بلدي نيوز – (المحرر العسكري)
خلال السنوات الأولى للثورة حوصر النظام بشكل يائس غربي سوريا في شريط ضيق ومحدود لا يكاد يتنفس فيه، وشارف على السقوط مرات عدة حتى بدأ التدخل الروسي الذي جلب معه ما كان يفتقره النظام على المستويين العسكري والسياسي، وأنقذ التعاون العسكري السياسي "الروسي-الإيراني" النظام من السقوط ولو شكليا، حيث لم يعد يسيطر حتى على مناطق حكمه، ووجوده ثانوي، وغير قادر على الاصطدام مع القوى الأخرى عسكريا أو سياسيا، ويبقى موضوع الخدمات الأمر الوحيد الذي يملكه النظام بشكل كامل، على الرغم من رهنه كل مقدرات الدولة لداعميه.
ويسعى النظام لتقديم نفسه كمحارب للإرهاب، ويسعى مع داعميه لحجز مقعد في الصف الأول في مسرح الأحداث القادمة في سوريا والشرق الأوسط، فهو يسعى لتقديم نموذج الخدمات الذي يفتقده التحالف الدولي في المنطقة، والمتمثل بالقدرة العددية في العناصر التي تحتمل الخسائر وتستطيع متابعة القتال حتى مع معدل استنزاف عالٍ، وخصوصاً أنه لا يوجد أي تبعات حقيقية للخسائر الكبيرة في هذه القوات، كتبعات قانونية أو مالية أو أخلاقية، وهي قوات مطيعة وجاهزة لتنفيذ المهام القذرة بدون تردد.
بضاعة النظام التي يعرضها تعتبر نادرة فعليا في مسرح الحرب في الشرق الأوسط، فكما أسلفنا لا يمتلك التحالف قدرا كافيا من العناصر البشرية للعمل براحة في المنطقة، ولذلك فهو يعمل على مستويين، الأول حشد المزيد من الدول إلى جانبه في العمل القادم في المنطقة، والاستفادة من القوى المحلية مثل الميليشيات الكردية والميليشيات الشيعية وحتى جيش النظام وميليشياته، إضافة لتطوير التقنيات والأعتدة والتكتيكات التي تستخدم في المعارك ضد التنظيم الذي يظهر الكثير من القدرة العسكرية ونواة قدرات تقنية فد تتطور لاحقا لتشكل خطراً حقيقياً على التحالف في حال حصل على الوقت الكافي لتطوير بعض الأعتدة المحورية في المعركة مثل مضادات الدروع ومضادات الطائرات.
فالنظام يعمل على حشد قوة تصل إلى 150 ألف عنصر بناء على برقيات الاحتياط التي شملت قرابة 75 ألف شخص من مناطقه، والشبان في عمر التجنيد الأساسي والشبان في مناطق المصالحات حيث يسعى النظام لتجنيدهم جميعا، ليبلغ العدد الإجمالي لمن يستطيع النظام زجهم في جبهات القتال خلال الأشهر القادمة عشرات آلاف الأشخاص وربما يصل للعدد الذي يسعى إليه، والذي يعتبر إغراء كبيرا للتحالف للقبول ضمنيا بمشاركته في المعارك ضد التنظيم ولو ضمن الجبهات الثانوية التي يسعى النظام للسيطرة عليها بهدف توسيع مناطق نفوذه والقول للتحالف أنه يسعى لمقاتلة التنظيم والذي يعتبر عدوا مشتركا للجميع.
من جهة أخرى، تسعى الميليشيات الكردية للوصول بقواتها لقوام 60 إلى 100 ألف عنصر، وهو أمر يبدو أنها تواجه الكثير من التعثر فيه، فهي تعمل بموجب أسلوب التجنيد الإجباري، ومع ذلك فنسبة التهرب من التجنيد هائلة وكبيرة جداً، فالميليشيات غير قادرة على تجنيد العدد المطلوب من المجندين لمعركة الرقة، الأمر الذي يفرض ضغطا كبيراً عليها، وقد يتسبب بتأخير معركة الرقة، الأمر الذي تظهره عملية التقدم المحدودة التي تنفذ على خطوات، والتي تحدثنا سابقا أنها استجابة تكتيكية للوضع البشري الذي تفرضه عدم كفاية العناصر البشرية على الأرض للمعركة القادمة في الرقة.
إذا النظام يهاجم على محور حلب مسكنة، بهدف الوصول لمدينة مسكنة التي تعتبر معركته الكبرى الأولى بعد اتفاق وقف التصعيد، والتي سوف تعتبر بالنسبة له في حال سيطر على المنطقة بمثابة انتصار معنوي، فهو يسعى للسيطرة على كامل حلب، ويستطيع عندها القول أنه حرر منطقة كاملة من التنظيم، في حين تعتبر هذه المعركة بمثابة طلب اشتراك في معركة الرقة، باعتباره يستطيع المساعدة في المعركة بحكم القوة العددية التي يمتلكها، والتي سوف تساعد في تخطي مشكلة هشاشة الميليشيات الكردية وعدم تقبلها للخسائر البشرية بنفس مستوى النظام والميليشيات الشيعية.