"إما العيش في مناطق سيطرة النظام والتعرض للنهب والاعتقال والتعذيب والقتل، أو العيش في مناطق سيطرة تنظيم (الدولة) وقوانينه" خياران أمام آلاف المحاصرين في مدينة دير الزور لا ثالث لهما، سوى المغامرة بالخروج من الموت إلى الموت، فغالباً ما تكون غرامة المغامرة "الموت أثناء المحاولة".
وتقدر اعداد المحاصرين داخل الأحياء الخاضعة لسيطرة النظام وميليشياته بثلاثمئة مدني، يعانون ظروفاً إنسانية غاية في الصعوبة من جوع واعتقال وابتزاز عناصر ميليشيات الأسد تصل حد التحرش الجنسي بحسب ناشطين من المدينة، علاوة عن القصف اليومي للتنظيم.
شبكة بلدي الإعلامية التقت "محمد القاسم" أحد نشطاء مدينة دير الزور، والذي تحدث بدوره عن معاناة المدنيين، وكلفة خروجهم من مناطق سيطرة النظام إلى مناطق سيطرة التنظيم، والتي غالباً ما تكلفهم حياتهم.
طرق الموت
يقول "القاسم": "السفر بمعنى السفر ممنوع بالمطلق من الطرفين (النظام والتنظيم)، إنما التنقل يتم بالتهريب، سواء كان من المعبر النهري من منطقة (البغيلية شامية) باتجاه الجزيرة قرية (الحصان) ومحيطها، أو من خلال طريق (دير الزور -الرقة -حلب) عبر البادية الموازية للطريق (وهي منطقة مزروعة بالألغام) وكل هارب وما قُدِر له".
ويضيف: "أما باتجاه الأحياء المحررة من سيطرة النظام (الأحياء الشرقية الممتدة من جامع العرفي حتى منطقة الرشدية)، فلا يعبر خط التماس هذا، إلا القطط وغالباً لا تستطيع عبوره، لأنها تستخدم كهدف تدريبي متحرك لقناصة الطرفين"، مشيراً إلى أنه "توجد طريق شبه أمنة، لا يواتيه إلا ذو حظ عظيم، وهو بالطائرة العسكرية عن طريق مطار دير الزور العسكري، وهو للنخبة فقط والاتجاه لمدينة دمشق".
التكلفة مال وموت
يوضح "محمد القاسم" أن "طرق الانتقال السابقة تكلف الشخص الواحد إما حياته بالقنص أو انفجار لغم، وأحياناً قارب نهري مفخخ أو مبلغ من المال يتراوح بين ٧٥ الى ١٠٠الف ليرة سورية".
وأما بالنسبة للمخاطر التي يتعرض لها أي شخص يبحث عن الهروب بحسب الناشط "فتتراوح بين الموت أو فقدان أطراف وفي أغلب الأحيان الاعتقال من أحد الطرفين، والتهم مجهزة مسبقا، فعند النظام بتهمة الإرهاب، وعند التنظيم بتهمة الردّة أو التعامل مع النظام وبالحالتين العقوبة هي الموت".
ويتابع قائلاً: "هذه المخاطر تتعرض لها رغم دفعك تسعيرة الخروج ويترتب على الخروج الى مناطق التنظيم تكلفة إضافية لكل أنثى تتجاوز عمر الست سنوات، وهي قيمة لباس شرعي تقارب 15 ألف ليرة سورية".
وأما بالنسبة للذكور الخارجين الى منطقة التنظيم، بحسب "القاسم": "يجب عليه تحضير نفسه قبل خمسة عشر يوم على أقل تقدير، حيث يطلق ذقنه، كون عقوبة الذقن المحلوقة عندهم (التنظيم) خمسين جلدة وأسبوع حفر خنادق في أماكن المواجهات، بالنسبة للقادم الى مناطق سيطرة النظام الملتحي عقوبته نتف الذقن من قبل عناصر اول حاجز يمر به مع عدد من الجلدات".
