوطة دمشق الشرقية، وليأتي التنفيذ متزامنا مع الإعلان، حيث سرت الهدنة فورا ظهر أمس السبت، وفق الدفاع الروسية وجيش الإسلام المعارض ومن ثم إعلام نظام الأسد الرسمي.
هدنة الغوطة حملت مفاجآت عدة، ربما تسهم في قراءة المشهد السوري من جديد، وفق الأطراف الجديدة الفاعلة التي توسطت في القرار ونجحت في إنجازه قبل موعده المقترح أمريكياً وروسياً، إذ كان من المقرر أن يتم الإعلان عن توصل موسكو وواشنطن لاتفاق هدنة في الغوطة منتصف آب/غسطس القادم.
لكن الإعلان عن الهدنة جاء من القاهرة، في خطوة مفاجئة غير معلنة، لتكون بداية لدخول مصر السياسي الفعلي في المعترك السوري، وبعيداً عن الدولتين اللتين طالما كانتا الأقرب لاقتراح الحلول في سوريا والاختلاف حولها (تركيا وإيران).
كما أن الطرف الذي رعى المفاوضات أو مثّل المعارضة في الاتفاق، هو طرف جديد كلياً في مثل هكذا اتفاقات، وهو "تيار الغد" السوري، المقرب من القاهرة، برئاسة رئيس الائتلاف الوطني الأسبق أحمد الجربا، ما يدل على أن مصر كان لها اليد الطولى بفرض "حليفها" من المعارضة كممثل في الاتفاق، ليبرز دور هذا التيار المعارض على الساحة من جديد بوصفه طرفا قادرا على تمثيل المعارضة وتنفيذ اتفاقات مهمة في غياب الممثل الذي كان يعتبر نفسه وحيدا، وهو الائتلاف الوطني. علماً أن الذراع العسكري لتيار الجربا (قوات النخبة) يقاتل تنظيم "الدولة" إلى جانب "قسد" ولم ينخرط مطلقا في أي مواجهة مع قوات الأسد وحلفائها من الميلشيات، ما يجعله مقبولا بقوة من روسيا ومصر والتحالف الدولي.
اتفاقا الجنوب والغوطة، كشفا عن تهميش كامل لإيران من جهة، ولمؤسسات المعارضة التقليدية من جهة أخرى، فغابت إيران وأقصيت مصالحها الكبيرة في الجنوب والغوطة، ما يعني فشل خطتها بالتحكم في سوار العاصمة دمشق، والاقتراب أكثر من حدود "إسرائيل" لا للتحرش بها ولكن لفرض مقايضات سياسية.
كما غاب الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، على حساب تصعيد تيار الجربا و"منصة القاهرة" التي يُراد لها أن تكون إلى جانب "منصة موسكو" صاحبة الكلمة الفصل في جولات جنيف القادمة، للتوقيع على الحل السياسي المُعدّ للسوريين، والذي يعانده الائتلاف، ولكي تكون صاحب كلمة وأحقية في التوقيع، يجب أن يكون لديك "سجل وطني"، وهو ما امتلك تيار الجربا النقطة الأولى فيه بانجاز اتفاق هدنة الغوطة، بانتظار النقطة الثانية التي ربما تكون إنجاز هدنة ريف حمص الشمالي، لتبقى إدلب وحدها في مهب التكهنات والتأرجح بين احتمالات البقاء والفناء.