احتمالات بين الإعدام والسلب
لكل طريق وقت يستغرقه بحسب الناشط، فطريق العبور من المعابر النهرية يستغرق ما يقارب اليوم وليلة، لأنه يتطلب دخول منطقة "البغيلية" بحجة "زيارة"، لتبقى حتى الفجر، ثم العبور بالزورق النهري بواسطة مهربين مختصين بالأمر.
أما عن طريق البادية الموازية لطريق حلب، يجب الانطلاق من "البغيلية" منتصف الليل مشي عل الاقدام لمسافة سبعة كم، حتى الوصول إلى منطقة "طريق الخرافي" المسمى "المدحول"، بعدها عليك انتظار سيارة تقل الهاربين باتجاه الطريق الرئيسي لقرية "الحوايج"، وهي غالباً سيارات نقل النفط الخام القادمة من حقل "الخراطة".
ويقول "القاسم" ساخراً: "إذا كان حظنا جيد تمر إحدى دوريات البادية لداعش وعندها لن تحتاج للانتقال، لأنك ستعدم ميدانياً بأحد الأودية"، مضيفاً: "طبعاً بعد أن تسلب حتى ثيابك والأودية الموجودة مليئة بجثث عوائل كاملة إلا النساء من عمر عشر سنوات فما فوق، فيبقين احياء لعدة ايام في مقراتهم في البادية يمارس عليهن وحشية إنسان الغاب، بعد ذلك يلقون في منطقة (عين الحميمة)، وهي نبع ماء جانب (جبل اسود بازلتي).
ويوضح: "أغلب عناصر البادية لدى تنظيم الدولة هم من اهل القرى المحيطة، لأنهم يعرفون باديتهم بشكل جيد، والطرف المقابل عناصر الدفاع الوطني لدى النظام أيضاً هم من شباب نفس القرى، والتواصل موجود بين الطرفين، كون الكثير من العوائل لديها أبناء مقسومين بين الطرفين".
تحرش جنسي وابتزاز مادي
شبكة بلدي الإعلامية التقت "ابراهيم الناصر" أحد الاشخاص الذين خرجوا مؤخراً من المدينة، يتحدث عن الأوضاع المأساوية التي يعيشها أهالي المدينة، جراء الحصار المفروض عليهم من النظام والتنظيم.
يقول الناصر: "لا يوجد كلام يعبر عن معاناتهم، على سبيل المثال، تشتري كيلو واحد من السكر بألفي ليرة سوريا مع تقبيل يد البائع، والذي يعمل لمصلحة أحد ضباط الأسد، كذلك تبقى يوم وليلة كاملة للحصول على ربطة خبز بسعر ٤٠٠ ليرة، أو 1 كغ برغل بسعر ٨٠٠ ليرة سورية"، مضيفاً: "بشكل عام التجار والباعة الموجودين من ذوي النفوس الحاقدة وتجار حروب ودم، فعندما يبيع امرأة جاره علبة مرتديلا بـ ٥٠٠ ليرة، فإنه يمسك يدها قبل أن يمسك المال، وجرت آلاف الحالات من محاولات الاستغلال الجسدي للنساء، والتحرش الجنسي على الافران من قبل بهائم الدفاع الوطني".
ويؤكد "الناصر" أن "أغلب العوائل تعرضت لحالات مشابهة بالأخص الفقراء، وهم الأغلبية المطلقة من السكان، وعدا ذلك فمن لديه شباب بسن التجنيد، فإن حياته جحيم من المداهمات الليلية، بحثاً عنهم، وفي حالات كثيرة أخذوا (عناصر النظام) افراد من العائلة رهينة حتى يحضر المطلوب، وإن كان خارج المنطقة وببعض الحالات أخذت فتيات رهائن، مما يدفع الشباب للانصياع ويغامر بالعودة عبر معابر الموت التي يسيطر عليها داعش في الجانب الاخر، ليعتقلهم بحجة العودة إلى بلاد الكفر وتنقطع اخبارهم".